بعد الانجازات في الخارج متى يأتي دور الداخل؟

استطاع العهد الجديد القيام بعملية إعادة تموضع لسورية في الخارطة السياسية للمنطقة والعالم خلال فترة قياسية، فمن دولة فاشلة تصدر اللاجئين والكيبتاغون وعلاقات دولية تتسم بالتوتر والانخراط بمحور طهران المعزول عربيًا وعالميًا إلى دولة استطاعت إقناع الجميع أن هدفها هو الاستقرار والتنمية والانفتاح على جميع الدول دون الدخول بأية محاور.
لم يكن سهلًا تغيير الصورة القاتمة السواد التي خلفها العهد البائد لسورية نحو صورة مختلفة خلال الأحد عشر شهرًا الماضية، لقد بذلت الحكومة السورية نشاطًا سياسيًا وديبلوماسيًا غير مسبوق، وحافظت على خط سياسي اتسم بالثبات والعقلانية والتماسك، وكانت زيارة الشرع لموسكو أوضح تعبير عن البراغماتية السورية الجديدة التي لا ترى الأعداء والأصدقاء سوى من نافذة مصلحة سورية.
وإذا وافق مجلس النواب الأميركي على رفع العقوبات المرتبطة بقانون قيصر فربما يكون الانتهاء من رفع العقوبات أهم انجاز سياسي خارجي خلال العام الذي يوشك أن ينتهي والتي كانت تمثل عقبة كأداء في طريق نهوض الدولة السورية وإعادة الإعمار.
لا نريد المضي أكثر من ذلك في الحديث عن إنجازات السياسة الخارجية رغم أنه يظل هناك ما يمكن قوله خاصة بصدد إصلاح العلاقة مع الدول العربية الشقيقة وتركيا.
هذه الإنجازات في السياسة الخارجية تبدو حيوية وهامة للغاية في التمهيد لجلب الاستثمارات العربية والأجنبية وضخ الدماء في شرايين الاقتصاد السوري الذي تركه بشار الأسد بحالة مزرية قبل أن يجمع كل ما يمكنه سرقته من أموال الشعب السوري ويهرب في جنح الظلام كأي لص لا يمتلك الحد الأدنى من الشرف والرجولة.
لكن ماذا عن السياسة الداخلية؟
لقد آن الأوان لفتح ملف السياسة الداخلية فالإنجازات الخارجية لا تغني عن الإنجازات المطلوبة في الداخل، والطائر السوري لا يمكن أن يحلق بجناح واحد.
حتى الآن يمكن القول إن الانجازات في السياسة الخارجية لا تقابل إنجازات مماثلة في الداخل.
وعلى النقيض من ذلك فهناك تعثر وتردد وضبابية في رؤية العهد الجديد وفي ممارسته السياسية الداخلية.
فملف الساحل بقي مفتوحًا طالما لم يتم الانتقال من لجنة التحقيق إلى توجيه التهم وعقد المحاكمات للمتورطين في المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين بصورة علنية وشفافة.
وملف السويداء ينتظر تناول تقرير لجنة التحقيق الأممية بطريقة لا تترك لأي كان الشك في إرادة تطبيق العدالة وفق القانون على جميع من ارتكب المجازر بحق المدنيين دون استثناء. ومن الواضح الآن أن المدخل للحل الوطني لأزمة السويداء يمر عبر ايقاع العقوبة بحق كل من ارتكب جريمة في السويداء كائنًا من كان، وكذلك جبر الضرر وتوسيع الحوار مع المجتمع المدني في السويداء، وكل ذلك يتطلب المبادرة من الحكومة وبذل الجهد على النحو الذي قامت به في الملفات الخارجية.
هناك شعور واسع الانتشار نسبيًا لدى السوريين في الجزيرة السورية أن الحكومة لا تلتفت إلى أوضاعهم والأزمة التي يعيشونها بالقدر الكافي ولا يشمل ذلك فقط تطبيق اتفاق آذار مع قسد بل يشمل ملفات متعددة أخرى تتعلق بالدفاع عن حقوقهم التي يتم انتهاكها يوميًا من قبل قسد ودعمهم بكل الوسائل والامكانات.
أيضًا هناك تذمر ملموس من سوء الادارات المحلية التي يتم تعيينها بناء على اعتبارات الولاء على حساب الكفاءة والخبرة، ويتسبب ذلك في إحجام رجال الأعمال والمستثمرين المحليين عن الانخراط في الجهد المطلوب لإعادة الاعمار.
ونأتي للموضوع الأكثر حساسية في السياسة الداخلية، ونعني به دور الحكومة في إحياء الحياة السياسية عبر إحياء دور المجتمع المدني، ومن أجل ذلك فإن من الضروري إيجاد حل لازدواج السلطة في المحافظات والمتمثل في وجود ” أمانات سياسية ” تتدخل بحكم وظيفتها بنشاطات المجتمع المدني بما في ذلك فرض قيادات نقابية، والموافقة أو عدم الموافقة على النشاطات الثقافية والفكرية والسياسية.
وبالنسبة لقانون الأحزاب الذي يمس بصورة مباشرة الحياة السياسية فيمكن القول إنه لم تتم حتى الآن مناقشته بطريقة شفافة وعلنية وإشراك القوى السياسية الوطنية في الحوار حوله قبل إقراره وفق ما هو متوقع ومطلوب.
وإذا شئنا تلخيص ما هو مطلوب على صعيد الحياة السياسية من الحكومة في الفترة الانتقالية الراهنة باختصار شديد فهو كالتالي:
أولًا: الانفتاح على القوى الوطنية والشخصيات المعارضة للنظام البائد بصورة مختلفة عما قامت به الحكومة حتى الآن.
ثانيًا: التحول من جعل الولاء معيارًا للمناصب الادارية الرئيسية لجعل الكفاءة والخبرة والنزاهة المعيار الأول بغض النظر عن أية خلفية فكرية أو طائفية.
ثالثًا: تحديد بوصلة المرحلة الانتقالية بكونها تهدف للوصول لدولة مدنية ديمقراطية بصورة لا تقبل التأويل ودعم ذلك بتحديد موعد للانتخابات العامة من أجل انتخاب جمعية تأسيسية تأخذ على عاتقها وضع الدستور الدائم للبلاد في موعد لا يزيد عن ثلاث سنوات.
رابعا: ضمان وتعزيز الحريات العامة وسيادة القانون.
وبدون شك فإن الانجازات في السياسة الداخلية هي المدخل لصون وحدة البلاد والتوصل لمعالجة الأزمات الداخلية معالجة تتسم بالحساسية والفعالية في تناول المطالب المحقة لجميع المكونات الاجتماعية للدولة السورية ولابد أن ذلك سينعكس إيجابًا في استقرار سورية وفي مكانتها الخارجية الدولية أيضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى