
أحمد الأحمد مواطن أسترالي يبلغ 43 عاماً، أب لطفلين، تعود جذوره إلى قرية النيرب في ريف إدلب كما روى ابن خالته مصطفى الأسعد للتلفزيون العربي مساء الأحد، وهو صاحب محل فاكهة في ضاحية ساذرلاند قرب سيدني في أستراليا، جعلته المصادفة ونزاهته معاً أشهر رجل في العالم على الأقل الأحد والاثنين الماضيين. أشهر اسم إلا بالنسبة إلى أقوى رجل في الكوكب، دونالد ترامب، وأكذبهم، بنيامين نتنياهو. الأول تحدث عنه وأشاد بشجاعته بإسهاب وإعجاب واحترام، لكن من دون أن يفعل أهم ما كان يجدر أن يقوم به، أي أن يذكر اسمه أو ديانته بوصفه الرجل الذي انقضّ على أحد مطلقي النار على المحتفلين بعيد يهودي على شاطئ بوندي في سيدني الأحد وقتل 15 منهم (الحصيلة حتى مساء الاثنين) وأنقذ أرواحاً. وعدم نطق ترامب اسم أحمد الأحمد أو ديانته لا هو سهو ولا ضعف ذاكرة ولا سببه عدم قيام مساعدي ترامب بعملهم كما يجب، بل هو سلوك يتماشى مع شرّ هذا الرجل، ذلك أن مجرّد قول ترامب إن مسلماً أنقذ حياة مدنيين يهود، وقلل من حجم مجزرة ارتكبها الباكستانيان ساجد أكرم (50 عاماً) وابنه نافيد أكرم (24 عاماً)، من شأنه أن يبرّد غضباً عارماً وكرهاً لمسلمين سيتحملون نتائج ما اقترفه القاتلان الأب والابن. وتهدئة من هذا النوع وحقن الدماء والتخفيف من حدّة صدام الحضارات والهويات والأديان ليست من شيم عنصري مثل ترامب، مهووس بتحديد أصل وفصل وديانة وثقافة وخلفية كل شخص يأتي على ذكره، إلا عندما يكون ذلك مفيداً ويجبر خواطر ويبرّد رؤوساً حامية.
أما الثاني، أي نتنياهو، الكاذب الأكبر، فوصل به الأمر إلى تزوير الحاضر، هو المتخصص في تزوير الماضي. وصلت وقاحته به إلى حد القول، رغم أن كل العالم كان قد أدرك أن أحمد الأحمد هو الذي انقضّ على المسلح وتلقى منه رصاصتين في كتفه ويده، إنه شاهد “مقطع فيديو لرجل يهودي يهاجم أحد القتلة وينتزع السلاح منه وينقذ أرواحاً لا يعلمها إلا الله”. وتمرّ الأكذوبة هكذا، ويرتضي إسرائيليون بأن يبقى هذا الكاذب رئيساً لحكومتهم ليستغل دم اليهود ويستثمر فيه سياسياً ويحرّض هو وعصابته على حكومة أنطوني ألبانيز لأن كانبيرا انتقدت الإبادة في غزّة وقالت إنّ رفض استمرار المذبحة هناك لا يمتّ بصلة إلى معاداة السامية.
لم يكن مطلوباً بأي حال إخفاء الحقيقة ومنع نشر هوية المجرمين ساجد وابنه نافيد أكرم. كل المطلوب كان ما فعلته الحكومة الأسترالية في تعاطيها المسؤول بشأن الجريمة لعلمها أن السلم الأهلي في بلد كأستراليا، هو بلد مستضيف للمهاجرين، سيكون مهدداً لو تمّ تعميم جريمة المذكورَين على جميع المسلمين في أستراليا ونسبتهم لا تتجاوز 3.2% من السكان هناك. لم يكن مطلوباً أكثر مما فعله وزير الداخلية الأسترالي، توني بيرك، الذي أشاد بأحمد الأحمد وذكر اسمه في مؤتمر صحافي عقده إلى جانب رئيس الوزراء يوم الاثنين. ولم يكن مطلوباً من الساسة الأستراليين إلا قول عكس ما تقيّأه الساسة الإسرائيليون تحريضاً وتوظيفاً للجريمة وربطها بموقف أستراليا الأخلاقي من فلسطين واعترافها بالدولة الفلسطينية. كذلك لم يكن على الصحافة الأسترالية إلا أن يكون سلوكها مناقضاً لإعلام أميركي يميني وإسرائيلي عنصري، يميني بالتأكيد.
وصْف عنصرية نتنياهو وترامب وساسة إسرائيليين لا تعني تخفيفاً من حجم الجريمة بحق اليهود بصفتهم تلك، ولا أن كره اليهود في أوساط مسلمين كثر مرض متفشٍّ فعلاً، ومن ينكر ذلك كاذب أو جاهل أو كلاهما معاً، كحال من يصدّقون فعلاً أن هناك شعباً مختاراً من الله، معصوماً، نقياً، أياً كان دينه. لكن كلّما وصل الأمر بواحدنا إلى الكفر بكل شيء إثر كل جريمة إرهابية يرتكبها أمثال ساجد ونافيد أكرم، وبعدما يسمع خطبة داعشية إرهابية من أحدهم، عاد ووجد عزاءً في أمثال أحمد الأحمد وفي بشر مصرّين على صون ما بقي من إنسانية لديهم، وقد ترجموا مشاعرهم بجمع تبرّعات بقيمة مليون دولار في غضون ساعات قليلة لأحمد الأحمد.
المصدر: العربي الجديد






