غزّة… انتظار معجزة

حسام كنفاني

مع كل توارد للأنباء عن مفاوضات جديدة على وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، ترتفع الآمال باحتمال نجاح هذه الجولة وإنهاء جريمة الحرب التي يرتكبها الاحتلال في القطاع. لكن هذه الآمال تصطدم بواقع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، غير راغبٍ في إنهاء الحرب، مهما أبدت الأطراف الأخرى من مرونةٍ في تلبية المطالب الإسرائيلية، لنعود إلى متابعة المجازر اليومية، وترقّب فرص أخرى للتفاوض، في ظل العجز العربي والعالمي في الضغط على إسرائيل لوقف العدوان.

اليوم أيضاً، ورغم كل المؤشّرات السلبية الآتية من دولة الاحتلال، هناك أملٌ يبقى قائماً بإمكان التوصّل هذه المرّة إلى اتفاقٍ يرفع الكرب عمن تبقى من سكان غزّة. نترقب التعليقات الواردة على الرد الذي قدمته حركة حماس على آخر مبادرات التهدئة، ونرصد كل ما هو إيجابي فيها، على أمل أن تلقى هذه المرّة مصيراً مختلفاً.

ورغم اليقين بأن النيات الإسرائيلية المعلنة لا تترك مجالاً للتفاؤل، يبقى الترقّب بإمكان حصول اختراق ما في الملف التفاوضي قائماً. ترقّب لموقف حازم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلاً، أو تصاعد حدّة الضغط الداخلي على نتنياهو أو رفض من قيادة الجيش لتنفيذ الخطط العسكرية الموضوعة لقطاع غزّة.

من المعلوم أن انتظار أي مما سبق هو ضربٌ من الخيال، فمن المؤكّد أنه لا يمكن التعويل على الرئيس الأميركي الداعم لإسرائيل بالمطلق، فهو قبل أيام أبدى موافقته على الخطط الإسرائيلية لاحتلال مدينة غزّة، وهو أيضاً ما قاله نتنياهو قبل ساعات، إذ أكّد أن ترامب موافقٌ على الخطة باعتبارها السبيل الوحيد لإنهاء “حماس”. وحتى لو كان ترامب رافضاً الخطة، فالواضح أنه غير راغبٍ في التدخّل بقوة لمنع تنفيذها أو وقف العدوان، وهو الذي سبق أن أصر قبل أسابيع على ضرورة إنهاء الحرب، لكنه عاد وبدّل رأيه، وانتقل إلى دعم كل التحرّكات الإسرائيلية.

أما انتظار أي تحرك داخل الجيش الإسرائيلي، فهو أيضاً شبه مستحيل. فرغم معارضة القيادات العسكرية استمرار الحرب، وإعادة احتلال غزّة، والتوجس من الدور الذي من الممكن أن يلعبه الجيش في المرحلة اللاحقة، سواء في ما يتعلق بتوزيع المساعدات أو إدارة القطاع أمنياً، فإن هذه المواقف التي لا تخرج عن إطار التصريحات والتنبيهات من خطورة قادمة من باب إخلاء المسؤولية، فلم يسبق أن عارض الجيش في إسرائيل أي قرار من المستوى السياسي، حتى وإن كان غير متلائم مع حساباته.

تحرّكات الشارع في إسرائيل هي الأقل استحالة، لكن تأثيراتها غير حاسمة، فخلال الأيام الماضية شهدت تل أبيب والمدن الإسرائيلية توسّعاً في التظاهرات المعاوضة لتوسيع الحرب والمطالبة بإعادة من تبقوا من المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزّة. من المرتقب أن تتوسّع هذه التحرّكات في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع إعلان جيش الاحتلال استدعاء ستين ألفاً من جنود الاحتياط للمشاركة في تنفيذ خطة احتلال غزّة. من شأن هذه الخطوة توسيع دائرة الغضب بين الشباب الإسرائيليين غير الراغبين في التخلي عن أعمالهم والدخول في معترك الحرب، وهم يروْن أن اليهود المتدينين، والذين يدفعون إلى تأجيج العدوان، غير معنيين بالقتال، وما زالوا غير مدرجين على لائحة التجنيد، رغم الوعود التي قطعها نتنياهو. لكن أيضاً، لا يمكن التعويل على أثر ما لهذه الاحتجاجات، في حال توسّعها، ولا سيما أن تجربة التعديلات القضائية ما تزال ماثلة، فرغم الانقسام الحاد في المجتمع الإسرائيلي في ذلك الحين، والتظاهرات العارمة التي اجتاحت المدن الإسرائيلية، وتل أبيب تحديداً، تمكّن نتنياهو من تمرير القانون غير آبه بكل الأصوات المعارضة.

توحي كل هذه المعطيات بأن الوضع في قطاع غزّة ماض نحو الأسوأ، وأن لا نهاية قريبة للعدوان إلا بمعجزة. وكل التحرّكات والمقترحات والزيارات في هذا الصدد، يبدو أن إسرائيل تستغلها لتمرير الوقت لتنفيذ مخطّطاتها.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى