
يُراد لصورة الدعم الدولي الذي منح للرئيس السوري أحمد الشرع، على الرغم من كل ما شهدته محافظة السويداء، أن يكون نموذجاً تحتذيه دولٌ وجهات عديدة. هذا بالضبط ما يُوحى به للبنان حول الالتفاف الدولي والإقليمي في حال قررت الدولة اللبنانية أن تسلك المسار المفروض أو المرسوم، وهذا ربما ما يُفسر كلام المسؤولين الأميركيين المتعددين عن ضرورة مواكبة الخطوات السورية والاقتداء بها. كان واضحاً الدور الذي لعبته دول إقليمية وقوى دولية في سبيل الوصول إلى اتفاق وقف النار في السويداء، مع ترك تفاصيل آلية التطبيق للعناصر السورية الداخلية حول كيفية حلّ معضلة السلاح ودمجه في مؤسسات الدولة السورية ومن هي الجهات التي ستكون أكثر فعالية في السويداء.
أمر مشابه يُعروض على لبنان، أولاً أن تعزم الدولة اللبنانية على حصر السلاح بيدها، وأن تبدأ وفق خطة واضحة ومنهجية ذات مراحل زمنية، الآلية التطبيقية لتحقيق ذلك، وعندها يمكن للبنان أن ينال الدعم الدولي والإقليمي المطلوب، أما ما دون ذلك وفي حال تخلّفت الدولة اللبنانية عن هذا الركب فستكون بين “فكي كماشة” أولها المخاطر الإسرائيلية التي تهدد بالتصعيد دوماً وبتكثيف العمليات، وثانيها تطورات الوضع السوري في ضوء المخاطر التي أشار إليها أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في كلامه الأخير، وأوحى عملياً برفض الورقة الأميركية والتعاطي معها، قائلاً إن الضغوط التي تمارس على الجيش اللبناني لسحب السلاح ستؤدي إلى حرب أهلية.
رفض حزب الله للورقة
يتضح من كلام قاسم أن الجواب اللبناني أو التعاطي الإيجابي مع المقترح الأميركي لا يمثل حزب الله، أو أن الحزب لا يوافق عليه ولن يلتزم به. وفي حال حصل ذلك ولم يتم الوصول إلى صيغة تلائم الطرفين، فإن مخاطر التصعيد ستتجدد بالمعنى العسكري إسرائيلياً، وبالمعنى السياسي والاقتصادي أميركياً وإقليمياً، وهو ما سيجعل لبنان في عزلة يُراكم خلالها الأزمات. هذا الأمر تلتقط إشاراته كل مراكز القوى في لبنان، وهو ما يحاول الرؤساء الثلاثة العمل على تفاديه إلى جانب تفادي حصول أي تصعيد والوصول إلى آلية عمل يمكنها أن تخرج لبنان من هذه الدوامة من دون اهتزازات كبيرة.
تبدو المعادلة التي استند عليها الشرع في السويداء، وسيعتمدها أيضاً في شمال شرق سوريا لاحقاً، هي عنوان إنهاء حالات السلاح المتفلت خارج إطار منظم أو خارج إطار مؤسسات الدولة. وهو بالتأكيد يبدو مصمماً على معالجة جميع مشاكل السلاح وعدم الافساح في المجال أمام أي محاولة لإقامة إقليم مستقل أو إدارة حكم ذاتي في سوريا، وسط معلومات تتحدث عن تحضيره للقيام بزيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية في الشهرين المقبلين، والتي يفترض أن تضع إطاراً تأسيسياً لتحركه الجدي والفعال في سبيل معالجة المشكلة مع قوات سوريا الديمقراطية والوصول إلى اتفاق.
هذه المعادلة نفسها التي يُراد للبنان أن يُحكم بها بناء على تفاهمات إقليمية ودولية، وهي التي من الواضح أن حزب الله يرفضها، خصوصاً عندما خرج الشيخ نعيم قاسم وأعلن عن المخاطر الآتية من سوريا ووضع السلاح في خانة الدفاع عن الوجود وعن عدم تحقيق غاية دولية في دمج لبنان بسوريا كما وصفها. لذلك يستند حزب الله على المشهد السوري لرفض تسليم سلاحه وللتشديد على مسألة الضمانات والاستراتيجية الدفاعية والحوار الداخلي، وهو لا يزال يتشدد ويتمسك برفض أي كلام عن سحب السلاح من دون الحصول على ضمانات فعلية تتصل بانسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها، ومن دون الحصول على ضمانات تتصل بوضع الجبهة الشرقية.
مقاربة جنبلاك مختلفة
على العكس من مقاربة حزب الله وأمينه العام، كانت مقاربة وليد جنبلاط مختلفة جذرياً. فهو منذ اللحظة الأولى شدد على ضرورة اندماج الدروز في سوريا مع المجتمع السوري، ورفض أي دعوات لإقامة إدارة مستقلة أو ذاتية، وشدد على دخول مؤسسات الدولة السورية إلى المحافظة، وذلك انطلاقاً من قناعة راسخة لديه بأهمية اندماج الدروز داخل دولهم ومجتمعاتهم وأن يكونوا فاعلين فيها، كما أن جنبلاط ومنذ عقود وهو يرفض منطق الأقليات أو طلب الحماية الإسرائيلية لهذه الأقليات. انطلق جنبلاط في الإصرار على قناعته من قراءة التطورات الإقليمية والدولية، ومعرفة انعكاسها على الوضع العام في المنطقة.
ما فعله جنبلاط تجاه سوريا، هو نفسه ما فعله في لبنان عندما خرج وأعلن عن تسليم سلاح الحزب التقدمي الإشتراكي إلى الدولة اللبنانية، داعياً كل القوى إلى تسليم أسلحتها للدولة، وهو قصد حزب الله أو غيره من الأحزاب التي تمتلك أسلحة. مثّل موقف جنبلاط خطوة متقدمة في قراءة طوالع التطورات وما تحمله الأيام، وهو ما يعرفه أيضاً معظم المسؤولين اللبنانيين ويسعون إلى التعاطي معه باعتبار أن هناك مرحلة جديدة لا بد من مواكبتها.
المصدر: المدن