أعادت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي طلب فيها قبول عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي كشرط لموافقته على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي تساؤلات عن أسباب رفض أوروبا منح أنقرة مقعداً في بروكسل، رغم عدول أردوغان، في وقت لاحق الاثنين، عن شرطه وإعلانه الموافقة على عضوية السويد في الناتو.
وقال خبراء لموقع “الحرة” إنه رغم تراجع أردوغان عن شرطه لا يزال الجدل يدور حول الدوافع وراء إثارة هذه “المقايضة” في التوقيت الحالي، خاصة وأن إردوغان يدرك أن طلبه بات “مستحيلا”.
وتصدرت “المقايضة” التي طرحها إردوغان، وكذلك تراجعه عنها كما يبدو، عناوين الصحف على الفور عشية قمة تستمر يومين لقادة الناتو في فيلنيوس بليتوانيا، حيث سيكون موضوع طلب السويد على رأس أولويات جدول الأعمال.
لماذا ترفض أوروبا ضم تركيا للاتحاد الأوروبي؟
وقال الزميل الأول في مركز “كارنيغي أوروبا”، المتخصص في الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي، مارك بيريني، لموقع “الحرة” إن اقتراح إردوغان بقبول تركيا في الاتحاد الأووربي مقابل عدم استخدامه حق الفيتو ضد انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي يعتبر “ابتزازا لا يستحق أن يوليه أحد أي اعتبار، ناهيك عن الموافقة على طلبه”.
وأضاف بيريني “رغم موافقة تركيا في النهاية على انضمام السويد للناتو، يجب أن تأخذ الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون اقتراح أردوغان بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كدليل إضافي على أن الرئيس التركي ليس حليفا موثوقا داخل المنظمات متعددة الأطراف”.
وقبل الإعلان عن تغيير إردوغان موقفه الاثنين، كانت تركيا تعرقل انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي وتتّهم ستوكهولم بإيواء نشطاء أكراد تعتبرهم أنقرة إرهابيين، بحسب وكالة “فرانس برس”.
وكان أردوغان قال، في وقت سابق الاثنين، إنه سيدعم عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي مثلما حدث مع فنلندا إذا أعاد الاتّحاد الأوروبي إطلاق مفاوضات انضمام بلاده للتكتّل القاري. وانتقد “الدول التي تبقي تركيا تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي لما يقرب من 50 عاما”، بحسب “فرانس برس”.
وعن أسباب رفض الأوروبيين ضم تركيا، قال بيريني “إردوغان اعتاد استخدام أسلوب الابتزاز سواء علانية أو بشكل سري للاستفادة من أي موقف”، موضحا أنه بعد أن رأى قادة أوروبا والولايات المتحدة كيف يتصرف أردوغان في تجمع الناتو، أصبح من غير المرجح أن يرحب به الأوروبيون أو حتى الأميركيون في أي منظومة أخرى.
تاريخ انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي
ووفقا لموقع المفوضية الأوروبية التابع للاتحاد الأوروبي، تقدمت تركيا، في عام 1987، بطلب للانضمام إلى ما كان يُعرف آنذاك بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية، وفي عام 1999 أُعلن أن تركيا مؤهلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وتعود مشاركة تركيا في التكامل الأوروبي إلى عام 1959 وتتضمن اتفاقية شراكة أنقرة في العام 1963 من أجل التأسيس التدريجي لاتحاد جمركي تم إنشاؤه في نهاية المطاف في عام 1995، بحسب “المفوضية الأوروبية”.
وعندما قدمت تركيا رسميا طلبها، في عام 1987، للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي كانت تتألف وقتها من 12 عضوا، بما في ذلك اليونان، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا 1700 دولار في ذلك الوقت، وهو بعيد كل البعد عن أكثر من 16 ألف دولار في كل من ألمانيا وفرنسا، بحسب “يورو نيوز”.
ووفقا للموقع، أدت الفجوة الاقتصادية الهائلة، إلى جانب انهيار الاتحاد السوفيتي، وإعادة توحيد ألمانيا وعلاقات أنقرة السيئة باستمرار مع قبرص واليونان، إلى إبطاء محاولة أنقرة للانضمام.
وخلال هذا الوقت، كان من المتوقع أن تنفذ تركيا إصلاحات إضافية لتلبية ما يسمى بمعايير كوبنهاغن، وهي القواعد الأساسية التي تحدد أهلية أي بلد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وكانت المعايير الموضوعة في عام 1993 تفرض معايير عالية على الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان وحماية الأقليات واقتصاد السوق المفتوح، بحسب “يورو نيوز”.
وبدأت مفاوضات الانضمام في عام 2005، لكن “المفوضية الأوروبية” ذكرت على موقعها أنه حتى توافق تركيا على تطبيق البروتوكول الإضافي لاتفاقية شراكة أنقرة على قبرص، لن يتم فتح ثمانية فصول من المفاوضات ولن يتم إغلاق أي فصل مؤقتا.
وذكر “يورو نيوز” أنه في عام 2005، تبنى المجلس الأوروبي أخيرا إطار عمل المفاوضات مع تركيا، وهي وثيقة من تسع صفحات تتخللها إشارات إلى سيادة القانون، و”القدرة الاستيعابية” للاتحاد الأوروبي، وأهمية “علاقات حسن الجوار”.
وشهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فترة نمو اقتصادي مثيرة للإعجاب لتركيا، حيث تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من ثلاث مرات، من 3100 دولار في عام 2001 إلى 10.615 دولارا في عام 2010، في حين توسعت الخدمات بسرعة، لاسيما في قطاعات مثل النقل والسياحة والتمويل، ما أدى إلى تطور البلاد، وفقا لـ”يورو نيوز”.
ومع ذلك، يرى مركز برشلونة للعلاقات الخارجية أن هذا التطور لم يكن كافيا للتغلب على التوترات في البحر الأبيض المتوسط وتزايد التحفظ بين قادة الاتحاد الأوروبي، الذين بدأ بعضهم في اقتراح إمكانية استبدال العضوية بدوام كامل بـ”شراكة مميزة”.
ووفقا لمركز الدراسات الأسباني، منحت أزمة الهجرة في 2015-2016 تركيا نفوذا سياسيا كدولة تقف بين الكتلة الأوروبية وملايين اللاجئين السوريين والأفغان.
لكن الأمور ساءت بعد محاولة الانقلاب في تركيا، في يوليو 2016، بحسب مركز برشلونة وهي مرحلة حاسمة دفعت أردوغان إلى تقوية قبضته على السلطة وتعزيز ما وصفه منتقدوه بـ”حكم الرجل الواحد”.
وفي نوفمبر 2016، وافق أعضاء البرلمان الأوروبي على قرار ينتقد “الإجراءات القمعية غير المتناسبة” التي تم فرضها بموجب حالة الطوارئ ويدعو إلى “التجميد المؤقت” لمحادثات الانضمام، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وأدى استفتاء عام 2017 لتثبيت نظام رئاسي موحد، يمنح رئيس الدولة سلطات تنفيذية واسعة، إلى تقويض طلب أنقرة بشكل أكبر وأثار انتقادات من مسؤولي الاتحاد الأوروبي والمشرعين، حتى أن البعض تساءل عما إذا كان لا يزال من الممكن اعتبار تركيا مرشحا مؤهلا وفقا لمعايير كوبنهاغن، وفقا للصحيفة.
وبلغ التدهور السريع ذروته في يونيو 2018 عندما علقت الدول الأعضاء المفاوضات، ومنذ ذلك الوقت لم يتم إحراز أي تقدم في هذا الملف.
وأوضحت “المفوضية الأوروبية” أنه منذ عام 2018، وبسبب تراجع تركيا المستمر في الإصلاحات في المجالات الرئيسية، لا سيما في أداء النظام الديمقراطي، واحترام الحقوق الأساسية واستقلال القضاء، قرر المجلس الأوروبي أن مفاوضات الانضمام ستتوقف.
وشهد طموح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي العديد من الصعود والهبوط منذ تقديم الطلب لأول مرة في عام 1987، بحسب “يورو نيوز”.
وقال بيريني للحرة إن الزعيم التركي يحمل ضغينة طويلة الأمد ضد الأوروبيين بسبب انتقادهم له وعدم قبولهم انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي.
وأوضح الخبير في الشأن الأوروبي والتركي أن تركيا تقدمت بطلب للعضوية قبل فترة طويلة من صعوده إلى السلطة، وأُعلن أنها مؤهلة للانضمام في عام 1999. لكن صعود حزبه الإسلامي “حزب العدالة والتنمية” أخاف الأعضاء الذين كانوا بالفعل متخوفين من السماح بدخول دولة ذات أغلبية مسلمة إلى التكتل الأوروبي.
ويرى أن إعادة انتخاب أردوغان، في مايو الماضي، يضمن عدم حدوث أي تطور في ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لمدة خمس سنوات أخرى على الأقل.
وقال إن من الإنصاف الاعتراف بأن أردوغان بذل بعض الجهود في ولايته الأولى لتهدئة المخاوف الأوروبية، ودفع بعض الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية مع كبح قوة الجيش التركي. لكن الاتحاد الأوروبي استمر في إطالة أمد المفاوضات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، من بين أمور أخرى.
لكن بيريني أشار إلى أنه بحلول نهاية العقد الأول من حكمه، كان أردوغان قد فقد صبره على العملية وأصبح أكثر سلطوية بشكل علني، ما عزز حجة الرافضين الأوروبيين، موضحا أنه في غضون ذلك، تجلى إحباط إردوغان من الأوروبيين في خطاب عدواني بدأ يتصاعد تدريجيا.
وأوضح بيرني أن أردوغان وصف أوروبا بأنها “مريضة” و”منهارة” وسوف “تدفع ثمن ما فعلته”، كما هدد بالتراجع عن بعض الإصلاحات التي أجراها لجعل تركيا تتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إعادة العمل بعقوبة الإعدام، فضلا عن التهديد المتكرر بإرسال ملايين اللاجئين إلى أوروبا.
لذلك يرى الخبير السياسي أنه في هذه المرحلة، فإن أكبر عقبة أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هي أردوغان نفسه، رغم أنه يدعي أحيانا أن العضوية لا تزال هدفا، إلا أن سياساته دفعت البلاد بعيدا عن هذا الهدف أكثر من أي وقت مضى خلال الخمسين عاما الماضية.
ما سبب اشتراط أردوغان للموافقة على ضم السويد للناتو؟
وقال الباحث في العلاقات التركية والدولية، طه عود أوغلو، إن “طلب أردوغان يعتبر مفاجئا لأنه وضع شرطا صعبا ومستحيلا تحقيقه، وهذا ما يدركه الرئيس التركي بالطبع”.
وأضاف أن إردوغان طرح هذا الطلب المثير للجدل لأنه يريد أن يبني عليه مواقف أخرى في علاقته مع الغرب وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية وليس أوروبا.
ويرى الخبير التركي أن أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أصبح أقوى مما كان عليه في السابق، وهو يحاول استخدام ورقة مهمة وهي انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ويحاول توظيفها لتحقيق مصالح على المستوى الإقليمي، وأيضا في الشأن الداخلي، خاصة أن أنقرة مقبلة بعد 8 أو 9 أشهر من الآن على انتخابات محلية في كافة البلديات التركية، يعول عليها أردوغان في الفوز بإسطنبول تحديدا.
وأوضح أن أردوغان حقق مراده، إذ أصبح الحدث الأكبر في قمة الناتو هو ما طرحه في تصريحاته، وأثار تساؤلات وحالة من الجدل بين الدول الغربية، وهذا ما أراده الرئيس التركي.
واعتبر أوغلو أن توقيت طرح أردوغان لطلبه بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي له دلالة وأهمية لأن يستهدف واشنطن بالتحديد، لأنه في الفترة الأخيرة اتخذ الكونغرس الأميركي موقفا واضحا جدا وهو ربط صفقة بيع مقاتلات أف16 لتركيا بموافقتها على انضمام السويد للناتو.
ولذلك يعتقد الباحث التركي أن إردوغان يريد أن يحصل على تنازلات من الولايات المتحدة في تسهيل صفقات الأسلحة، فضلا عن الشق السوري المتعلق بقوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تعاديها تركيا.
وأوضح أوغلو أن أردوغان ماهر في المفاوضات، ودائما يحاول أن يضغط وألا يقبل بالضغوط عليه، خاصة أنه تعرض خلال الفترة الماضية لضغوط أميركية، ولذلك فهو حاليا أراد أن يرمي الكرة في ملعب الأوروبيين والأميركيين لفرض بعض القوة.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب مينينديز، الاثنين، إن هناك “هدوءا” مؤقتا في “عدوان تركيا على جيرانها”، مضيفا أنه يجري محادثات مع إدارة الرئيس جو بايدن بشأن التعليق الذي فرضه على المبيعات الأميركية المستقبلية لطائرات (إف-16) المقاتلة إلى أنقرة، وفقا لوكالة “رويترز”.
وأضاف مينينديز، وهو ديمقراطي، في مقابلة إنه بينما لا يزال لديه مخاوف بشأن تركيا، يمكنه اتخاذ قرار في غضون الأسبوع المقبل بشأن التعليق، بحسب الوكالة.
المصدر: الحرة. نت