الرواتب من ميزانية الدولة.. ما مصير المجالس والشرطة شمالي حلب بعد عملية الدمج؟

ثائر المحمد

بدأت محافظة حلب خطواتها التنفيذية الأولى نحو دمج مؤسسات ريفها الشمالي والشرقي، التي كانت تُدار سابقاً بالتنسيق مع الجانب التركي، ضمن هيكل مؤسسات الدولة السورية، وذلك بعد اجتماعات موسعة ترأسها أحمد ياسين، معاون المحافظ ورئيس لجنة دمج الريف بالمدينة، بهدف تنظيم إدارة المدن في هذه المناطق.

وبحسب ما أعلنته محافظة حلب، فقد تسلّمت رسمياً إدارة الوحدات الإدارية في تلك المناطق، وأطلقت خطة دمج مؤسسي شاملة تشمل جميع المديريات الخدمية والتعليمية، إضافة إلى خطوات لاحقة تتعلق بالقطاعين الصحي والأمني، حيث أوضح ياسين أن الإدارة المركزية في حلب أصبحت الجهة الوحيدة المخولة بإدارة الملفات الخدمية والتنموية.

وشملت الاجتماعات، التي عُقدت في عدة مدن منها عفرين والباب، مناقشة تفاصيل هيكلة الإدارات المحلية، وتوزيع الكوادر، وتقييم واقع المنشآت العامة، مع التأكيد على بقاء الممتلكات العامة في أماكنها واستخدامها لصالح السكان المحليين دون تغيير، كما تم إبلاغ رؤساء المجالس والمديريات المحلية بآلية العمل الجديدة، التي تعتمد التقسيمات الإدارية الرسمية التابعة لمحافظة حلب.

ومن بين أبرز الإجراءات التي اتخذتها المحافظة، صرف رواتب الموظفين المحليين من ميزانية الدولة السورية مباشرة، بدءاً من الشهر الجاري، وتحمل كامل الكلفة التشغيلية في تلك المناطق، في إطار السعي لتوحيد المرجعيات. كما ستعمل وزارة الداخلية السورية على إجراء مقابلات لاعتماد عناصر الشرطة ضمن كوادرها الرسمية، في خطوة تشير إلى بداية شمول الدمج بالقطاع الأمني.

وأكد معاون المحافظ أن عملية الدمج تهدف إلى “تحقيق التكامل المؤسسي ورفع مستوى الخدمات في مناطق الريف”، مشيراً إلى أن الأيام المقبلة ستشهد اجتماعات إضافية مع رؤساء المجالس والمديريات لمتابعة تنفيذ الخطة بدقة. وأوضح أن الاتفاق الذي جرى بين الحكومتين السورية والتركية أنهى بشكل رسمي حالة الازدواج الإداري، ليصبح الشمال السوري التابع لمحافظة حلب خاضعاً بشكل كامل لإدارتها المباشرة.

آلية الإدارة السابقة

لسنوات، خضعت مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي لإدارة مباشرة من قبل ولاة أتراك يتبعون عدداً من الولايات الحدودية، حيث كان التنسيق يتم عبر مستشارين ومنسقين من الجانب التركي، تولّوا الإشراف على مختلف القطاعات الخدمية والإدارية، بما في ذلك التعليم والصحة والأمن، إضافة إلى آليات توزيع الرواتب على العاملين في المجالس المحلية، والجيش الوطني، وقوات الشرطة.

وتأسست المجالس المحلية التي تولّت إدارة تلك المناطق، أو أُعيد تشكيلها، بين عامي 2016 و2019، بمبادرات من وجهاء محليين وشيوخ عشائر وناشطين مدنيين، وبدعم وتمويل تركي مباشر، بالتنسيق مع فصائل المعارضة. جاء هذا التشكيل في إطار فرض الاستقرار الأمني بعد العمليات العسكرية التركية، ورافقته جهود لإعادة تأهيل البنية الخدمية، مع التركيز على قطاعات الصحة والتعليم في المراحل الأولى.

ورغم المحاولات المتعددة للتنظيم الإداري، إلا أن تلك المجالس افتقرت إلى هيكلية موحدة للحكم المحلي، إذ كانت الوحدات الإدارية تعمل بشكل منفصل، مع تفاوت في قدرتها على تقديم الخدمات تبعاً للموارد المتاحة والجهة المسيطرة. كما لم تُطبق لوائح موحدة أو أنظمة رقابة شاملة، ما أثر سلباً على مستوى الحوكمة والاستجابة لاحتياجات السكان.

وتتوزع المجالس المحلية على 18 مجلساً مركزياً في مناطق الشمال السوري، من بينها جرابلس، والباب، واعزاز، والراعي، ومارع، وعفرين، وتل أبيض، ورأس العين، وتتبع لها بلديات فرعية. وتُظهر الهيكلية النظرية تبعية هذه المجالس لوزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة سابقاً، إلا أن العلاقة الفعلية كانت تقتصر على الحد الأدنى من التنسيق، دون وجود سلطة إشرافية مركزية فعالة.

وفي المقابل، استمر الجانب التركي بالإشراف على معظم القطاعات، بما في ذلك الأمن عبر فصائل “الجيش الوطني السوري” وقوات الشرطة، إلى جانب القطاعين الصحي والتعليمي، والتنسيق المالي المتعلق بالرواتب والمخصصات التشغيلية.

بدء الخطوات العملية

قال أحمد ياسين، معاون محافظ حلب ورئيس لجنة دمج الريف بالمدينة، في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا، إن الحكومة السورية بدأت خطواتها العملية لاستلام وإدارة مؤسسات ريف حلب الشمالي والشرقي، ضمن خطة دمج مؤسسي تهدف إلى إنهاء حالة الازدواج الإداري وتعزيز المركزية على مستوى المحافظة والدولة.

وأوضح ياسين أن “المجالس المحلية التي كانت تدير تلك المناطق لم تُحل، بل باتت تعمل تحت إشراف مباشر من إدارة المنطقة التابعة لمحافظة حلب، وفقاً لنظام الإدارة المحلية السوري”، مؤكداً أن “عملية الدمج تتم وفق خطة مدروسة تراعي خصوصية كل منطقة ودور مؤسساتها خلال السنوات الماضية”.

مصير أفراد الشرطة والرواتب

وأشار إلى أن وزارة الداخلية السورية بدأت إجراءات دمج عناصر الشرطة العاملين في تلك المناطق ضمن قوى الأمن الداخلي، موضحاً: “تم رفع قوائم بأسماء العناصر الحاليين إلى الوزارة ليتم دمجهم بطريقة مؤسساتية سليمة، تأخذ بعين الاعتبار الكفاءة والخبرة”.

وأكد ياسين أن الحكومة ستتسلّم ملف الرواتب للموظفين المحليين في هذه المناطق، ومن المتوقع أن تبدأ عملية الصرف من ميزانية الدولة السورية اعتباراً من الشهر القادم، مشدداً على أن الدولة ستتحمل كذلك النفقات التشغيلية بالكامل.

واعتبر ياسين أن “عملية استلام الإدارة المحلية من قبل الدولة السورية هي خطوة مهمة لإعادة توحيد الهيكل الإداري، بعد سنوات من تعدد أنماط الإدارة التي أثقلت كاهل المواطن السوري، خاصة في المناطق التي تنقّل بينها بين الشمال وإدلب قبل التحرير”. وأردف: “الدمج لم يعد فقط قراراً إدارياً، بل أصبح مطلباً شعبياً من قبل السكان في هذه المناطق، لما له من أثر في توحيد الوثائق الرسمية والمناهج الدراسية وتحسين جودة الخدمات”.

وأضاف: “من شأن هذه الخطوة أن تعزز موقف الدولة السورية، خاصة في ظل وجود خطوط تماس مع مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات، كما تدعم المركزية في إدارة المنطقة بشكل عام”.

فرص النجاح

وحول واقع المؤسسات في المناطق المدمجة، قال ياسين: “إدارة هذه المناطق ستكون أسهل مما كان عليه الحال في مناطق خضعت سابقاً لسيطرة النظام البائد، لأنها تحتوي على بنية مؤسسية متراكمة، وكانت تؤدي دورها الخدمي منذ أكثر من عشر سنوات، رغم وجود تحديات بسبب تعدد الفصائل والقوى العسكرية”.

وأشار ياسين إلى أن خطة الدمج ستبدأ بدمج المجالس والمؤسسات الخدمية ضمن الهيكل الإداري لمحافظة حلب، مع تنظيم سجلات الموظفين وتسليم الملفات ودمج الكوادر والأصول والمشاريع، لضمان انتقال منظم يحافظ على الاستمرارية المؤسسية، خصوصاً في ظل الكثافة السكانية الكبيرة التي تشهدها هذه المناطق بسبب استقبالها نازحين من مختلف أنحاء سوريا.

ولفت إلى أن “تركيا معنية بإنجاح هذه الخطوة لما لها من تأثير مباشر على استقرار الشمال السوري، وضمان أمن الحدود، فضلاً عن تسهيل عودة اللاجئين من المدن التركية إلى الداخل السوري، وهو ملف مركزي في السياسة التركية”.

وفيما يخص الجانب العسكري، قال ياسين إن “غالبية الفصائل العسكرية تم دمجها ضمن هيكل وزارة الدفاع السورية، في إطار مخرجات مؤتمر النصر، الذي أُعلن فيه رسمياً حل الفصائل ودمجها في المؤسسات الرسمية، وهو ما يمهّد لاستكمال عملية الدمج الكامل”.

وختم ياسين حديثه بالتأكيد على أن توحيد الإدارة والوثائق والإجراءات الرسمية في كامل مناطق سيطرة الدولة السورية سيساهم بشكل مباشر في تسهيل عودة اللاجئين السوريين، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تمثل تحولاً مفصلياً نحو استعادة السيادة المؤسسية.

ويعلّق أهالي ريف حلب الشمالي والشرقي آمالاً كبيرة على خطة الدمج المؤسسي التي أطلقتها محافظة حلب، باعتبارها خطوة طال انتظارها لإعادة تنظيم العمل الإداري وفق مرجعية واضحة، بعد سنوات من تعدد السلطات وتضارب الصلاحيات التي أثّرت سلباً على حياة السكان اليومية.

ويرى كثير من الأهالي أن خضوع مؤسساتهم لإدارة موحّدة تابعة للدولة السورية قد يشكّل فرصة حقيقية لتحسين الخدمات العامة، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، التي كانت تعاني من ضعف التنسيق وانعدام الاستقرار الإداري في ظل الواقع السابق.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى