رواية مزرعة الحيوان قصة رمزية خيالية .. تحكي الرواية بأن السيد جونز كان يملك مزرعة ضخمة تضم كافة أنواع الحيوانات التي يمكن استثمارها .. كان جونز بخيلاً جشعاً ، لا يقدم إلا القليل القليل من الطعام للحيوانات ويضربها بقسوة .. وفي يوم نسي أن يقفل باب الحديقة ، خرجت الحيوانات جميعها والتقت ببعضها ، ولكن الخنزير الهرم ( الرائد الكبير ) جمعهم وألقى عليهم خطبة عن أنه حلم بالثورة على البشر ، وحلم باختفاء الإنسان من المزرعة لينتهي الفقر واستغلال الحيوان من الانسان ويسود العدل وتحقق التنمية والنهضة دون تفرقة بين حيوان وٱخر ، ثم أنشد مع الحيوانات بصوت عالي أغنية للثورة ، لكن جونز أفاق على صراخهم وأطلق رصاصة في الهواء جعلت الحيوانات يدب فيها الخوف وتعود لأماكنها .. بعد ثلاثة أيام مات “ميجور” الخنازير الكبير ثم بعد أيام استطاعت الحيوانات أن تهاجم جونز ومساعديه وتطردهم من المزرعة نهائياً ..
كان في قيادة ثورة الحيوانات وفي مقدمتهم الخنازير الذين يعتبرون الأكثر ذكاءً وقدرة على القيادة ، وفي مقدمتهم كان الخنزير سنوبول وهو ذكي وعميق الشخصية وإداري ناجح ، وكان الخنزير نابليون شرس وحقود ولديه القدرة على التأثير في الحيوانات ، بينما كان الخنزير سكويلر يمتلك القدرة على الكلام والخطابة .. بعد ثورة الحيوانات .. عقدوا اجتماعاً أعلنوا فيه ” نظام الحيوانية ” وهو دستور أعلنوا فيه مبادئ الثورة التي حددوها ” بالوصايا السبع ” والصقوها على حائط المزرعة وتنص الوصايا على : كل من يمشي على رجلين عدو وكل من يمشي على أربع أو له جناحين صديق ، لا يجوز ارتداء ملابس الإنسان أو النوم على سريره ، ولا يجوز شرب الكحول ، ولا يجوز أن يقتل الحيوان حيوان ٱخر ، وجميع الحيوانات متساوية .. وأعطوا أسم للمزرعه ” مزرعة الحيوان ” بدلا من مزرعة ” مانور “
حاول جونز مالك المزرعة مراراً استرداد المزرعة ولكن تكاتف الحيوانات أفشلت كل خططه .. وكان الخنازير هم القادة وفي مقدمتهم ” سنوبول ” الذي كان يخطط لنظام مزرعة مثالي ، باشر بالتعليم لجميع الحيوانات رغم وجود بينهم أغبياء ، ثم اقترح إقامة ” طاحونة هوائية ” توفر الإناره للمزرعة ، والري بما يعود على المزرعة بإنتاج وفير .. وبما أن بناء الطاحونة يحتاج لجهود الجميع طلب التصويت على بنائها .. عارض الخنزير نابليون بشدة بناء الطاحونة مما أدى إلى انقسام الحيوانات حول بنائها ، ونتيجة التصويت تقرر بناء الطاحونة ، فأثار غضب وانزعاج كبير وحقد دفين لدى ” نابليون “
كانت إحدى الكلاب بعد الثورة قد ولدت ستة جراء ، ومنذ ولادتهم استولى عليهم ” نابليون وقام بوضعهم في مكان بعيد لا يراهم أحد من الحيوانات وكان يقدم لها الغذاء الوفير ..
الحيوانات كان تعمل بجد وتفاني ، وتأخذ نصيبها الكامل من الطعام .. وبالمقابل كان الخنزير سنوبول قد فرغ تماما من إعداد مخططات الطاحونة .. وحدث نزاع حول مشروع الطاحونة بين الخنزير ” نابليون ” و ” سنوبول ” فما كان من نابليون إلا وأن استدعى الجراء التي اصبحت كلاباً كبيرة وقوية وأمرها بالهجوم على الخنزير سنوبول وملاحقته وإخراجه من المزرعة ..
