ترامب يتخلى عن التطبيع مع إسرائيل.. صفقة بلا شروط مع السعودية وسحب هادئ من سوريا

بشار الحاج علي

في خطوة غير مسبوقة منذ إطلاق “اتفاقات أبراهام”، كشفت تسريبات إعلامية أميركية أن الرئيس دونالد ترامب، في ولايته الثانية، قرر إسقاط شرط التطبيع مع إسرائيل كشرط مسبق لإبرام اتفاقات استراتيجية مع السعودية. هذا التحول لا يعني فقط مراجعة في ترتيب الأولويات، بل يشير إلى ما يشبه نهاية غير معلنة لمسار بدأ قبل سنوات بدفع أميركي حثيث، وانتهى اليوم إلى ما يشبه الهدوء الحذر حول فكرة “الشرق الأوسط الجديد”.

فترامب، الذي ربط اسمه بتلك الاتفاقات منذ عام 2020، يُنهي اليوم مرحلة بكاملها من سياسات الضغط والتطويع، ويستبدلها بمنطق أكثر مرونة، وأكثر مراعاة لتوازنات المنطقة. لا تطبيع مفروض، ولا شروط مسبقة، بل صفقة تُكتب بلغات متعددة: لغة المصالح، والواقعية، وربما الاعتراف بنهاية وهم “فرض إسرائيل كأمر واقع لا يُناقش”.

السعودية تُملي إيقاعها: لا تطبيع خارج المبادرة العربية

السعودية، التي تكررت على لسان مسؤوليها مواقف مشروطة حيال التطبيع، انتصرت هذه المرة في معركة الرمزية السياسية. لم تقبل المملكة أن تُجرّ إلى اتفاق استراتيجي يُفرض فيه تطبيع مقابل شراكة، بل فرضت هي شروطها: لا علاقات مع إسرائيل خارج إطار مبادرة السلام العربية، ولا مساومات على حساب القضية الفلسطينية.

هذا التغير لا يعني فقط تعديلاً في التفاصيل، بل انقلابًا في قواعد اللعبة: من كان يُعتقد أنه صاحب اليد العليا – أي واشنطن – وجد نفسه مضطرًا للإصغاء إلى إيقاع الرياض، بل وإعادة ترتيب أوراقه الإقليمية وفقًا لمعادلات جديدة، على رأسها احترام الثوابت السعودية.

تل أبيب في الزاوية: الضربة جاءت من ترامب لا من خصومه

إسرائيل، التي راهنت طويلاً على ترامب كحليف استراتيجي لا يتزعزع، تلقت الضربة من حيث لا تحتسب. فالرئيس الذي أشرف على “أبراهام” هو نفسه الذي سحب بساطها، ليس فقط في الخطاب، بل في السياسات. القرار جاء في لحظة حساسة: حرب غزة لا تزال ترخي بظلالها، وعزلة نتنياهو تتفاقم، والمشهد الدولي لا يمنح تل أبيب هامش المناورة الذي اعتادت عليه.

في هذا السياق، تبدو الزيارة العاجلة للوزير الإسرائيلي ديرمر إلى واشنطن بمثابة محاولة إنقاذ، أو على الأقل احتواء الخسائر. لكن المؤشرات توحي بأن الحسابات الأميركية لم تعد تُدار من زاوية أمن إسرائيل فحسب، بل من منظور أوسع، يحكمه منطق “أميركا أولاً”، كما في الشعارات الأولى لحملة ترامب قبل سنوات.

انسحاب من سوريا.. الحضور باهظ والتأثير ممكن من بعيد

قبل أسابيع قليلة، أعلنت الإدارة الأميركية سحب ألف جندي من الأراضي السورية. القرار، الذي مرّ بهدوء إعلامي، يكشف عن البعد العملي للمراجعة الأميركية: ليست المسألة تخلّيًا عن النفوذ، بل إعادة تموضع. فالبقاء العسكري المباشر بات عبئًا، لا ورقة قوة، فيما الرهان الأميركي الجديد يتمثل في التأثير من بعيد، وإدارة التوازنات عبر الضغط السياسي والتنسيق مع الحلفاء.

بالنسبة للسوريين، فإن هذا الانسحاب لا يحمل بالضرورة بُعدًا سلبياً، لكنه يُنهي حقبة ظنّ البعض أنها قد تُفضي إلى تغيير فعلي. ما يحدث اليوم يؤكد أن واشنطن لم تعد ترى في سوريا ساحة أولى، ولا ترى في الملف السوري مدخلاً إلى ترتيب الإقليم. إنها تعيد النظر في الكلفة، لا في الأهداف.

الخاتمة: الشرق الأوسط بعد “أبراهام” – مقاربة أكثر واقعية أم انسحاب تحت الضغط؟

ما بين التخلي عن التطبيع، وتراجع الحضور العسكري، تقرأ المنطقة ملامح أميركية جديدة. واشنطن، التي حلمت بهندسة نظام إقليمي موالٍ بالكامل، تعود اليوم إلى إدارة الأزمات لا حلها، وإلى شراكات ثنائية قائمة على المصالح، لا على الأيديولوجيا أو الوعود.

وقد لا نكون بصدد نهاية أميركية في الشرق الأوسط، لكننا حتمًا نعيش نهاية مرحلة.

مرحلة “أبراهام”، وفرض إسرائيل كجزء من المعادلة دون قيد أو شرط.

وإذا كانت واشنطن بدأت الانسحاب من سوريا، فهي أيضًا تُنسحب – ولو بلغة أكثر لياقة – من دور الراعي الحصري للتطبيع.

 

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الدول والأنظمة يتحكم بقراراتها ومواقفها المصالح فقط ، هل من مصلحة الإدارة الأمريكية بقيادة “ترامب” حالياً إسقاط شرط التطبيع مع إSرائيل كشرط مسبق لإبرام اتفاقات استراتيجية مع السعودية ؟ هل هو تحول في ترتيب الأولويات؟، أم نهاية غير معلنة لمسار فكرة “الشرق الأوسط الجديد”؟ .

اترك رداً على khatib yehya إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى