ونحن في حضرة عيد الميلاد المجيد، لرسول السلام والمحبة السيد المسيح عليه السلام، تواصل دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية التهجم والإساءة والتطاول على نيافة بابا الفاتيكان فرنسيس الثالث، في محاولة يائسة لتبرئة ذاتها من الوحشية غير المسبوقة في الزمن المعاصر، والإبادة الجماعية التي استمرأتها على مدار الشهور الـ15 ضد الشعب العربي الفلسطيني، غير عابئة بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وقرارات الشرعية الأممية، ورافضة الاستماع لصوت الرأي العام العالمي الرافض لحربها الهمجية والقذرة على الأطفال والنساء بذرائع وهمية، وفي اجتزاء لتاريخ الصراع، وفصل مراحله بشكل ميكانيكي رغبوي للهروب من استحقاقات السلام والتعايش، وجنوح نحو حرب الأرض المحروقة في عملية تطهير عرقي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ونفيه من أرض وطنه الأم، وتجسيد هدف المشروع الإجلائي الإحلالي الصهيوغربي وشعاره الناظم “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”.
وتكريسا لخيار الإبادة تطارد الدولة الإسرائيلية الخارجة على القانون الدولي كل صوت في العالم يصف الواقع الماثل في قطاع غزة، كما يشاهده على الفضائيات ويقرأ حجم الفظائع والعمليات اللاإنسانية في القطاع من وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها، ومن وكالات الأنباء العالمية، فقط لمجرد وصف الواقع، أو لكل مطالب بوقف الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، بأنه “معاد للسامية”، و”متجن على الحقائق”.
وهذا ما حصل بعد إلقاء بابا الفاتيكان فرنسيس الثالث خطابه السنوي بمناسبة عيد الميلاد المجيد أمام كرادلة كاثوليك يوم السبت 21 كانون الأول / ديسمبر الحالي، الذي جاء فيه “بالأمس تم قصف الأطفال (الجمعة في غزة) واصفا ذلك بالوحشية، وأكد هذه ليست حربا، “أردت أن أقول ذلك، لأنه يمس القلب” وأضاف أن بطريرك القدس للاتين حاول دخول قطاع غزة أمس (الجمعة) لزيارة الكاثوليك هناك، لكنه منع من الدخول. وعرض مشهد ميلاد يصور السيد المسيح عليه السلام ملفوفا بالكوفية، التي تعد رمز الوطنية الفلسطينية، ودعا المجتمع الدولي إلى دراسة ما إذا كان الهجوم العسكري هناك يشكل إبادة جماعية للفلسطينيين، وجاء خطابه بعد غارات إسرائيلية أودت بحياة 25 فلسطينيا على الأقل في غزة يوم الجمعة.
وعلى إثر ذلك، شنت وزارة الخارجية الإسرائيلية هجوما على تصريحات البابا فرانسيس، بشأن وحشية الحرب في قطاع غزة، ووصفتها في بيانها الذي أصدرته بأنها “منفصلة عن الواقع”، وجاء في بيان خارجية دولة الإبادة الجماعية “هم الذين يختبئون وراء الأطفال، بينما يحاولون قتل أطفال إسرائيليين، العنف هو احتجاز 100 رهينة لمدة 442 يوما.” وتابع البيان المزور للحقائق وتاريخ الإبادة “ولسوء الحظ اختار البابا تجاهل كل هذا، فضلا عن حقيقة أن تصرفات إسرائيل كانت موجهة ضد الذين استخدموا الأطفال كدروع بشرية. تصريحات البابا مخيبة للآمال، لأنها منفصلة عن الواقع والسياق الفعلي لسياسة إسرائيل”
هكذا قلبت الخارجية الإسرائيلية الحقائق، وزورت الواقع المعطى والابادة الجماعية التي أودت بحياة ما يتجاوز الـ45 ألفا من الشهداء وما يفوق الـ 107 آلاف جريح من الأطفال والنساء والشيوخ، وأغمضت العين عن سابق تصميم وإصرار على تاريخ الإبادة والعنصرية والتطهير العرقي واعتقال ما يزيد عن 15 ألفا من الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني عموما بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، ودمرت بشكل شبه كامل الوحدات السكانية، ودمرت أبسط معالم الحياة الإنسانية في مدن وقرى ومخيمات القطاع، وتعمل بشكل منهجي ومخطط في محافظة شمال غزة على إبادة منفلتة لإجبار المواطنين الفلسطينيين على النزوح والتهجير القسري إلى مناطق أخرى داخل القطاع، بعد ان فشل مشروعها في التهجير القسري لخارج محافظات الجنوب، ويتباكى على 100 رهينة، ويتناسى آلاف المعتقلين الفلسطينيين، الذين موست ضدهم ابشع اشكال السادية في باستيلات ومعتقلات إسرائيل الوحشية، والتي تفوقت على أفران المحرقة الفاشية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية، واسقطت الخارجية الإسرائيلية من بيانها، أو بياناتها تاريخ الصراع الطويل الممتد على مساحة 8 عقود طوال.
مؤكد أن دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المحاصرة والمعزولة عالميا، وحتى في الداخل الإسرائيلي لن تنجح في حرف بوصلة الرأي العام العالمي عن الحقيقة، بعدما كشفتها الإبادة الجماعية على حقيقتها كدولة فوق الفاشية، ودولة إبادة جماعية، باتت تهدد السلم والأمن الإقليمي والعالمي، وهجومها على بابا الفاتيكان لن يثنيه ولن يثني غالبية الكنائس المختلفة من قول الحقيقة، ومواصلة دعوتها لوقف الإبادة الجماعية عن الشعب الفلسطيني.
وكل عام وأتباع الديانة المسيحية في العالم بخير بعيد ميلاد رسول السلام والمحبة، الذي آمل أن يكون موعدا للسلام والمحبة ووقف الإبادة على الشعب الفلسطيني وحريته واستقلاله وتقرير مصيره وعودته إلى وطنه الأم فلسطين العربية.
المصدر: الحياة الجديدة