
تتواصل دينامية العلاقات المتصاعدة يومًا إثر يوم في تمتين وتشبيك العلاقات البينية السورية الخليجية، وخاصة مع كلٍّ من المملكة العربية السعودية ودولة قطر.
ويبدو أن هناك ملامح خطة استراتيجية مدروسة من قبل الدبلوماسية السورية لاستعادة وصل ما انقطع بين سوريا ودول الخليج العربي، باعتبارها عمقًا استراتيجيًا لا يمكن القفز من فوقه، من خلال البناء على علاقات تاريخية، والاتكاء على عمق عربي كان وما يزال الملاذ الجدي وقت المحن، للأخوة العربية التي تجمع بين الأطراف الإقليمية بعمقها الاستراتيجي وبعدها العروبي.
لقد شهدت الأيام والأشهر السابقة مزيدًا من الآليات الجديدة لتمتين هذه العلاقات التي تقوم على الاحترام المتبادل، ثم تعيد إنتاج العلاقة الصحيحة والصحية، الدافعة باتجاه وحدة الرؤى والمصالح السياسية والاقتصادية. ولا شك أنها ستكون بواعث أمل للسوريين بعد حرب عدوانية فاشية شنّها عليهم من كان يمسك بالسلطة مع أبيه لما يزيد على أربعة وخمسين عامًا من القهر والاستلاب وهدر إنسانية الإنسان، ليكون السوري عبر تلك المرحلة الآفلة إنسانًا مهدورًا ومستلبًا، حتى باتت سوريا جمهورية للخوف والقتل والاعتقال السياسي، وإلقاء الكيماوي (السلاح المحرّم دوليًا) على الشعب المدني السوري الأعزل.
إن الاشتغال السوري الآن، بالتعاون مع دول الخليج العربي، بات ضرورةً حياتية، كما هو كذلك بالنسبة للخليجيين.
ربّ قائلٍ يقول: هل يمكن أن يكون باب الرياض المفتوح على مصراعيه تجاه دمشق مدخلًا مستدامًا لعلاقاتٍ تعود بالنفع على الطرفين؟ أم أنه مجرد شهر عسلٍ أو سنة عسلٍ لا تلبث أن تنتكس وتتراجع حسب الظروف والمتغيرات؟
سؤالٌ لا شك أنه محق ومشروع، لكن الواقع والمستقبل المنشود يشيران بوضوح إلى أهمية وضرورة أن تبقى العلاقات منجدلة ومتماسكة مصلحيًا قبل أن تكون متجسدة عاطفيًا وهياميًا، وأن المصالح الاستثمارية التي سيجنيها الطرفان ستكون متقاربة وضرورية.
وقد أعلن الرئيس أحمد الشرع من الرياض أنه لا يريد مساعدات قد تشجع على الكسل والتواكل، بل يريد استثماراتٍ كبيرة ومهمة تعود بالنفع على الطرفين، المستثمر العربي وسوق العمل السوري والاقتصاد السوري، الذي يحتاج إلى هذه الاستثمارات بكلّيتها وتوسعها وشمولها لكل المفاصل والقطاعات.
نعم، هو المنطق العملي الواقعي المطلوب، إذ الأهم حاليًا أن يدرك السوريون كيف يعيدون بناء الاقتصاد السوري المنهار، الذي وصل على يد نظام الاستبداد الأسدي قبل ٨ كانون الأول/ديسمبر إلى نموذج الدولة الفاشلة. يريد السوريون خدماتٍ حقيقية وفرصَ عملٍ تعود بريعها على عملية رفع الدخل، كي يكون الإنفاق قريبًا من مستوى الدخل على الأقل في المنظور القريب.
إن الاشتغال السوري الآن، بالتعاون مع دول الخليج العربي، بات ضرورةً حياتية، كما هو كذلك بالنسبة للخليجيين. وهو يؤسس لمستقبلٍ مهم في العلاقات البينية لا انفكاك فيه، بل ستكون متصاعدةً نحو الأمام علاقاتٍ متينةً ومستدامةً لا نكوص فيها ولا تراجع. وما يُبنى على المصداقية والشفافية والمنافع المتبادلة لا يمكن أن يسير إلى الخلف، بل يتطلع إلى الأمام والتقدم دائمًا، وهو ما يطمح إليه السوريون ويعملون عليه بدأبٍ وعقلانية.
وهنا لا بد من القول إن العقلانية السياسية والعمق في التفكير يجب أن يستندا بالضرورة إلى رؤية سياسية واضحة تُبنى أساسًا على قوانين استثمارية وتشريعات عصرية تواكب حالة النهوض، ثم تقوم فعليًا ببناء مؤسسات الدولة الوطنية السورية على أسس جديدة خالية من الفساد والإفساد، وشفافة في مساراتها، قادرة على مواجهة التحديات الكثيرة والمتعددة.
أسئلةٌ كثيرة تحتاج إلى إجاباتٍ وافيةٍ ومزيدٍ من العمل الجادّ والمستمر، وإلى ممارسة سياسية عقلانية تنعكس بالضرورة على حياة السوريين جميعًا.
إن ولوج سوريا اليوم في علاقاتٍ بينية سوريا/خليجية واضحة وشفافة وذات عمق استراتيجي سوف يؤسس بحقٍّ لديناميات جديدة في بناء مداميك هذه العلاقة المتطلعة نحو خدمة الشعوب، وضمن حالة من الاستمرارية والرؤية الواضحة التي تقوم على مصالح الشعوب لا مصالح الأنظمة أو أدواتها المنتفعة، كما كان يحصل سابقًا مع نظام النهب الأسدي الممنهج.
حين كانت مصالح الأسرة من آل الأسد ومخلوف ومن تحالف معهم تتقدم على مصالح الدولة، كانت أموال السوريين تُنهب على قارعة الطريق ضمن سياساتٍ مبرمجةٍ لإفساد كل شيء في الاقتصاد ومؤسسات الدولة، وكذلك في أنساق المجتمع السوري المقربة من أجهزة الأمن والدولة الأمنية وما لفّ لفها.
لا ضير في أن تكون المهمة صعبةً جدًا ومعقدةً، مع وجود تحدياتٍ كبيرةٍ وجمةٍ، وليس هناك طرقٌ معبّدةٌ وسهلةٌ للعبور عليها. لكن الإيمان بسوريا الوطن، وبقدرات الشعب السوري، والإخلاص لثورة السوريين في الحرية والكرامة، وتضحياتهم التي فاقت عتبة المليون شهيد خلال الثورة المظفرة، كل ذلك مع الجهد الكبير المطلوب يمكن أن يعيد بناء سوريا، ويقيم دولة المواطنة المتساوي فيها جميع المواطنين بلا استثناء.
فهل تشهد الأيام والأشهر القادمة مزيدًا من البناء والعطاء والجهد المتواصل ضمن هذه الظروف الصعبة التي يمر بها السوريون؟ وهل سينعكس ذلك على واقعهم المعيشي الصعب، بعد ما عانوه من جراء ما فعله نظام القهر والفساد الأسدي خلال أكثر من خمسة عقود؟
أسئلةٌ كثيرة تحتاج إلى إجاباتٍ وافيةٍ ومزيدٍ من العمل الجادّ والمستمر، وإلى ممارسة سياسية عقلانية تنعكس بالضرورة على حياة السوريين جميعًا، لبناء سوريا الحديثة الموحدة المتحاورة المنسجمة، خارج سياقات التدخلات الخارجية، الإسرائيلية وغير الإسرائيلية، التي تُقلق السوريين وتمنع وحدتهم وتعاضدهم.
سوريا اليوم لا تريد مزيدًا من التفتت أو التشظي، بل تريد أن تُعلِي سوريا الجديدة، الوطنية الموحدة، بعقدها الاجتماعي المتفق عليه من الجميع، الذي يؤسس بدوره لعلاقات خارجية أكثر قوةً وتفاعلًا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا






