
خطت عملية السلام الجديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني مؤخراً خطوات جديدة متقدمة بإعلان الحزب سحب قواته من تركيا إلى شمالي العراق.
ومن بين الأسئلة المحورية التي تدور حول هذه العملية، تأثيرها على ملف قسد في سوريا. فأنقرة واضحة في أن حلّ حزب العمال الكردستاني ونزع سلاحه يشمل حلّ جميع التشكيلات المسلحة المرتبطة به في المنطقة، ومن ضمنها وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية.
وعلى الرغم من أن المسار المرتبط بالمفاوضات بين دمشق وقسد حول تنفيذ اتفاقية الاندماج المبرمة في العاشر من مارس/آذار الماضي لم يطرأ عليه تقدم جوهري بعد، إلا أن هذا الجمود لم يؤثر على مسار عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. ويبدو ذلك لافتاً بعض الشيء، إذ يُنظر في الغالب إلى ملف قسد كعقبة أمام إتمام هذه العملية.
قسد تحاول عزل نفسها عن عملية السلام التركية الكردية، إلا أن مواصلة هذه العملية يزيد من الضغط عليها بالنظر إلى نفوذ أوجلان على قياداتها المرتبطين عضوياً بحزب العمال الكردستاني.
ويُعطي ذلك مؤشرين هامين:
الأول، أن أنقرة لا تُرهن حتى الآن مواصلة التقدم في مسار عملية السلام مع حزب العمال بمسار ملف قسد، من أجل الحفاظ على الفرص المتاحة في هذه العملية.
والثاني، أنها تعتقد أن التقدم في هذه العملية سيُشكل محفزاً قوياً لتقدم مسار عملية دمج قسد في الدولة السورية في نهاية المطاف.
ويستمد هذا الاعتقاد قوته أولاً من النفوذ الذي يمتلكه زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان على قيادات قسد، وثانياً من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة للتوصل إلى تسوية بخصوص ملف قسد. وعليه، ستكون الفترة المتبقية لتنفيذ اتفاقية دمج قسد، التي تنتهي بنهاية العام الجاري، حاسمة ليس فقط على صعيد ملف قسد نفسه، بل أيضاً على صعيد عملية السلام التركية الكردية.
وفي ضوء ذلك، فإن التوقعات التركية من أوجلان تقوم على أن يلعب دوراً محورياً في الضغط على قيادات قسد للالتزام باتفاقية الاندماج، بالتوازي مع دوره في حثّ قيادات حزب العمال الكردستاني المتواجدين في جبال قنديل بالعراق على مواصلة عملية السلام مع أنقرة.
وعلى الرغم من أن قسد تحاول عزل نفسها عن عملية السلام التركية الكردية، إلا أن مواصلة هذه العملية يزيد من الضغط عليها بالنظر إلى نفوذ أوجلان على قياداتها المرتبطين عضوياً بحزب العمال الكردستاني. والجدير بالاهتمام هنا، أن تركيا تحاول استنساخ عملية السلام الحالية مع حزب العمال في سوريا، من حيث تفكيك قوات سوريا الديمقراطية ونزع سلاحها وإنهاء إدارتها الذاتية، مقابل دمج الكرد في الدولة السورية على غرار الدمج السياسي والمجتمعي للكرد في تركيا.
ويتقاطع هذا النموذج مع تصورات دمشق لكيفية معالجة ملف قسد. مع ذلك، فإن حقيقة أن الديناميكيات التي تحرك الحالة الكردية التركية تختلف عن الديناميكيات المحركة للحالة الكردية السورية، سواء من حيث أن الأرضية التي تقوم عليها الحالة الكردية التركية لا تتوفر بعد في الحالة السورية، أو من حيث اختلاف العوامل الخارجية في الحالتين. ففي حالة قسد، تتواجد الولايات المتحدة كقوة فاعلة في شمال شرقي سوريا إلى جانب تواجد جزئي لروسيا. علاوة على ذلك، يرتبط ملف قسد بصراع بين الأطراف مع دمشق مثل قسد ومشروع حكمت الهجري في السويداء، ويغذي التدخل الإسرائيلي في سوريا هذا الصراع.
حتى مع الأخذ بعين الاعتبار الدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في تحريك مسار المفاوضات بين قسد ودمشق، فإن العقبات الكبيرة التي تواجه تنفيذ اتفاقية الاندماج ستبقى قائمة، وتتلخص في ثلاث عقبات:
الأولى، الاتفاق على أرضية واضحة بين قسد ودمشق للمضي قدماً في تنفيذ اتفاقية الاندماج.
الثانية، الدور الأميركي في دعم هذا المسار، والذي لم يرتقِ بعد إلى المستوى الذي يساعد في تنفيذ الاتفاقية.
والثالثة، تغذية إسرائيل للصراع بين ما تسمى الأقليات والدولة الجديدة في سوريا.
من المتصوّر أن مواصلة عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني سيُعظّم من فرص التوصل إلى تسوية سياسية لملف قسد.
وبالنسبة لتركيا وسوريا، فإن رهانهما على الدور الأميركي في ملف قسد لا يزيل شكوكهما بشأن مدى استعداد قسد لتنفيذ اتفاقية الاندماج من دون تحقيق تصوراتها بشأن الحصول على نوع من أنواع الحكم الذاتي. وهنا يبرز التعاون العسكري المتنامي بين أنقرة ودمشق كمسار جديد يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في تحديد مصير حالة قسد في حال فشلت مفاوضات الاندماج.
فقد أبرم البلدان مؤخراً اتفاقية ستزود تركيا بموجبها سوريا معدات عسكرية لنشرها في شمالي سوريا. كما يبحث البلدان إعادة إحياء اتفاقية أضنة وإمكانية توسيع نطاقها بحيث تسمح لتركيا بشنّ توغلات ضد وحدات حماية الشعب الكردية بعمق ثلاثين كيلومتراً بدلاً من خمسة كيلومترات وفق الاتفاقية الأصلية.
من المتصوّر أن مواصلة عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني سيُعظّم من فرص التوصل إلى تسوية سياسية لملف قسد. وستختبر الأشهر المقبلة ما إذا كانت هذه الفرصة واقعية بالفعل. مع ذلك، فإن إتمام هذه العملية سيبقى مرهوناً بجملة من العوامل، من ضمنها إنهاء حالة قسد في سوريا. وتبدو أنقرة مصمّمة على الربط بين الحالتين، وترى في معالجة ملف قسد بوابة ليس فقط لإنجاح عملية السلام، بل لاستنساخها على الحالة السورية الكردية.
المصدر: تلفزيون سوريا