بعد ذلك اعتبر ” نابليون ” أن سنوبول خائن ومتٱمر على المزرعة وحيواناتها ، وأنه متعاون مع ” جونز ” .. وأن سنوبول سرق فكرة الطاحونة ومخططاتها من نابليون ، وأمر ببناء الطاحونة ( رغم أنه كان معارضاً لبنائها ) .. ومع مرور الوقت زادت سيطرة وتحكم نابليون ، وأصدر الأوامر تلو الأخرى بتقليل الطعام على الحيوانات ، ما عدا الخنازير .. وحتى عندما هبت رياح قوية أدت إلى هدم الطاحونة أعتبر أن هدمها تم بتٱمر الخنزير سنوبول مع الأعداء وأصدر أمراً بالحكم بالإعدام على سنوبول ومنح جائزة أو ميدالية لكل من يلقي القبض عليه ، وأمر بإعادة بناء الطاحونة .. وفي يوم أعلن المتحدث الرسمي باسم ” نابليون ” الخنزير ” سكويلر ” بأن على الدجاح تسليم كل البيض من أجل بيعها ولإجراء مبادلة مع البشر بما تحتاجه المزرعة .. اعترض الحيوانات و قاموا بالتمرد على هذا القرار ، لكن كلاب نابليون كانت لهم بالمرصاد ، وعاقبهم بإقاف جميع حصص العلف للدجاج مما أدى لموت أكثرهم جوعاً .. لكن الحيوانات بدأت تفكر بأن نابليون قد خالف الوصية التي تقول ” لا يجوز قتل حيوان من حيوان ٱخر “, ليأتي دور الخنزير سكويلر الذي دائما كان يبرر كل أفعال وقرارات نابليون بخبث وذكاء ليقول لهم ، نعم لا يجوز قتل حيوان لٱخر دون سبب “
وإضافة ” دون سبب ” شرعنت لنابليون السيطرة الكاملة ، وأن يفعل ما يشاء بالحيوانات ويأتي دور سكويلر في كل مرة لإبتداع الأسباب ونشر الأكاذيب وتلميع الرئيس ” نابليون ” بالقول ( نابليون دائماً على حق ) ، وتلقائياً يردد الحيوانات وراءه ( نابليون دائماً على حق ) ..
لم ييأس جونز ، وبعد أن عمت أرجاء لندن ثورة مزرعة الحيوانات ، وخاصة بعد صفقة الخشب مع ” نابليون ” التي كان مقابلها عملة مزورة ، هاجم جونز مع أصحاب المزارع المجاورة مزرعة الحيوانات ودارت معارك طاحنة أدت إلى هدم الطاحونة أيضاً ، لكن الحيوانات استطاعت صد الهجوم ، وفي هذه المرة كانت خسائرهم كبيرة جداً ، ومات وجرح العديد منهم .. الحيوانات كانت حزينة على فقدان من فقد منهم ، وكانت الخنازير – التي دائماً تقود ولا تشارك المعارك – فرحة بالانتصار ، ليأتي دور الإعلامي الفذ الخنزير سكويلر ليعلن أنه ليس مهما الخسائر وحجمها ، المهم الانتصار ، وأعلن عن الاحتفال بهذا الانتصار ، وسمي هذا اليوم ” بمعركة الطاحونة ” .. وأمر نابليون ببناء أكثر من طاحونة عوضاً عن التي هدمتها الحرب .. مما القى مزيد من الأعباء والتعب على الحيوانات خاصة على الحصان ” بوكسر ” الذي أفنى حياته بالعمل وكان يتحمل العبء الأكبر في جر الحجر لبناء الطاحونة ، وكان في كل مرة يقول لن يوقفني التعب وسأعمل أكثر ..
أصيب الحصان ” بوكسر ” فلم يعد يقوى على الحراك ، أعلن ” سكويلر ” بأن السيد نابليون أمر بنقله إلى مشفى المدينة .. وفي تجمع مهيب حول سيارة النقل المكتوب عليها ” عربة الجزار ” تم بيع الحصان بوكسر للجزار ، ليعلن بعد ذلك عن وفاته في المشفى وعدم القدرة على نقله للمزرعة .. ويأمر نابليون بعمل قبر فوقه إكليل كبير من الزهر ..
بالرغم من أن الذل وقلة الطعام بدأ يزداد في المزرعة ، فإن الحيوانات كانت تعتبر أن وضعها رغم قساوته الشديدة أفضل مما كان في عهد صاحب المزرعة جونز .. ومع مرور الزمن بدأت تتغير الوصايا بأخرى أو يضاف عليها جمل أخرى تفسح المجال لمزيد من السيطرة والتحكم من نابليون وأعوانه الخنازير حتى أن نابليون كان ينام على سرير جونز ، واستبدلت الوصية بأنه يمكن النوم على سرير البشر بدون ملاية ، وإقناعهم من ” سكويلر” بأن لا مخالفة مادام ينام نابليون بدون ملاية .. حتى ٱخر وصية بقيت على الحائط : الحيوانات متساوون أضيفت إليها : ولكن بعض الحيوانات أكثر تساوياً من بعضهم البعض … ثم أزيلت كل الوصايا بوصايا أخرى جديدة
وفي إحدى الليالي سمعت الحيوانات أصواتا عالية من بيت بالقرب من المزرعة ، وعندما نظروا من خلال النوافز ادهشهم المنظر ، كان ستة من الخنازير جالسين على طاولة يقابلهم ستة من البشر ، وفي مقدمة الطاولة نابليون ، وهم في حالة سكر يديرون الأنخاب ، ويتمايلون ويرقصون .. والخنازير كانت تقف على رجليها الخلفيتين مثلها مثل البشر …
١- رواية مزرعة الحيوان رمزية ممتعة جداً ، لا يستطيع المرء التوقف عن متابعة قراءتها ، كاتبها الحقيقي انكليزي و ” تروتكسي ” في الفكر والتوجه ، يدعى ” إريك ٱرثر بلير ” بينما الاسم الذي شاع في رواياته ” جورج أرويل ” ، كتب الرواية بعد الحرب العالمية الثانية ، وهي تجسد في حقيقتها ورمزيتها ” حكم ستالين ” .. فالميجور ( الرائد الكبير ) شخصية مزيج من ماركس ولينين ، بينما سنوبول شخصية ” تروتكسي ” في حين أن ” نابليون الدكتاتور “يمثل شخصية ستالين ” ومن الطبيعي أن يكون ” جونز ” الامبراطور قبل الثورة .
وبالتأكيد هذا التلخيص الشديد لا يغني عن قراءة الرواية في لوحاتها الرمزية الكثيرة والعميقة في مدلولاتها …
٢- الرواية في عمقها وبساطتها تتحدث عن الثورة ، والثورة المضادة ، وكيف أن الثورة تأكل أبنائها ،وتطرد وتلاحق أصحاب الثورة الحقيقيين ، أصحاب المبادئ الذين يعملون من أجلها ومن أجل السير بها لخير الإنسان ورفاهيته . لكن السلطة والقوة لدى بعض من قاموا بالثورة – وهم ليس لهم تجربة فعلية مع السلطة والقوة – تحولهم إلى دكتاتوريين أشد دكتاتورية من العهد السابق .
٣- الثورة العفوية تقود إلى الديكتاتورية .. إذ أن الثورة التي تنطلق بدون تخطيط وعقل منظم يقودها تنتهي إلى الفشل ، وتؤدي إلى تسلط دكتاتور جديد يفرض سلطته ، ويحول البشر إلى مجرد قطيع كما أجبر ” نابليون بالرواية ” بترديد الحيوانات ” نابليون دائماً على حق ” ، وإذا أضاف الدكتاتور بعض ملامح تنمية وتقدم كمنح وعطاءات للبلد ، فإن هذه المنح – كما فعل نابليون في بناء الطاحونة – لن تنعكس على حياة الناس وعيشهم ، فالتقدم بدون إطلاق مبادرة الناس وحرياتهم يبقى تقدم شكلي ومشوه ، ولا يحقق العدل والمساواة .
٤- في المقارنة بين العقل والمبادئ والفكر الإنساني النبيل وبين القوة والمصالح ، فإن القوة غالباً إذا لم نقل دائماً هي المنتصرة .
٥- ذاكرة الشعوب ضعيفة وأحياناً يسهل طمسها ، وكلما كان الفرد والمجتمع متخلفاً ، وتسوده الخرافات والغيبيات والشعوذة والجهل ، وتتحكم به الصراعات ما قبل الوطنية ، ، كلما تسهل على الحاكم قيادته والتحكم في مصائر الناس ، وفي الرواية رمزية سنوبول لتعليم الحيوانات من أجل الارتقاء بها وتجاوز التخلف المستوطن فيها . كما أن بناء الطاحونة كرمز للتنمية والتقدم ..
٦- السياسات الخاطئة والمستدامة المترافقة مع السيطرة والعنف وكبت الرأي الٱخر وملاحقته من السلطة يؤدي بتراكمها إلى انفجار مجتمعي ، أي الثورة ، وهذا ما حصل في الرواية مع ” جونز مالك المزرعة “
٧- الثورات تبدأ بأهداف وغايات نبيلة ولكن نجاحها واستمرارها يحتاج لوعي الشعوب بأهمية التغيير ، وبأهمية وضع نظام يتجاوز الشعارات إلى نظام ديمقراطي يحدد الأدوار والصلاحيات وطريقة عمل المؤسسات بدقة وعلى أسس ديمقراطية ، إذ أن شعار الديمقراطية لوحده لا يكفي لتحول الدولة إلى دولة ديمقراطية ، ولا بد من وعي الشعب بأهمية الديمقراطية وأن تكون جزء من حياتهم التفصيلية ، ” فلا ديمقراطية بدون ديمقراطيين حقيقيين ” وبدون أساليب عمل ديمقراطية فعلية في فكرهم وسلوكهم ، وإلا فإن الديمقراطية تتحول كشعار إلى حكم مجموعة المصالح وأصحاب السيطرة وإلى ثورة ضلت طريقها وإلى نظام قمعي أكثر شمولا .