
ربما يكون العام الذي مر على إسقاط النظام الأسدي هو الأكثر صعوبة وخطرًا، فمن حركة التمرد المسلحة في الساحل وما رافقها من انتهاكات وتجاوزات ، إلى أزمة السويداء التي ابتدأت بفخ تم نصبه بعناية لإدخال الجيش للمدينة ثم الانقضاض عليه ، والتدخل العسكري الاسرائيلي الذي وصل حد قصف مبنى الأركان وحرم القصر الجمهوري بدمشق إضافة لقصف الجيش السوري في السويداء ، وما تلا ذلك من تدخل العشائر والمجازر التي حصلت وتهجير المدنيين ، وسيطرة جماعة حكمت الهجري على السويداء وإعلانهم الانفصال التام عن الدولة وطلب الحماية من إسرائيل . إلى الأوضاع في الجزيرة السورية حيث نكثت قسد بالتزامها المعلن باتفاق آذار ولم تنفذ منه شيئًا خلال مهلة تسعة أشهر منحت لها لنهاية العام.
وأخيرًا طلع علينا غزال غزال بالدعوة للتظاهر في الساحل رافعًا شعار الفدرالية على خطا حكمت الهجري.
أضف لذلك قصف إسرائيل في الأيام الأولى للبقية الباقية من المعدات الحربية للجيش السوري وتهديداته التي لم تتوقف وتوغلات الجيش الاسرائيلي في الجنوب.
هذه التحديات مجتمعة إضافة للتحديات الاقتصادية المتمثلة في تأمين الموارد المالية لدولة تركها بشار الأسد مدمرة ومفلسة كان يمكن أن تعصف بالعهد الجديد وتدخل البلاد في الفوضى والتقسيم.
لكن ومع نهاية العام بدأت ملامح احتواء تلك التحديات خاصة مع رفع العقوبات الاقتصادية عن كاهل الدولة السورية، وحملات جمع التبرعات لتمويل البدء بإعادة البناء في خطوة صغيرة من حيث حجم ما هو مطلوب لكن عميقة الدلالة من حيث تفاعل المجتمع المدني ومشاركته تحمل نفقات إعادة البناء.
وبالنسبة للساحل فقد بدأ يتضح أن المظاهرات التي خرجت بعد دعوة غزال غزال كانت مطلبية بالدرجة الأولى تتعلق بتوفير الأمن في الساحل ومعالجة الأوضاع المعيشية الصعبة وإنهاء ملف المعتقلين، مع وجود تيار منظم آخر كان يهتف ضد الرئيس الشرع ويطالب بالفدرالية.
أما الدعوات اللاحقة لغزال غزال فلم تلق استجابة تذكر، ويعكس ذلك كون الرأي العام في الساحل لا يسير وراء الدعوات الانفصالية رغم الصعوبات المعيشية والمخاوف الأمنية.
ينبغي للدولة النظر بجدية للمطالب التي عبرت عنها المظاهرات، وتوفير الأمن والأمان بصورة تامة، وتقييد عمل الأجهزة الأمنية ضمن القانون، وتقديم المسؤولين عن مجازر آذار للمحاكمة بأسرع وقت، ومعالجة المطالب المتعلقة بالأوضاع المعيشية بقدر ما تتيحه موارد الدولة.
وبالنسبة للسويداء فقد تراجعت شعبية تيار الهجري بصورة واضحة، خاصة بعد اعتقاله وإعدامه كلا من الشيخين رائد المتني وماهر فلحوط مما تسبب في استنكار واسع ضمن السويداء، ومخاوف من طبيعة سلطة الهجري القمعية الدموية، وصدر بيان هام عن عدد من عوائل السويداء تعيد طرح هوية السويداء العربية السورية ردًا على الطرح الانفصالي والتسمية الغريبة التي أطلقها الشيخ الهجري على جبل العرب في مسعى لمحو هويته التاريخية.
وهناك مؤشرات لتراجع تيار الهجري واحتمال قبوله بقرارات الاجتماع المشترك السوري الأردني الأميركي كحل لأزمة السويداء.
ويبدو أن التوصل للاتفاق الأمني بين سورية وإسرائيل سيحمل معه إسدال الستار على أحلام ومشاريع الشيخ الهجري بتطبيق الاتفاق الدولي السابق وجمع السلاح واستعادة سلطة الدولة مع الإصغاء للمطالب المشروعة بما في ذلك محاكمة المسؤولين عن المجازر المرتكبة، وتأمين طريق دمشق وعودة المهجرين من كل الأطياف وإعادة إعمار المباني المهدمة والمتضررة وجبر الضرر.
هكذا نرى أن أزمة السويداء تبدو الآن أقرب من أي وقت مضى في الطريق نحو الحل، بينما تمت محاصرة تداعياتها واحتمالات تفجرها مرة ثانية إلى حد بعيد.
أما قسد فالحصار يشتد حولها، وأصبحت بين خيارين فإما تنفيذ تعهداتها بتسليم المناطق التي احتلتها للدولة السورية أو مواجهة الدولتين السورية والتركية مع العشائر العربية التي لم تعد تطيق حكم قسد. في ظل رفع الغطاء الأمريكي الذي مكنها خلال السنوات السابقة من استمرار سيطرتها على الجزيرة السورية.
هكذا إذن ينتهي العام بملامح تشير إلى تحولات ايجابية في المشهد السوري يعززها تمكن الديبلوماسية السورية من تحقيق نجاحات باهرة أعادت تموضع سورية في النظام العالمي والاقليمي وقدمت صورة سورية للعالم كدولة سلام وبناء، ترغب في علاقات طبيعية مع الجميع.
لكن يبقى أن الوضع الداخلي بحاجة لانفتاح السلطة على المجتمع والقوى السياسية الوطنية، وفتح باب المشاركة وترسيخ فكرة المواطنة المتساوية بالواقع وليس فقط عن طريق الاعلام والتصريحات.
لا ينبغي تجاهل أن صورة العهد الجديد مازالت تحمل صورة حكم اللون الواحد، وأن كثيرًا من الممارسات السياسية والأمنية والادارية من قبل أجهزة الدولة لا تتفق مع ما تطرحه القيادة السياسية.
ولا يمكن للعهد الجديد تجاوز السلبيات السابقة وحده بل لابد من الانفتاح على المجتمع وقواه الوطنية، ولا ينبغي الاغترار بالمنجزات التي تمت، فالمخاطر مازالت ماثلة أيضًا وهي ترتبط بإيجاد حلول عميقة وشاملة للمطالب المحقة لجميع المكونات الاجتماعية بحيث يرى جميع السوريين أنهم ممثلون بصورة حقيقية وفعالة في الحكومة، وأن الحكومة ليست لفئة دون فئة بل لجميع الفئات على حد سواء.
بلا شك فإن إصلاح المسار السياسي أصبح مهمة راهنة وحيوية وعلى إدراك أهميته والعمل للاضطلاع بتلك المهمة يتوقف مستقبل سورية.
من حق السوريين الفرح بانتصارهم على واحد من أسوأ النظم السياسية التي عرفتها البشرية، وهم قد فعلوا ذلك بأجمل طريقة وأقوى تعبير في المظاهرات العملاقة التي عمت سورية. على أمل أن يشهد العام القادم توحيد سورية وبسط سلطة الدولة على كل أرجاء البلاد، وترسيخ مناخ الحرية وسيادة القانون، ونهضة اقتصادية شاملة. تجعل من سورية ورشة عمل لا تهدأ، ترسم ملامح سورية الجديدة، سورية الحرة والتي هي ملك لجميع السوريين دون استثناء.






