القضية الأكثر إلحاحاً هذا العام هي تقوية الجناح الشرقي للحلف… وأردوغان قد يسرق الأضواء. على حدود روسيا يجتمع زعماء دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، الدولة الأولى التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات، لمناقشة قضايا الأمن الدولي مع مرور أكثر من 500 يوم من الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ ستكون هناك حاجة إلى قرارات حاسمة، كما ستكون القمة فرصة لإرسال إشارة قوية للوحدة عبر المحيط الأطلسي وتأكيد التزام حلفاء الناتو الصارم بالدفاع عن بعضهم بعضاً وتعزيز موقف الردع والدفاع.
وتفرض قضايا رئيسة نفسها على قمة هذا العام بحكم التطورات على الصعيد العالمي في أوروبا وآسيا، وإضافة إلى مناقشة سبل توفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا، ستكون مسألة عضوية أوكرانيا في الحلف موضع جدل. ففي حين أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إنه لن يشرع في عملية الانضمام سوى بعد انتهاء الحرب، لكن جميع الحلفاء لا يزالون ملتزمين بسياسة الباب المفتوح غير محددة الوقت التي تُعهد بها حيال كييف خلال قمة بوخارست في عام 2008، وهو الأمر الذي اثار استفزاز موسكو واتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذريعة للغزو أو ما يصفه بالعملية العسكرية.
ويقول مستشار الأمن وسياسة الدفاع لدى مركز السياسة الأوروبي جيمس شيا إن الرئيس الأوكراني يسعى إلى الحصول على التزام بضم بلاده للناتو بمجرد انتهاء الحرب والحصول على خطة واضحة وأكيدة خلال قمة فيلنيوس، لكن في حين يدعم بعض الحلفاء هذا النهج فإن آخرون يعلمون تأثيره في روسيا، لذا فإنهم أكثر حذراً ويفضلون البقاء في حيز ما تم اتخاذه خلال قمة بوخارست، لذا فإن عملية الإجماع وإرسال رسالة واضحة وإيجابية لكييف ستكون نقطة رئيسة.
إضافة إلى ذلك ستحتاج الدول الأعضاء إلى التأكيد على مواصلة دعم كييف، واتخاذ قرارات تتعلق بتعزيز الدعم المقدم بما في ذلك التزام يمتد لسنوات لمساعدتها في الانتقال من معدات الحقبة السوفياتية إلى قدرات الناتو الحديثة، وهي المبادرات التي تهدف إلى تعزيز قدرة كييف الحالية والمستقبلية على ردع العدوان وتعزيز دفاعها عن نفسها، بما يتماشى مع الحاجة إلى المضي قدماً في تنفيذ القرار الذي اتخذه الحلفاء في ما يتعلق بعضوية أوكرانيا المستقبلية في الناتو.
تقوية الجناح الشرقي
القضية الأكثر إلحاحاً هذا العام هي تقوية الجناح الشرقي للناتو لتعزيز الدفاعات والردع على الحدود الشرقية، وخلال قمة العام الماضي في مدريد تبنى الأعضاء سلسلة من إجراءات الردع والدفاع بما في ذلك نموذج دفاع جديد وتجديد النموذج الحالي في الجانب الشرقي، ويقول ميهي سيبستيان من مركز السياسة الأوروبية إن قمة فيلنيوس ستقيم ما أنجز من قرارات اتخذت خلال قمة مدريد وتضع خطط دفاع إقليمي جديدة وتفاصيل هيكل قوى جديد. وترى مصادر في الناتو أن أحد الإنجازات التاريخية حقاً سيكون الخطط العسكرية الإقليمية الجديدة للحلف ونموذج القوة، التي أعدت لإعادة تعريف كيف يدافع الحلف عن نفسه.
وبينما إحدى القضايا التي كشفت عنها الحرب الروسية هي أن القاعدة الصناعية الدفاعية للغرب ليست قوية كما كان يعتقد من قبل، لذلك يتوقع أن يوقع قادة الناتو خطة لإنتاج مزيد من العتاد الدفاعي. وقال الأمين العام للحلف الشهر الماضي إن هذه الجهود “ستربط القدرة الصناعية الدفاعية للتحالف بشكل أكثر فاعلية مع التخطيط الدفاعي لدينا، وستسهل أيضاً مزيداً من المشتريات المشتركة، وتساعد في تحقيق أهداف قدرات الناتو وتدعم الحلفاء في تنفيذ معاييره”.
