تُطرح اليوم الكثير من التساؤلات عن مستقبل المشروع الناصري، وهل ما يزال مستقبليًا، وإلى أي حد يمكن أن تكون الأفكار التي طرحها الراحل الكبير جمال الأتاسي منارة لتحديث وتطوير وإنجاز المشروع القومي العربي الديمقراطي الذي يُعول عليه في قادم الأيام، بعيدًا عن الأنظمة المستبدة، وبعد سلسلة الانهيارات الكبرى التي جرت، ليس في الواقع السوري فحسب، بل في جل الواقع العربي، خاصة بعد موجات الربيع العربي المتتابعة، حيث نجحت في القليل منها وفشلت أو تعثرت في معظمها بالنظر إلى عوامل عديدة.
ويبقى السؤال ماثلاً أمامنا: هل ما يزال الفكر الناصري باق ومستقبلي. ومن ثم هل ما طرحه الدكتور جمال الأتاسي من فكر تنويري قومي ناصري يحمل إمكانية بقائه ومستقبليته كمشروع قومي ديمقراطي يمكن أن يكون مشروع المستقبل بامتياز، وأن يؤسس لحالة نهوض قومي، في محاولة جادة لإحياء الفكر القومي/ المشروع، تأسيسًا على تجربة جمال عبد الناصر السياسية؟ حول هذا المحاور تحدث لفيف من أهل السياسة والثقافة لموقع ملتقى العروبيين
حيث أكد المحامي الأستاذ حبيب عيسى قائلًا: ” لا أعرف إلى أي حد يمكن الحديث عن فكر ناصري محدد، ذلك أن الفكر الذي ينسب إلى جمال عبد الناصر متطور بما يتلازم مع التجربة التي خاضها والضرورات التي رافقت كل مرحلة من تجربته التاريخية الممتدة من الضباط الأحرار إلى الانقلاب، ثم إلى المرحلة الثورية، ثم إلى الجمهورية العربية المتحدة ثم إلى الانفصال، وما ترتب عليه حتى نكسة ١٩٦٧ ثم إلى مرحلة مواجهة النكسة وإزالة آثار العدوان، وبالتالي يمكن تقسيم فكر جمال عبد الناصر إلى قسمين الأول يتعلق بالمبادئ الأساسية العامة منطلقات واستراتيجية، والقسم الثاني يتعلق بتجربة الحكم ومواجهة المخططات المعادية، وهذا القسم الثاني يعتبر مرافقاً للتجربة ومتغيرًا حسب ظروف كل مرحلة، على سبيل المثال تطور الأساس التنظيمي من هيئة التحرير إلى الاتحاد القومي إلى الاتحاد الاشتراكي إلى الحركة العربية الواحدة، إلى طليعة الاشتراكيين، إلى الطليعة العربية، وأخيرًا إلى بيان ٣٠ مارس الاستراتيجي لما بعد إزالة آثار العدوان.” ثم أضاف ” جمال الأتاسي وعدد لا بأس به من الرواد والمفكرين القوميين التقدميين، سواء أطلقوا على أنفسهم أو أطلق عليهم الغير ألقاب ناصرية، كانوا أمناء على الخط الاستراتيجي القويم لجمال عبد الناصر وتبني الجيل العربي الجديد لهذا النهج، هو الذي سيحقق الحلم العربي والذي هو حلم جمال عبد الناصر الذي قدم حياته عربونًا لتحقيقه. لذلك فإن الناصرية الحقة الاستراتيجية هي المستقبل العربي رغم كل هذه المحن التي نعيش وكل هذا الظلام”.
أما الكاتب الصحافي الأستاذ محمد خليفة فقال: ” يعمل التاريخ وفقًا لقاعدة (البقاء للأصلح) إنه يراكم الأحداث والأفكار التي تساهم في تطوير الحياة. لا يهمل ولا يتلف إلا ما يتخلى الناس عنه بمحض إرادتهم، لأنه سلبي لا يساهم في تطوير حياتهم. ونحن جميعًا ما زلنا نرى أن (التجربة الناصرية) الغنية فكرًا وسياسة وسلوكًا ما زالت تمثل مثالًا ونموذجًا ملهمًا للنخب العربية المستنيرة التي تكافح وتجتهد لتطوير تيارات التجديد والتحديث والتنوير. نحن نرى هذا في ثورات الربيع العربي المتواصلة، ونراه في الأحزاب التي تتبنى فكر التجربة، وتتمسك به، ونراه في مئات الكتب والأبحاث والدراسات الفكرية التي تتناول التجربة فكريًا وسياسيًا، وتسلط الأضواء على دروسها ونتائجها، للإستهداء بها. وفوق ذلك نراه في وفاء الجماهير العربية العريضة للتجربة وقائدها وانجازاتها. ورأينا أن الأجيال الشابة التي لم تعش التجربة في وقتها تنحاز لها في ثورة 2011 المصرية” ثم تابع يقول: ” ما يؤكد صحة هذه الاستنتاجات هو وفرة المساهمات والمحاولات الموسوعية والنظرية التي استهدفت تأصيل الأسس والأطر الفكرية لتراث التجربة الناصرية، والتي قام بها باحثون وفلاسفة مخضرمون ومبدعون عرب كثر، أمثال د. نديم البيطار، ود. عصمت سيف الدولة، ود. جمال الأتاسي.” ثم قال ” أهمية فكر جمال عبد الناصر، ومساهمات الذين تأثروا بتجربته وفكره أنهم وضعوا أسس ومنهج النهضة العربية المعاصرة المنشودة، ومعالم الطريق إليها، وعمقوا أبعادها وجوانبها وعلاقاتها بالتجارب العالمية والانسانية التي تأثرت بها أو تفاعلت معها أخذًا وعطاءً، سلبًا وإيجابًا. هذه المساهمات القيمة أثرت وعمقت فكر التجربة الأولى، وهي مساهمات نقدية جريئة لا مجرد شروحات على هامش المتون، استكملت المبادئ الأولية، وساعدت على تجذيرها وتثميرها، ويمكن القول إنها صححت أحيانًا وصوبت بعض الجوانب على ضوء التطور التاريخي. أي إنها تضمنت أضافات إبداعية ثورية، في ذات الاتجاه، وعلى ذات المنهج، ولذات الهدف. المفكر الراحل جمال الأتاسي مؤسس مدرسة فكرية قومية ثورية في سورية لا تقل أهمية عن المدرسة الأم “.
من جهته قال السيد عبد الرحيم خليفة المنسق العام لملتقى العروبيين السوريين:” لنتفق أولًا أن الناصرية مشروع نهضوي تحرري أكثر منها إيديولوجيا، ونظرية سياسية اقتصادية اجتماعية، وبهذا المعنى فالناصرية هي مشروع المستقبل، بكل تأكيد، بعناصره المتعددة، الحرية والاستقلال والتحرر والعدالة والتنمية الشاملة والمستدامة والوحدة والتجدد الحضاري. وأزعم أن أي باحث أو دارس يقف عند مشكلات ومعضلات واقعنا، لن يخرج بخلاصات ونتائج تضيف شيئا على ذلك. الدكتور جمال الأتاسي لا شك قدم إضافات مهمة، ومتميزة، في قراءة التجربة الناصرية، ولا يمكن الحديث عن المشروع الناصري، وتجديده، دون الوقوف على الإسهامات الكبيرة التي قدمها الراحل الكبير، جمال الأتاسي. ” ثم قال:” برأيي المتواضع إن نهضة الأمة العربية رهن باستنباط خلاصات المشروع الناصري وتجديدها وفق تطورات الواقع الحالي. الناصرية لم تكن جامدة ومتيبسة، بل على العكس كانت دائمًا متطورة ومتغيرة، وفق قوانين حركة الواقع والتاريخ، باستثناء من حنطوها، وهم للأسف، من المؤمنين بها ومن أتباعها، تحت زعم المحافظة عليها، والوفاء لها. أشعر بتفاؤل كبير بحضور الناصرية في معانيها الكبيرة والقيمة في مستقبلنا القادم، وإن لم يكن ذلك تحت ذات العنوان أو اليافطة.”.
السيد عزت محيسن الكاتب العروبي بدأ في إجابته بالقول: ” أولًا وقبل كل شيء لا يعني تطوير الفكر الخروج على الفكر، لذا بادئ ذي بدء عبد الناصر لم يطرح قالبًا جامداً ، ثم إن هذا الفكر هو الفكر القومي العربي أساسًا ، فعبد الناصر كان رجل فكر، لكن أيضًا كان رجل سياسة ومواقفه السياسية النابعة من الفكر القومي هي واحدة من الأسباب التي جعلت الالتفاف الجماهيري حوله يكاد يكون مطلقًا ، فصلاحية أفكار عبد الناصر من صلاحية الفكر القومي، وما طرحه الدكتور جمال أتاسي هو طرح قومي بالدرجة الأولى، وهو يمثل لبنة مضافة إلى بناء الفكر القومي وبعيدًا عن الشخصنة، أعتقد أن السؤال هل ما زال الفكر القومي صالحًا: نعم إنه صالحٌ والتطوير لا يغير من طبيعته”.
المشروع الناصري متجدد وحاضر في الزمان والمكان.يجب أن نبعده عن القوالب الأيديولوجية المنمطة.التي تحاصر الفكرة ولا تطورها. إنه الأساس والمرتكز لأي مشروع نهضوي عربي يعيد ممكنات الأمة إلى النهوض من جديد.