قراءة في رواية: الاوسلاندر تشريع الغربة اختبار الفقد

أحمد العربي

صدرت رواية الاوسلاندر – تشريع الغربة اختبار الفقد. للكاتب السوري الكردي خالد إبراهيم. وهي أول عمل أدبي له اقرأه له.

الاوسلاندر كلمة ألمانية معناها اللاجئ أو المشرد…

تعتمد رواية الاوسلاندر لغة المتكلم في سردها على لسان شفان الشخصية المركزية فيها.

يبدأ شفان حديثه عن نفسه وأنه من إحدى القرى الكردية قريبا من مدينة عامودا في الشمال السوري. حيث يعود إلى الثمانينات من القرن الماضي مذكرا بأحداثها وبعنف النظام بحق الشعب السوري وسقوط عشرات الالاف الضحايا نتيجة لعنفه ذلك الوقت. وان ذلك انعكس على عائلة شفان حيث اعتقل أخاه الأكبر منه الذي كان يدرس في الجامعة، واستمر اعتقاله لفترة من الزمن. خرج اخاه من المعتقل وقد فقد عقله. ولم يعد لتوازنه ابدا، رغم مرور السنين. وإن هذا الأخ عندما علم بحراك الشعب السوري وثورته. في ربيع ٢٠١١م. أصابته حالة نفسية أدى لاضطراب جسده وسقط ميتا…

شفان يبدأ مباشرة بعد ذلك بالحديث عن نفسه ومن حوله لاجئا “اوسلاندر” في احدى المدن الالمانية. يتحدث عن واقعه وما يعايشه هناك بعد مضي سنوات…

لا تسير الرواية بشكل خطي عبر الزمن في سرد شفان لتواجده في ألمانيا ولا تكتمل صورة ما عاشه الا باكتمال الرواية. حيث نستغرق مع شفان في معاناته النفسية وسرده الغاضب والمتألم والناقد والمتهكم والممتلئ بلغة جنسية تعبر عن القهر والرفض وعدم القبول بواقع حياته وما يعيش…

نحن هنا سنعيد سرد حكاية شفان بعدما التقطنا تفاصيلها من ثنايا المعاناة والبوح والسرد الفائض لشفان وأصدقائه المحيطين به في مراحل رحلة اللجوء التي عاشها…

حصلت الثورة السورية ومثل كثير من السوريين الموزعين في كل جغرافيا سورية والذين وجدوا أنفسهم ضحايا عنف النظام واجرامه. براميله المتفجرة وقذائفه وصواريخه ومعتقلاته وسجونه. وبعد سقوط الكثير من الضحايا والمصابين، فما كان من شفان  إلا أن قرر اللجوء إلى ألمانيا. مثل الذين لجأوا إلى الدول الأوروبية عموما. بعضهم بالبحر منهم من وصل ومنهم من غرق والبعض بريا عبروا الغابات. آلاف الحكايات والمصائر المتنوعة عاشها السوريين.

 المهم بدأت رحلة لجوء شفان بذهابه الى مصر وهناك سرقت أوراقه الثبوتية وكل ما معه من مال قد أحضره معه من اجل رحلة اللجوء. وعاش هناك حياة المشردين إلى أن وجده رجل مصري تبناه وساعده بالحصول على استخراج أوراق ثبوتية بديلة وأعطاه المال وساعده بالانتقال في بلاد المغرب العربي ومنها عبر إلى أوروبا واستقر في إحدى المدن في ألمانيا وحصل على اقامة وعاش حياة مقبولة بالمعنى المادي فلم يكن ضحية لقمة عيش وفاقة أو فقر. لكن معاناة شفان كانت من نوع مختلف. فها هو يلتقي بالكامب حيث يجمع اللاجئين والمشردين بكثيرين من اللاجئين من سورية  وغيرها. لقد تعايش مع مجموعة من اللاجئين وعلم حكاياتهم التي كانت مؤلمة لهم وله…

كان أغلب من التقى بهم قد عانوا من فشلهم على مستوى العائلي. فهذا قد احضر زوجته وأولاده. واكتشف بعد وقت انها تخونه مع آخر. وانها حصلت على الطلاق منه وحصلت على الأولاد بقوة القانون الالماني ايضا. وذاك الذي عاش تجربة حب وعلاقة عميقة مع إحداهن في بلد عربي آخر وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وغيره وكان يعمل ويرسل لها المال لتحضر اليه. لكنها تتخلى عنه بعد استنزافه. وتلك التي تخون زوجها مع صديقه لسنوات. الخ.. هذا غير شفان نفسه الذي احب احداهن واحبته وانجب منها طفلة. لكن العلاقة انتهت بالانفصال وعاشت البنت عند امها بقوة القانون. وكان هذا اكبر ألم وتوتر ومعاناة في حياة شفان…

كل الذين يحيطون بشفان لديهم حكايا مماثلة وأظهرت أن لجوئهم لالمانيا قد أورثهم المعاناة والالم ولم يخرجهم من دوامة حياتهم السيئة. رغم بعدهم عن بلادهم والعنف والحرب وظلم النظام فيها…

في المانيا الحياة مضبوطة كالساعة بالقانون. فهناك اللاجئين مثل شفان ومن حوله. وهؤلاء تعطيهم الدولة المعونات ليؤمنوا حياة بحدّها الأدنى. وهناك مشردي الشوارع واغلبهم مدمني مخدرات وحشيش وكحول ومع ذلك فهناك الكامبات التي تجمع الدولة فيها هؤلاء وتؤمن لهم أسباب العيش. في الكامب عاش شفان واصدقاؤه لفترة من الزمن. كما تساعد الدولة من يود أن يتعلم اللغة حيث تؤمن لهم الدروس وتعطيهم الشهادات بذلك. وتؤمن لهم تعلم المهن والعمل بها ايضا. وهكذا يستطيع اللاجئ أن ينتقل من كونه لاجئ الى مقيم لفترة من الزمن ثم يحصل على الجنسية ويصبح مواطنا. وهكذا يتطور حسب جهده وتراكم إنجازه.

لم يكن شفان ومن حوله قد تحرروا تماما من معاناتهم مما عاشوه في ماضيهم في بلادهم. والاهم لم يستطيعوا أن يستوعبوا التغيرات التي عاشوها في ألمانيا وانعكاسها على حياتهم الشخصية كل على حدة والتي أدت إلى تدمير الكثير من الأسر وضياعها.

نعم لقد أعاد شفان انهيار الأسر وضياعها الى سبب الشح المالي فإن الزوجة تأخذ معونتها المالية وكذلك معونة اطفالها اذا انفصلت عن زوجها. يعني طمعا بالمال. وقال ان هناك بعض النساء وجدن الجنس المباح والمغطى بالقانون فظهر ان هناك فجع جنسي عن الكثيرات. إن هذا التحليل قد يصدق على بعض الرجال والنساء ممن لجؤوا إلى ألمانيا لكن المشكلة  أعمق برأيي.

نعم إن الكثير من الأسر الذين لجؤوا الى المانيا واوربا. كانت محملة بقيم وعادات وتقاليد سورية . وكانت اغلب الاسر تحافظ على استمرار العيش المشترك لأنها محكومة بالواقع العائلي والسمعة والخوف من عنف الزوج او الاهل او وصمة العار الملحقة بالمطلقة او فقدان الأولاد في حال الطلاق. كل ذلك كان حاصلا في أسر لم تكن أصلا في حالة توافق وانسجام في سورية. هذا غير حقيقة وجود بعض الخطأ الجنسي ولكن بالسر في بلادنا. اما في المانيا الوضع مختلف كما ذكرنا. لذلك كل اسرة كانت قائمة على اسس غير سويّة وجدت فرصتها لان تنفصل ويحصل الطلاق بكل تبعاته. كما أن غياب البعد القيمي المرتبط صميميا بالبعد الديني كوازع وضابط سلوكي ومانع من الخطيئة عند الاغلب. حيث كان الضابط في بلادنا هو المجتمع وعاداته وتقاليده وعقوبته المادية والمعنوية على أفراده الخارجين عن المألوف والمتوافق عليه في قضية العلاقة بين المرأة والرجل والجنس وصيانة مؤسسة الأسرة.

 نحن هنا لا نلغي الطمع وحب الاستقلال واحساس الحرية. لكن كل ذلك سيظهر أنه سيكون مؤقت وعابر وسيعود كل رجل وكل امرأة الى الحسرة على الأسرة والحميمية التي افتقدوها. والأولاد الذين ضاعوا بين ذويهم المتباعدين. وان الانسان اخيرا ليس اداة تفريغ جنسي فقط بل هو بالاصل التعايش الإنساني والمودة والرحمة والتعايش والحب والاستمرار عبر الولاد وبالدور الانساني الذي نعيشه كبشر في رحلة العمر القصيرة…

لذلك تابعنا في الرواية معاناة شفان واصدقائه في الكامب فقدانهم عائلاتهم وأولادهم حنينهم لحب مفتقد. لم يكن يعيد توازن شفان الى نفسه الا تذكر ابنته التي استمر يخاطبها داخل وجدانه وكيف افتقدها عندنا انفصل عن زوجته بعد عقد من السنين في زواج انتهى، وكانت ابنته التي يبكي عندما يتذكرها وأنها أمله الوحيد بالحياة…