الصين قضية حاضرة
وبعد عام من اعتماد المفهوم الاستراتيجي الجديد، وهو الاستراتيجية الشاملة للحلف، سيجتمع قادة الناتو أيضاً لمواصلة الاستعداد لعالم من المنافسة الاستراتيجية المتزايدة. وسيناقشون التحديات الأمنية العالمية، بما في ذلك تلك الناشئة عن الصين، وتأثيرها في الأمن الأوروبي الأطلسي، إذ سينصب التركيز على كيفية مواصلة تعزيز قدرة الحلف على الصمود بما في ذلك من خلال تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز التعاون مع شركاء الناتو في منطقة المحيطين الهندي والهادئ – أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية – التي دعي رؤساء دولها وحكوماتها إلى حضور القمة للعام الثاني على التوالي.
وللمرة الأولى أدرج الناتو الصين ضمن مفهومه الاستراتيجي الذي صدر العام الماضي، الذي حذر من أن “طموحات بكين المعلنة وسلوكها” يمثلان “تحديات منهجية” للأمن عبر المحيط الأطلسي.
وأعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الشهر الماضي حضوره قمة الناتو في ليتوانيا وزيارة مقار الحلف في بلجيكا، في إطار مناقشات جارية لاستضافة مكتب للناتو في طوكيو، واصفاً البيئة الأمنية الحالية للمجتمع الدولي بأنها “الأكثر خطورة وتعقيداً” في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتعهد كيشيدا “بالاستفادة الكاملة من الأدوات الدبلوماسية” للمساهمة في سلام واستقرار المجتمع العالمي مع خدمة المصلحة الوطنية لليابان.
وتشعر اليابان بقلق متزايد بشأن الأنشطة العسكرية الصينية في المنطقة لاسيما حول جزر بحر الصين الشرقي المتنازع عليها، وتعمل الصين على زيادة قواتها البحرية والجوية في مناطق بالقرب من اليابان، بينما تدعي أن جزر سينكاكو، وهي سلسلة جزر غير مأهولة بالسكان تسيطر عليها اليابان في بحر الصين الشرقي، تقع ضمن أراضيها السيادية.
الإنفاق الدفاعي
وتبقى مسألة الاتفاق على خطط دفاع محدثة وأكثر تفصيلاً لتعزيز قدرة الناتو على الاستعداد للدفاع عن جناحها الشرقي ضد أي خطط عدوان روسي محتملة أولوية رئيسة على طاولة المفاوضات، جنباً إلى جنب مع الإنفاق العسكري، إذ يرغب ستولتبرغ في ألا يقل الإنفاق الدفاعي عن اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدى الحلفاء، وهي قضية كانت مثار خلاف واسع بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وحلفاء الناتو في أوروبا، إذ بعث بخطابات شديدة اللهجة قبيل قمة عام 2018 لقادة ألمانيا وبلجيكا والنرويج وكندا يطالبهم بالمساهمة بشكل أكبر في موازنة الحلف.
وأعلن عديد من أعضاء الناتو بالفعل زيادات في الموازنة منذ بدء الحرب في أوكرانيا، ومع ذلك هناك مخاوف بشأن عملية التنفيذ والقدرة على تلبية الوعود المقطوعة. وذكر مراقبون أوروبيون أن سبعة من أصل 31 من الحلفاء فقط يفون حالياً بهدف اثنين في المئة، ومن ثم سيكون بعضهم متردداً في الالتزام علناً بأهداف أكثر طموحاً أو إلزامية. وبينما يضغط بعض الحلفاء من أجل تعهد أكثر طموحاً، من المستبعد التوصل إلى إجماع لرفع المستوى إلى اثنين في المئة خلال القمة.
أردوغان قد يسرق الأضواء
ويتوقع أن يسرق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأضواء في القمة، فتبقى قضية انضمام السويد لعضوية الناتو الأكثر إثارة وترقباً، إذ يسعى أردوغان إلى الاستفادة القصوى من الموقف. ويتعلق الأمر برفض الرئيس التركي انضمام السويد بحجة أنها ترعى معارضين أتراكاً تعتبرهم أنقرة إرهابيين ويطالب بتسليمهم، من بينهم كاتب ترشح لجائزة نوبل، وهو الطلب الذي رفضته السويد، لكن خلال أكثر من عام من المفاوضات استجابت السويد لبعض المخاوف التركية وغيرت قوانين مكافحة الإرهاب لديها لتلبي طلب أنقرة، لكن بينما لا يزال الحلفاء يأملون في توقيع أنقرة وبودابست على طلب عضوية السويد قبل القمة، فإن الجدول الزمني ضيق وقد يبقي أردوغان الجميع في انتظار آخر لحظة ممكنة.
المصدر: اندبندنت عربية