الاتفاق الأمني مع إسرائيل يراوح بالمكان؟

أحمد مظهر سعدو

لعل كل هذه المفاوضات التي تابعناها واللقاءات المباشرة وغير المباشرة، التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس وكذلك دولة أذربيجان، وأخرى قد تكون جرت في غير مكان، بين الجانبين السوري والإسرائيلي، دفعًا مستمرًا (وبتشجيع أميركي أوتركي) من أجل التوقيع على (اتفاق أمني) بين الحكومة السورية وإسرائيل، ورغم التعنت الإسرائيلي، ومحاولة فرض الشروط الإسرائيلية، والعمل تتابعًا، وبشكل مكثف إسرائيليًا نحو  سياسة المفاوضة بالنار، وقضم الأراضي السورية، واختطاف سوريين، واستشهاد سوريين أيضًا، مدنيين وغير مدنيين، وبالرغم من تصريحات الرئاسة السورية في أكثر من مناسبة، كان آخرها ما قاله الرئيس أحمد الشرع في نيويورك من أن سورية مقبلة قريبًا نحو التوقيع على مثل هذه الاتفاقات، والتي تريدها سورية حاليًا تحديثًا لاتفاق فض الاشتباك الموقع عام ١٩٧٤ بين حافظ الأسد وإسرائيل، إلا أن إسرائيل لا يبدو أنها في عجلة من أمرها، وهي ما برحت تمارس سياسة الضغط والقصف والتعدي على سورية، في كثير من الأمكنة، وهذا ما يجعل التوقعات لتحديد موعد التوقيع على الاتفاق المشار إليه، ما تزال غير واضحة، وقد لا تكون قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول.

يبدو أن الحكومة السورية ترغب في التوصل إلى اتفاق ينهي التعديات الإسرائيلية المتواصلة، ويمنع التدخل الصهيوني المستمر في اللعب بورقة السويداء، وهي تريد مثل هذا الاتفاق كي تتفرغ (كما تقول) نحو الوضع الداخلي، وإعادة بناء الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها المهترئة، والالتفات إلى حيز الاقتصاد السوري، وتأمين الخدمات المفقودة، ورفع سوية الحالة المعيشية المتدهورة، حيث ترك المجرم بشار الأسد البلد بلا اقتصاد، وبلا خدمات، بلا صناعة، وتكاد تكون بلا زراعة. فالتحديات كبيرة وكثيرة أمام الحكومة الجديدة في دمشق، من هنا فإن تأجيل الدخول في مفاوضات أخرى، اتفاقات سلام دائم وشامل، تعيد الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ هو خيار سوري وإسرائيلي في نفس الوقت. سوري لأن السوريين يريدون التهدئة ووقف التعديات الإسرائيلية، كي يتفرغوا للبناء الداخلي، وإسرائيلي لأن إسرائيل الآن غير جاهزة أبدًا للحديث عن انسحابات ما من الجولان المحتل منذ 5 حزيران/ يونيو ١٩٦٧، وهي التي تدرك أيضًا أن أوضاع سورية والعرب عمومًا، لا تسمح بإعادته حربًا ولا سياسة، بعد أن تمت الموافقة أميركيًا على ضم الجولان إلى إسرائيل منذ ولاية (دونالد ترامب) الأولى، وبعد أن خرجت إسرائيل من حروبها مع قطاع غزة وجنوب لبنان، وكذلك مع إيران، وهي تعتقد أنها باتت تمتلك القوة بل وفرط القوة، الذي يؤهلها إلى مرحلة الهيمنة على المنطقة العربية برمتها، وبناء شرق أوسط جديد، على قد  ومقاس نتنياهو..  هذا الصهيوني نتنياهو الذي يعربد في المنطقة دون رادع، ودون حسيب أو رقيب، حتى وصلت به الأمور إلى قصف دولة قطر، مستهدفًا القادة الفلسطينيين الذين يفاوضون من أجل وقف إطلاق النار وحرب الإبادة في غزة.

الأوضاع في سورية صعبة للغاية، والمدخل الإجباري (كما يتمظهر) للحكومة السورية نحو الاتفاق الأمني الذي يفترض أن يعيد المنطقة العازلة التي دخلتها إسرائيل بعد ٨ كانون أول/ديسمبر مازال الممكن الوحيد، رغم كل الشروط الإسرائيلية الصعبة، ومنها حظر وجود أي سلاح ثقيل  في المنطقة الجنوبية من سورية، أي في ثلاث محافظات سورية، هي القنيطرة ودرعا والسويداء، وتَمَنُّع إسرائيل عن القبول بانسحاب من جبل الشيخ وقمته الاستراتيجية، وإسرائيل لا تخفي ذلك، وأعلنته جهارًا نهارًا، وكذلك إصرارها على فتح معبر تسميه (إنسانيًا)، نحو محافظة السويداء، يضاف إلى ذلك جملة محددات إسرائيلية لا يبدو أن السوريين يقبلون بها حتى الآن، رغم الضغوط الأميركية والضرورات الوطنية، التي تدفع نحو إيجاد مخرج لها من عبور عنق الزجاجة، وصولًا إلى تأمين حالة من الهدوء النسبي.

رب قائل يقول: وهل ستلتزم إسرائيل أصلًا بالاتفاق المزمع، حتى لو حقق لها معظم الشروط المطروحة من قبلها؟ وهل يُعرف عن إسرائيل سابقًا أنها التزمت ضمن عقودها السابقة بأية اتفاقات مع العرب، سواء في فلسطين المحتلة، أو الأردن، أو لبنان، أو مصر؟ وحتى مع سورية أيام نظام الأسد الأب أو الابن؟ وهو الذي ضمن حماية حدودها (آمنة مطمئنة) منذ عام ١٩٧٤ وحتى سقوطه وهروبه إلى موسكو أواخر العام ٢٠٢٤.

واقع الحال يقول إن إسرائيل حتى لو وقعت اتفاقات مع العرب فإنها لا تلتزم بها، ومن ثم فإن الاتفاق الأمني القادم مع سورية، لن يعطي الأمان للحكومة السورية الجديدة، ولن يتركها في أحوالها، تبني وتنتج أوضاعًا اقتصادية ومعيشية أفضل، أو تعيد الإعمار، بعد أن هدَّم بشار الأسد أكثر من ٦٥ بالمئة من البنية التحتية السورية، وهجَّر نصف سكان سورية أو يزيد.

وبما أن الأمر كذلك، فلماذا الاستعجال في توقيع اتفاق لن يثمر شيئًا، بل سيساهم في هيمنة إسرائيلية على المنطقة الجنوبية على الأقل، وسيجعل التدخلات والقصف الإسرائيلي تحت دعوى حماية الأقليات، هو السيف المسلط فوق رؤوس السوريين دائمًا.

من هنا فإن المطروح وطنياً ونخبويًا سوريًا الآن أن الأهم من اتفاقات مع إسرائيل هو التوجه نحو حل المشاكل الداخلية مع الجنوب في السويداء وجبل العرب، وكذلك مع شمال شرق سورية أي مع (قسد) وأيضًا مع شمال غرب، في الساحل السوري، والعمل على فتح حوار جدي واضح وموسع وعالي السقف، يجمع السوريين ولا يفرقهم، ويرسم ملامح جديدة لمستقبل أفضل للسوريين الذين ضحوا بما يزيد عن مليون شهيد على مذبح الحرية والكرامة. السوريون جميعًا يريدون وطنًا سوريًا تسوده الديمقراطية، ويلج فيه السوريون بقضهم وقضيضهم عبر مدخل العدالة الانتقالية، التي تقوم بجبر الضرر، وتعيد الحقوق لأصحابها، وتحاسب كل المرتكبين، عبر محاكم علنية، ومدنية غير استثنائية، فلا حماية لأحد خارج القانون السوري المدني الوضعي، القانون هي السيد وفوق الجميع، وبعدها يمكن الحديث عن اتفاقات مع إسرائيل وسواها، ومن ثم الوصول إلى بناء وصياغة العقد الاجتماعي السوري المطلوب وطنيًا، بعيدًا عن كل التدخلات الخارجية.

فهل السوريون مقبلون على توقيع اتفاقات أمنية مع إسرائيل؟ وهل تسبق هذه الاتفاقات مسألة الولوج بالحل الوطني الذي يمنع التقسيم، ومحاولات البعض للاستنجاد بالعدو الأساسي للأمة والوطن وهو إسرائيل.؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى