قسد وإسرائيل على طاولة ترامب وأردوغان

محمود علوش

ليس كل ما يُحكى في العلن يعكس بالضرورة ما يجري خلف الكواليس، خصوصًا إذا كان الأمر يتعلق بحليفين لديهما مشكلات وخلافات كثيرة مثلما هو الحال بين تركيا والولايات المتحدة.

مع ذلك، فإن القمة الأخيرة التي جمعت الرئيسين رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب في البيت الأبيض في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الجاري قد تُشكل نقطة تحول كبيرة في علاقات البلدين، خصوصًا في قضايا معقدة كسوريا. والحقيقة التي تدفع إلى هذا الاعتقاد هي أن كلاً من أردوغان وترامب يفهمان بعضهما بعضا جيدًا، وقد أصبح لديهما علاقة عمل وثيقة منذ ولاية ترامب الأولى، ويُدرك كل منهما ما يحتاجه الآخر. والأهم أنهما يُتقنان فن المفاوضات والمقايضات، ومستعدان لاتخاذ خطوات كبيرة من أجل تحقيق اختراقات في القضايا المستعصية.

الولايات المتحدة تنظر إلى تمكين دور تركيا في سوريا على أنه ضرورة استراتيجية لتحقيق المصالح والأهداف الأميركية في سوريا.

في سوريا اليوم، لم تعد المشكلات التي تواجه العلاقات الأميركية-التركية كبيرة كما كانت قبل سقوط نظام بشار الأسد، لكن ذلك لا يعني أن المشكلات المتبقية، مثل ملف قوات سوريا الديمقراطية، أو المستجدة، مثل التعارض الصارخ في المصالح التركية والإسرائيلية في سوريا، يمكن أن تُحل ببساطة أو بمجرد انعقاد قمة بين زعيمي البلدين. لكن إشادة ترامب المتكررة بأردوغان ووصفه إياه بأنه المسؤول الأول عن الإنجاز الذي تحقق في سوريا بسقوط نظام بشار الأسد تحمل في طياتها ما يبدو أنهما تصوران ثابتان لدى ترامب في سياسته السورية. الأول: أن إدارة ترامب تُقر بالمصالح الحيوية لتركيا في سوريا وتتعامل معها بتقدير وحساسية عاليتين. والثاني: أن الولايات المتحدة تنظر إلى تمكين دور تركيا في سوريا على أنه ضرورة استراتيجية لتحقيق المصالح والأهداف الأميركية في سوريا. وكلا التصورين تفرضهما بالدرجة الأولى الواقعية الجيوسياسية، بمعزل عن أي أسباب أخرى تُسهم في تشكيل نظرة ترامب إلى تركيا ودورها في سوريا.

مع ذلك، لا تزال المؤشرات التي تُعطيها سياسة ترامب غير واضحة تمامًا، وينبغي أن تكون مقلقة لكل من أنقرة ودمشق. فعلى الرغم من اقتراب المهلة المحددة لتنفيذ قسد لاتفاقية الاندماج في الدولة السورية، لم يطرأ أي تقدم جوهري بعد على هذا المسار. ولا تزال الولايات المتحدة تتجنب ممارسة ما تمتلكه من ضغط على قسد لإجبارها على تنفيذ الاتفاقية والتخلي عن التصورات التي تحاول فرضها من أجل تعزيز الحكم الذاتي. وقد يرجع ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن تسوية ملف بحجم قسد تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين، وتتطلب موازنة دقيقة بين مصالح القوى الفاعلة المؤثرة في هذا الملف، كتركيا والولايات المتحدة وسوريا والأكراد، وربما الموازنة أيضًا مع مصالح قوى ليس لها حضور فاعل في هذه المعادلة، لكنها حاضرة بقوة في صراع النفوذ في سوريا، مثل إسرائيل. لكن هذا لا ينفي وجود ثلاثة أسباب رئيسية أدت إلى هذا الاستعصاء في ملف قسد، وهي: تجنب اتفاق العاشر من مارس لتحديد آليات وكيفية الاندماج بوضوح، والتدخل الإسرائيلي وأزمة السويداء اللذان منحهما قسد هامشًا إضافيًا للمناورة في المفاوضات، إلى جانب ضغط التأثير الأميركي على قسد، بغض النظر عما إذا كان ضعفًا مصطنعًا أم يعكس حدودًا للتأثير.

قد يستغرق ملف قسد وقتًا للحل، لكن العقبة الكبرى التي تواجه العلاقات التركية-الأميركية في سوريا لا تكمن في الواقع في ملف قسد، بل في مخاطر انزلاق التعارض الصارخ في مصالح تركيا وإسرائيل في سوريا إلى صدام بينهما.

بالنظر إلى أن تركيا والولايات المتحدة هما الفاعلان الأكثر أهمية في ملف قسد، فإن أي اختراق في تعاملاتهما في هذه القضية سيترك انعكاسات كبيرة. وقد نرى انعكاسات القمة الأخيرة بين أردوغان وترامب على شكل ضغط أميركي جديد على قسد لتنفيذ اتفاقية الاندماج مع اقتراب نهاية العام، بالتوازي مع ترتيبات أخرى متعلقة بالاندماج، وقد تصل إلى مستوى إعادة تشكيل السلطة القائمة في سوريا، كما ألمح مؤخرًا المبعوث الأميركي توم باراك عندما تحدث عن إمكانية تشكيل حكومة سورية شاملة تضم مختلف المكونات بحلول نهاية العام. لكن إدارة ترامب تتعامل مع ملف قسد كورقة مقايضة مع تركيا، كما الحال في القضايا الأخرى، وكورقة ضغط على دمشق أيضًا في قضايا أخرى، خصوصًا على صعيد العلاقة مع إسرائيل. وعلى أي حال، فإن النقطة الواضحة المشتركة بين أردوغان وترامب في ملف قسد هي أن كليهما يطمح إلى تسوية سياسية ولا يريد تصعيدًا عسكريًا قد يترك عواقب كبيرة على سياسة بلديهما في سوريا، ويستقطب عوامل عدم استقرار أخرى تهدد مصالحهما.

قد يستغرق ملف قسد وقتًا للحل، لكن العقبة الكبرى التي تواجه العلاقات التركية-الأميركية في سوريا لا تكمن في الواقع في ملف قسد، بل في مخاطر انزلاق التعارض الصارخ في مصالح تركيا وإسرائيل في سوريا إلى صدام بينهما. إن تركيز الرئيس ترامب على إدارة هذا التعارض من خلال الضغط على إسرائيل للحد من اندفاعتها في سوريا، ومن خلال الضغط أيضًا على تركيا لتجنب أي خطوات من شأنها مفاقمة هذه المخاطر، إلى جانب رعاية المسار التفاوضي بين سوريا وإسرائيل للتوصل إلى اتفاقية أمنية، كلها مسارات تساعد الولايات المتحدة في تقليل المخاطر الناجمة عن هذا الوضع، وقد توجد في نهاية المطاف وضعًا مختلفًا في العلاقات التركية-الإسرائيلية، خصوصًا في سوريا. لكنها تتطلب وضوحًا من ترامب في تذكير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن سوريا غير قابلة للتقسيم أو لمشاريع الحكم الذاتي للأقليات، وبأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتسامح مع سياسة متهورة تهدد مصالحها في سوريا والمنطقة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. العلاقات الأميركية التركية تتضمن العديد من الملفات ولكن أكثرها سخونة ثلاث طائرات F16 وملف قسد بسورية وخلاف أجندات تركيا مع اSرائيل بسورية والحرص بعدم التطور للمواجهة، لذلك كان ترامب حريص للمحافظة على الدولة الوظيفية “إSرائيل” بالضغط على تركيا وإSرائيل لعدمالوصول التعارض لتصادم بالساحة السورية ، فهل تنجح ؟ إن وضع جائزة الترضة “قسد”

اترك رداً على khatib yehya إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى