الاستثمار في التعليم.. أعظم رهان لإعادة بناء سوريا

أسامة منير ابراهيم

منذ سنوات، يشغلني سؤال أساسي: ما القيمة الحقيقية للاستثمار في تعليم أطفالنا اليوم؟ وهل يمكن أن يشكّل التعليم، لا السلاح ولا النفط ولا أي مورد آخر، الركيزة الأولى لنهضة سوريا بعد سنوات الحرب المريرة؟

الجواب، بحسب علم اقتصاديات التعليم وتجارب الأمم التي مرّت بنفس أحوالنا وربما بأسوأ، واضح وحاسم: كل دولار يُنفق على التعليم المبكر للطفل يعود أضعافاً مضاعفة على المجتمع والاقتصاد.

العوائد الاقتصادية للتعليم حسب العمر

ووفقاً لأبحاث الحائز على جائزة نوبل جيمس هيكمان، وتقارير البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، يمكن تقدير العائد على كل دولار يُستثمر في التعليم على النحو التالي:

  • الطفولة المبكرة (0–5 سنوات): 7–13 دولاراً عائداً لكل دولار واحد.
  • المرحلة الابتدائية (6–12): 4–6 دولارات.
  • المرحلة الثانوية (13–18): 3–4 دولارات.
  • التعليم الجامعي (18–24): 2–3 دولارات.
  • التعليم المستمر للكبار (25 سنة فما فوق): 1–2 دولار.

ربط التعليم بسوق العمل لضمان أن يجد الشاب المتخرج مكانه في الاقتصاد الواعد الذي يتنبأ كثيرون بأن يكون محركاً للنهوض.

وهذا يعني ببساطة أن الاستثمار الأكبر والأذكى يبدأ من السنوات الأولى من عمر أطفالنا، حين يكون الدماغ في ذروة مرونته، وحين تُبنى المهارات الإدراكية والاجتماعية التي تُشكّل أساس التعلم والعمل لاحقاً.

دروس من اليابان وألمانيا

حين خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية منهكة ومدمرة، لم يكن لديها خيار سوى الاستثمار في التعليم ليكون أساس نهضتها الاقتصادية. وكذلك فعلت ألمانيا الغربية التي أعادت بناء إنسانها قبل مصانعها. وكانت النتيجة أن الدولتين أصبحتا قوتين اقتصاديتين عالميتين خلال جيل واحد فقط.

سوريا والفرصة التاريخية

سوريا اليوم، بعد سنوات من الحرب، تواجه لحظة مشابهة. إمّا أن نستثمر في جيلنا الجديد فنصنع منه عماد النهضة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإمّا أن نكرر الأخطاء ونترك التعليم رهينة للفوضى والعشوائية.

  • كل دولار يُستثمر اليوم في تعليم طفل سوري عمره أربع سنوات قد يتحول إلى 12 دولاراً غداً من خلال إنتاجيته، وإبداعه، وانخفاض تكاليف البطالة والجريمة والصحة العامة.
  • أمّا إن تُرك بلا تعليم، فسيكلف المجتمع أضعاف ذلك في صورة دعم اجتماعي وخسارة فرص اقتصادية وعدم استقرار.

سياسات عامة للنهوض بالتعليم

لذلك، لا بد من سياسات عامة جريئة تضع التعليم في صدارة الأولويات الوطنية، ومنها:

  1. تعميم التعليم المبكر عبر رياض الأطفال المجانية أو شبه المجانية.
  2. تأهيل المعلمين بمستوى عالمي، لأن المعلم هو العمود الفقري لأي إصلاح. وهنا علينا الاستفادة من الدول الصديقة أو الراعية التي مرت بتجارب مشابهة، وأقصد تحديداً تركيا التي رقمنت التعليم منذ أكثر من 15 عاماً بالكامل، فأصبح لكل طالب جهازه اللوحي (آيباد) الذي يمثّل منصته للتعلم والتواصل مع مدرسته ومعلميه.
  3. التركيز على المهارات لا الحفظ، وبناء المناهج حول الإبداع والابتكار والتفكير النقدي. ولنا أن نتعاون هنا مع تجارب دول متقدمة صديقة للشعب السوري، مثل فنلندا، التي احتفظت بالمركز الأول عالمياً في التعليم المبكر لسنوات طويلة وفقاً للتقارير الدولية.
  4. إقامة شراكات مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية لتأمين التمويل وضمان الاستدامة.
  5. ربط التعليم بسوق العمل لضمان أن يجد الشاب المتخرج مكانه في الاقتصاد الواعد الذي يتنبأ كثيرون بأن يكون محركاً للنهوض، فلا تبقى شريحة الشباب بعيدة عن أن تكون عماد بلدها في مختلف القطاعات. وهنا نجيب عن السؤال الأزلي الذي كرّسه عهد النظام البائد: لماذا بقي التعليم بعيداً عن التطوير الشخصي للمتعلمين، وبالتالي بعيداً عن رفد سوق العمل بالكفاءات؟

كل دولار ننفقه اليوم على تعليم أطفال سوريا، سيعود علينا غداً بسبعة إلى ثلاثة عشر دولاراً.

خاتمة

يمكننا أن نقول كثيراً، لكن لا مندوحة لنا سوى أن نتمسك بالأمل، وأن نضع قاعدة أساس ننطلق منها: إن تعليم الجيل السوري ليس ترفاً ولا مجرد التزام أخلاقي، بل هو أعظم استثمار مالي واقتصادي يمكن أن نقوم به. فاليابان وألمانيا ليستا بعيدتين عن متناولنا إذا امتلكنا الإرادة السياسية والرؤية.

ولعل أصدق ما يمكن أن نختم به هو هذه القاعدة الذهبية:

كل دولار ننفقه اليوم على تعليم أطفال سوريا، سيعود علينا غداً بسبعة إلى ثلاثة عشر دولاراً.

فهل سنفهم قيمة هذه الفرصة التاريخية ونستثمر فيها، أم نتركها تضيع في ضوضاء السياسة؟

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى