صدر كتاب الحرب الروسية الأوكرانية والتغطية الإعلامية العربية، وهو رسالة جامعية معتمدة. لكاتبه عبد السلام الشبلي عن دار العربي للنشر والتوزيع. يتناول هذه الحرب من خلال تغطيتها الإعلامية من ثلاث محطات فضائية ناطقة باللغة العربية، وهي محطة العربية السعودية. و محطة BBC الانجليزية و الناطقة بالعربية . ومحطة TRT التركية الناطقة بالعربية . وذلك من خلال متابعة نشرات اخبارية في فترة زمنية تطال الربع الأخير لعام ٢٠٢٢م والربع الأول من عام ٢٠٢٣م. وذلك لتحديد درجة الاهتمام والأولوية. ولأجل ذلك اعتمد الكاتب على منهج وصفي استقرائي . و منهجية تحليل المضمون وكذلك وضع مجموعة تساؤلات وصلت لثلاثين تساؤلات وضعها ليستخلص من خلالها هذه التغطية للحرب الاوكرانية الروسية ومن ثم توصل إلى استنتاجات نتيجة دراسته.
الإطار النظري:
أوكرانيا وروسيا تاريخ مشترك.
سرد الكاتب بشكل مركز تاريخ العلاقة الروسية الأوكرانية.
روسيا وأوكرانيا ومنذ القديم بحكم وقوعهما في جوار بعضهم كانا في تداخل سياسي ومجتمعي لمئات السنين السابقة. لقد كانت جزء من القيصرية الروسية في مرحلة سابقة وفي صراع دائم مع السلطنة العثمانية. وعاشتا في متغيرات متتابعة سواء في علاقتهم مع مذاهب المسيحية الارذكسية التي يتعها الروس وبعض الاوكران أو الكاثوليكية التي البعض الآخر من الأوكرانيين. وكذلك تداخل البينية العائلية في أوكرانيا حيث يعلن البعض انتماؤهم الى روسيا عرقيا رغم كونهم اوكران. وزاد التداخل الى درجة التماهي بين روسيا وأوكرانيا في فترة الاتحاد السوفيتي من عام ١٩٢٢ وحتى ١٩٩١م. حيث كانت أوكرانيا مثل كثير من دول شرق أوروبا تحت حكم الاتحاد السوفييتي. الذي انتهى عمليا في عام ١٩٩١م. وبدأت هذه الدول بالالتحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تباعا…
هناك مشتركات كثيرة بين أوكرانيا وروسيا. لقد اتفق الاوكران مع الروس على أن تتخلا أوكرانيا عن ترسانتها النووية لصالح روسيا بعد زوال الاتحاد السوفييتي. كما أن أوكرانيا هي بوابة روسيا على أوروبا سواء بإمداد الطاقة بترول وغاز وكثير من السلع المتبادلة بين روسيا وأوروبا. لأن روسيا وأوكرانيا أكبر مصدرين للقمح والحبوب لأوروبا. كما أن الكثير من الأوكرانيين يعلنون انتمائهم الإثني لروسيا.
ومما زاد تعقيد العلاقة الروسية الأوكرانية. عودة روسيا لصناعة مجال حيوي سياسي بعد انتهاء مرحلة الرئيس الروسي يلتسين ومجيء بوتين الذي رفض أن تكون روسيا جزء من منظومة تابعة دوليا لقيادة أمريكا. لذلك باشر بخلق اتحاد الدول المستقلة كتكتل موازي للاتحاد الأوروبي. له صفة سياسية وعسكرية يحاول تعويض سقوط الاتحاد السوفييتي.
لم يكن أغلب الأوكرانيين سعيدين بعقود سيطرة الروس عليهم أيام الاتحاد السوفييتي. لذلك كانوا تواقين ليكونوا جزء من الاتحاد الأوروبي وحاولوا من خلال الديمقراطية الوليدة بعد سقوط السوفييت عام ١٩٩١م. أن يخطوا خطوات عملية لأجل ذلك. لكن روسيا كانت حاضرة سواء عبر أنصارها في داخل اوكرانيا او تدخلها المباشر. بحيث نجح رؤساء يريدون الالتحاق بأوروبا بالوصول الى حكم اوكرانيا. كما نجح أحد الرؤساء التابعين لروسيا. وخرج الناس في الثورة البرتقالية عام ٢٠١٤م واستطاعوا إسقاط الرئيس الذي تدعمه روسيا. ولكن روسيا لم تصمت على ذلك فقد بدأت عمليا في سياسة القضم لبعض المناطق الاوكرانية التي تدعي روسيا انها جزء منها ويجب عودتها للسيادة الروسية. حيث سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم الاستراتيجية عام ٢٠١٥م. وهي مهمة لكلا الدولتين. واستمرت روسيا في عمليات التصعيد ضد أوكرانيا. التي استمرت في إجراءاتها للالتحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وبتشجيع من الناتو بقيادة أمريكا ومن الاتحاد الأوروبي الذي التحق به اغلب دول أوروبا الشرقية.
لم تتقبل روسيا بوتين ان يتم وصول حلف الناتو الى جوارها عبر أوكرانيا وبعد فشل محاولات التأثير داخل أوكرانيا. ورغم احتلال و ضم روسيا لجزيرة القرم. منذ عام ٢٠١٤م وما بعدها في عمليات عسكرية وقضم متدرج.
ومع ذلك فقد قرر بوتين إعلان الحرب على أوكرانيا في عام ٢٠٢٢م عبر حرب شاملة المقصود بها السيطرة على العاصمة كييف وتعيين حكومة تابعة لروسيا على نموذج بيلاروسيا وغيرها ممن شكلوا رابطة الدول المستقلة.
لم تتقبل أمريكا وأوروبا وحلف الناتو أن تكون أوكرانيا بإمكانياتها العسكرية المتواضعة قياسا بروسيا، ضحية احتلال روسي ، فقرروا أن يقدموا العون لأوكرانيا عبر الدعم العسكري لمواجهة الهجوم الروسي. هذا مع فشل إمكانية حصول انقلاب داخل أوكرانيا يسقط الحكم المعادي لروسيا وينهي الحرب ويعلن تبعيته لروسيا. وهكذا بدأت الحرب وهي مستمرة الى الآن ونحن على أعتاب الشهر العاشر ٢٠٢٤م.
نظرية الأطر الإعلامية:
بعد أن استهل الكاتب دراسته بالعودة إلى تاريخ العلاقة الروسية الأوكرانية واهم اشكالاتها. عاد الى محور بحثه حول التغطية الإعلامية للحرب بين روسيا وأوكرانيا في قناة العربية السعودية وBBC الانجليزية و TRT التركية وكلهم ناطقين بالعربية. وعاد الى نظرية الإطار الإعلامي التي ظهرت في سبعينات القرن الماضي كمنهجية معينة لمتابعة الحدث الاعلامي وكيفية تناوله وضمن أي سياق وما هي مجموعة ضوابط ذلك. وكل ذلك حسب أولويات الحدث بالنسبة للقناة ذاتها. طبعا مع الإصرار على المصداقية والدقة والموضوعية في تناول الحدث ومتابعته كخبر في محطاتها.
المعالجة الإعلامية لتغطية الحرب الروسية الاوكرانية:
لقد اعتمد الباحث في تحليله للنشرات الإخبارية التي اعتمدها كمرجع في الفترة الزمنية التي اختارها في الفضائيات الثلاثة التي تابعها على مجموعة تساؤلات وصلت الى ثلاثين سؤالا تابعت كيفية طرح الخبر واولويته وتكرار طرحه والزمن المعطى له. وحتى طريقة طرحه بحيث يظهر اقرب لهذا الطرف أو ذاك من الطرفين المتحاربين.
استنتج الباحث أن الاهتمام بالحدث كان متقاربا في المحطات الثلاث بشكل نسبي. واما من حيث المضمون فقد ظهر أن محطة BBC البريطانية الناطقة بالعربية كانت تظهر انحيازها بشكل أو آخر لصالح أوكرانيا في تغطية الأحداث لأن انكلترا جزء من المعسكر الغربي وحلف الناتو المنخرطين مباشرة بالحرب عبر دعم أوكرانيا.
أما محطة TRT التركية الناطقة بالعربية فقد كانت أقرب للحياد لكون تركيا رغم صداقتها مع روسيا بوتين. بقيت تمد جسور التعاون والتوافق مع أوروبا والغرب عموما. لذلك كانت اقرب لمواقف الاعتدال وطالبت بإيقاف الحرب واعادة كل الاجزاء المحتلة من أوكرانيا إليها.
اما قناة العربية السعودية فقد كانت أقرب للحياد في نقلها لأخبار الحرب ودرجة تغطيتها لها أقل قياسا الى المحطتين الاخريين.
كما ذكر الباحث عدد من الدراسات السابقة التي طالت موضوعات اخرى في نفس طريقته المعتمدة بمتابعة وسائل الاعلام.
ينهي الباحث رسالته باستنتاجات تؤكد الفحوى الذي ذكرناه قبل قليل.
وفي التعقيب على رسالة الباحث اود ان اؤكد على اهمية هكذا ابحاث من حيث رصدها ونتائجها لأنها دراسات علمية خالية من التحيز وتنير واقع الحال على حقيقته في أي موضوع يحدث في العالم ويكون له نتائجه المصيرية على الدول صاحبة الحدث ومحيطها وقد تؤثر على العالم كله كما هو الحال في الحرب الاوكرانية الروسية.
نعم نحاول متابعة الحرب الاوكرانية الروسية الممتدة الى الان في الشهر العاشر لعام ٢٠٢٤م. وتطوراتها وانعكاساتها على الدولتين وعلى العالم ذاته.
فقد قررت روسيا بوتين ان تستمر بهذه الحرب حتى إسقاط الحكومة الاوكرانية وتحقيق مطالبها بحياد أوكرانيا وتبعيتها ضمنا لروسيا. مع قبول أوكرانيا بتبعية القرم وغيرها من أقاليم احتلتها روسيا في الحرب تبعيتها لروسيا. مع قبول أن تصبح بعض الأجزاء الأوكرانية دولا مستقلة وبعضها بحكم ذاتي وهذا يعني ضمنا تلاشي أوكرانيا كدولة. وقد هدد بوتين بتصعيد الحرب مع أوكرانيا الى درجة استعداده لاستخدام السلاح النووي التكتيكي.
أما أوكرانيا التي تدعمها أمريكا وأوروبا بالسلاح والعتاد لتصمد وتحارب روسيا. فقد وجدت نفسها تحارب روسيا نيابة عن أمريكا وأوروبا من خلال دفاعها عن نفسها. فقد قررت امريكا والغرب معها ان لا يسمحوا لروسيا بأن تنتصر في هذه المعركة لانها أن انتصرت ستعيد صياغة العلاقة مع أوروبا مجددا وفق مصلحتها. وقد تتهور وتحارب دولا اخرى جوارها ممن اصبحوا جزء من الناتو والاتحاد الأوروبي. لكل ذلك قررت امريكا والغرب ان تدعم الاوكرانيين الذين توحدوا جيشا وشعبا ومقاومة ضد الروس بحيث لم يتوقف الإمداد العسكري عن التدفق إلى أوكرانيا مع تطور نوعي في نوع الأسلحة وقدرتها في صد الجيش الروسي.
لقد صمدت أوكرانيا بداية وانتقلت بعد سنتين تقريبا الى الهجوم في مواجهة روسيا. فها هي تدخل العمق الروسي وتحتل مقاطعات مقابل احتلال روسيا لمقاطعات أوكرانية. وهناك قصف متبادل ورغم وضع روسيا خطوط حمر حول ضرب عمقها وتهددها بالنووي. لكن الاوكران مستمرون بتوجيه ضرباتهم وايلام الروس…
ان المعادلة على الأرض الآن هي أن روسيا لن تنتصر وأوكرانيا لن تنهزم. وهذا سيدفع الطرفين للتفكير بالتفاوض للخروج من مأزق حرب لا منتصر فيها ومكلفة للطرفين…
سيلجأ الطرفان للحل التفاوضي باقرب وقت…
ونحن هنا كسوريين لا بد ان نعلن دعمنا لحق الأوكرانيين في مواجهة احتلال روسيا وعدوانها وجبروتها. لأننا نحن السوريين ومنذ عام ٢٠١٥م اصبحنا مثل أوكرانيا ضحايا عنف ووحشية روسيا وطيرانها ومرتزقتها هي والايرانيين وحزب الله . ونحن مثل الأوكرانيين تواقين لاسقاط الاستبداد في بلادنا وإخراج المحتل الروسي والإيراني واذنابهم من سورية بلادنا وبناء دولة ديمقراطية تحقق الحرية والعدالة والكرامة والحياة الأفضل لكل السوريين…
كل آت قريب.
كتاب “الحرب الروسية الأوكرانية والتغطية الإعلامية العربية” وهي رسالة جامعية معتمدة لكاتبها السوري “عبد السلام الشبلي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” يتناول الكتاب هذه الحرب من خلال تغطيتها الإعلامية من ثلاث محطات فضائية ناطقة باللغة العربية، محطة العربية و محطة BBC الانجليزية و بالعربية ومحطة TRT التركية الناطقة بالعربية .