
استغلت إسرائيل الأحداث الأخيرة في السويداء كذريعة بحجة حماية المواطنين العرب السوريين الدروز فيها في حين تواصل ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية وفصل عنصري بحق العرب الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وتمييز عنصري كذلك ضد العرب في الأراض المحتلة عام 1948 بمن فيهم الدروز أنفسهم في سعى واضح لتحقيق حلمها أو وهمها بفرض نفسها كلاعب مركزي في سوريا الجديدة والمنطقة، ومواصلة مهاجمة وتدمير مقدراتها ومراكمة الصعوبات أمام سيرورة نهوضها والنيل من هيبة القيادة الجديدة فيها.
كما العادة اصطدمت العدوانية والدموية بثبات القيادة المدعومة من أغلبية واسعة وجارفة من السوريين، كما استظلت بمظلة الحماية العربية التركية الإقليمية والدولية الواسعة، لسوريا الجديدة الموحدة والمستقرة والخالية من الميليشيات الطائفية والجماعات الخارجة عن القانون أي كانت مسمياتها والتي لا تمثل تهديداً للمحيط بل على العكس هي عامل استقرار وأمن وسلام في المنطقة.
استغلت إسرائيل الأحداث بعدوانية ودموية على طريقتها. وأمام ضخ دعائي وأعلامي قامت باستهداف مراكز ورموز القيادة الشرعية بالعاصمة دمشق، كما مواقع بمحيط السويداء ودرعا بحجة ابقائها منزوعة السلاح غير أن الأمر تجاوز ذلك إلى استهدافات في ريف دمشق.
إذن، بعد أحداث، الأيام الأخيرة بمحافظة السويداء المنطلقة أساساً من وجود تيار انعزالي فيها، يشيطن الحكومة السورية والدولة كلها، ويستقوي بإسرائيل العنصرية التي ارتكبت ولا تزال جرائم حرب وإبادة في فلسطين وسوريا ولبنان والمنطقة وقادتها مطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية مقابل القيادة الوطنية والشرعية للبلاد، التيار الذي رفض كل التفاهمات السابقة المستندة إلى روح ما تم تنفيذه في مدينتي صحنايا وجرمانا، كما الاتفاق الأخير في السويداء المتضمن قواعد وأسس صلبة وواقعية وقابلة للتطبيق، تشمل سيادة الدولة على المحافظة، وتسيير الأمن من عناصر محلية موثوقة وأخرى تابعة لوزارة الداخلية، واندماج السويداء في الدولة السورية ومؤسساتها التي تتولى مسؤولياتها كاملة عن المحافظة، وبالطبع التعهد بتسليم ونزع سلاح الجماعات الخارجة عن القانون.
بالسياق لا يمكن ولا يجب أصلاً إنكار الانتهاكات المعزولة في السويداء التي قامت بها أقلية من قوات الأمن مع تعهد الرئاسة بالمحاسبة وعقاب المسؤولين عنها في حين يتم غض الطرف عن انتهاكات وفظائع قامت بها المجموعات الخارجة عن القانون بما في ذلك قتل وإهانة العناصر الأمنية، وحتى منع وصول الجرحى والمصابين إلى المستشفى الوطني بالسويداء.
في كل الأحوال استغلت إسرائيل الأحداث بعدوانية ودموية على طريقتها. وأمام ضخ دعائي وأعلامي قامت باستهداف مراكز ورموز القيادة الشرعية بالعاصمة دمشق، كما مواقع بمحيط السويداء ودرعا بحجة ابقائها منزوعة السلاح غير أن الأمر تجاوز ذلك إلى استهدافات في ريف دمشق وحتى في جبلة واللاذقية البعيدة تماماً عن الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة.
كان الهدف الإسرائيلي ولا يزال واضحاً وجلياً لا تخطئه العين ويتمثل بتدمير مقدرات الدولة السورية ومراكمة الصعوبات أمام نهوض واستقرار سوريا الجديدة مع الانتباه إلى مغادرة تل أبيب مربع الحديث الصريح والفظّ عن خطط الانفصال والتقسيم أقله علناً حتى لو بقي ذلك حلماً ووهماً بعيد المنال.
تسعى تل أبيب كذلك عبر الغارات والهجمات الدموية الى ابتزاز القيادة السورية لإجبارها على القبول بالرؤى والتصورات الإسرائيلية فيما يتعلق بتجاوز اتفاق فك الاشتباك للعام 1974 واحتلال المنطقة العازلة وجبل الشيخ وتجاهل ملف الجولان والقبول بإزاحته عن جدول أعمال الحوار غير المباشر بين الجانبين ومن جهة أخرى كانت تعبيراً جلياً عن كذب كل ادعاءات التطبيع والضخ دعائي الذى تقوده قناة I24 وإيدي كوهين الذي يبدو بمثابة نسخة غير رسمية من أفيخاي أدرعي – كتبنا عنه قراءة موسعة هنا – علماً أن القيادة في سوريا الجديدة لم تتنازل أبداً وليست بوارد التطبيع ولا التفريط بالجولان، وإنما تميل إلى تفاهم أمني أقرب إلى تحديث ما لاتفاق فكّ الاشتباك للعام 1974 مع الحفاظ على المصالح السورية العليا بما في ذلك انتشار السلطة الشرعية، وحفظ الأمن بالجنوب ولو من دون سلاح ثقيل أقله بالمرحلة الأولى، مع التذكير بتواطؤ النظام السابق وإصدار أمر الانسحاب للجيش وتحديداً الفرقة الخامسة ليلة سقوطه من المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة بما فيها جبل الشيخ الاستراتيجي.
إن نظام الأسد ترك وراءه أرض مدمرة ومحروقة بالمعنى الدقيق للمصطلح وبالتأكيد فان ما دمره النظام في عقود لا يعاد بناؤه في شهور أو سنوات قليلة وهذه دعوة للعمل والجد والاجتهاد والتفاؤل لا اليأس.
هنا يجب التأكيد على أهمية بل حتمية قيام القيادة السورية بممارسة مسؤولياتها وسلطاتها على كامل أراضيها ليس تساوقاً مع إسرائيل وشروطها وأطماعها وإنما ممارسة لسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، ورفض أي تهديد لأمن البلاد من قبل إسرائيل أو الميليشيات المشغّلة إيرانياً كما كان يحدث بشكل دعائي للتغطية على السياسات الاستعمارية لطهران بالدول العربية.
واجهت العدوانية الإسرائيلية أمامها ليس فقط رباطة الجأش والثبات من القيادة والغالبية العظمى والجارفة من السوريين بل مظلة الحماية الواسعة العربية والتركية والدولية بما فيها الأميركية خاصة بعدما تجاوزت الدولة العبرية الحدود والمنطق والمعقول بغاراتها المجنونة الأربعاء حسب تعبير الرئيس دونالد ترامب الشهير، وكما أقر فعلاً زعيم المعارضة يئير ليبيد حتى مع التشدّق بذريعة حماية الدروز.
في الأخير باختصار وتركيز وفيما يخص العِبَر والدروس المستفادة من الهجمات والعدوانية الإسرائيلية الأخيرة في دمشق وريفها والسويداء ودرعا و وجبلة واللاذقية والتي يأتي على رأسها ولا شك سقوط وهم وأكذوبة التطبيع واتفاق السلام مع الالتزام بالإجماع العربي والشرعية الدولية وابتعاد أي فرصة لتفاهم يتجاوز تحديث اتفاق فكّ الاشتباك بالعام 1974 مع الحفاظ على سلامة وسيادة واستقرار البلاد ووحدة أراضيها واستحالة تحول تل أبيب إلى لاعب مهم ومركزي بسوريا والمنطقة إثر توسيع الهوة والعداء مع الجمهور السوري والعربي والإسلامي بشكل عام.
مع الانتباه كذلك إلى ضرورة العمل على سدّ الثغرات الداخلية تحديداً في الناحية الدستورية والسياسية وتوسيع دائرة المشاركة واستكمال تشكيل المؤسسات بالمرحلة الانتقالية بما في ذلك البرلمان ولجنة كتابة الدستور الدائم حتى مع تفهم الإنجازات الكبرى بالسياق الاقتصادي والاجتماعي واعادة الإعمار خاصة إن نظام الأسد ترك وراءه أرض مدمرة ومحروقة بالمعنى الدقيق للمصطلح وبالتأكيد فإن ما دمره النظام في عقود لا يعاد بناؤه في شهور أو سنوات قليلة وهذه دعوة للعمل والجد والاجتهاد والتفاؤل لا اليأس.
المصدر: تلفزيون سوريا