لم تنتهي الحياة عند هؤلاء اللاجئين بعد استقرارهم. ورغم مأساتهم بعائلاتهم. هاهم يعيدون بناء حياتهم من جديد عمل وعلم والبعض أسس أسر جديدة. والحياة تستمر…

أما شفان فقد عاد ليعمل في مهنته القاسية جسديا. وحصل له وجع في ظهره حيث نعلم كيف تعامل معه الطبيب الألماني بعنصرية وأخرجه من المشفى ليعود لبيته وهو بحاجة لعملية. وكيف عالجه طبيب آخر من أصول عربية اول مرة وثانية بعد سنوات.

لم يتوسع شفان ولا الرواية بالحديث عن العنصرية في ألمانيا وأوروبا عموما. نعم لقد توسع في شرح مآل اللاجئين وخراب حياتهم في أول وصولهم إلى بلاد اللجوء. وكانت مأساتهم الأخرى العنصرية. صحيح انهم محميين بالقانون كدولة لكنهم غير محميين من عنصرية الكثيرين من أبناء الدول الأوروبية وحتى ممن ينفذون القانون وهم عنصريين ضمنا…

مأساة يعيشها السوريين حيث ينتقلون في أي بلد يصلونها..

لا كرامة لأي إنسان في أي بلد في الدنيا كان فقد كرامته في بلده…

تتابع الرواية سردها في النهاية على لسان ابنة شفان التي ولدت في بداية العشرية الثانية من هذا القرن وبعد ان اصبحت صبية وها هي تكمل حكاية والدها وأنها تتواجد على قبره وتفتح كمبيوتره وتكمل سرد ما عاشه ايامه الاخيرة مرضه وعجزه وفقدان الاصدقاء والاخرين وإحساسه بالوحدة المقيتة. وتضع له وردة حمراء على قبره كما كان يتمنى…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

لقد ذكرت بعض النقاط التي وجدت ضرورة ذكرها في سرد القراءة . وأضيف:

أن الرواية مليئة بالغضب والالم والمرارة والسخرية والمعاناة. كما اني اعتبرها رواية مشاعر متدفقة كل الوقت. أكثر من كونها رواية حدث متراكم في السياق العام لاحداثها…

هي حوارات نفسية انسان ملتاع مما عاش ومما يعيش. واغلب من حوله يماثلونه بالمعاناة والألم. هم مجتمع اللاجئين المتعايشين مع المشردين في بلاد الغربة المرّة ألمانيا ومثيلاتها…

ليست بلاد العسل وتحقيق الاماني. لقد فجرت هذه البلاد كل المخبوء والمقموع والممنوع والعار المعاش سرا وحولته إلى العلن. بحيث كان اللجوء وما بعده كارثة انعكست على البعض تماما مثل كارثة خسارة البلاد التي كانت ضحية نظام مجرم قتل الشعب وهجّره ودمر البلاد وحولها إلى خراب…

اختم بالقول لقد استطاعت الرواية أن تأخذنا الى واقع معاش للكثيرين من اللاجئين في المانيا ومثيلاتها. وأن نعيش في صميم معاناتهم وما انعكس على حياتهم في عيشهم هناك.

اعترف شخصيا انني اطلعت على واقع كان ضبابيا بالنسبة لي وكنت أميل الى اعتبار اللجوء الى دول أوروبا هو منقذ لنا نحن السوريين بشكل من الأشكال. لكن اكتشفت ان الحياة مجاهدة وان العيوب لا يمكن اخفاءها وان ما تزرعه تحصده. وان علينا ان نعيد بناء الإنسان فينا وباولادنا وبمن حولنا. منتصرين للكرامة الإنسانية والقيم الخيّرة والأسرة والحق والحلال والحرام وعمق المعتقد الديني كحامي وضامن نفسي في مجتمع يحلل كل شيء وأننا حيث نكون مطلوب أن ننتصر لانسانيتنا وان نكون النموذج الذي نعتز به ونواجه به ربنا يوم الدين وهو راض عنّا .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لعلني أقرب لإحساس الكاتب ومأساته لأنني أعيش في ألمانيا… وأؤكد على كثير مما رواه… لكن برأيي أن الأسر الواعية والتي تلقت تربية صحيحة- على قلتها- استطاعت أن تتخطى معظم العقبات وتتأقلم وتتعلم وتعمل… ويبقى الهم في البعد عن الوطن والأهل والأصدقاء ووووو.
    أبدعت في الإيصال والنقد..
    عافاك الله ووفقك صديقي الجميل

  2. رواية “الاوسلاندر تشريع الغربة اختبار الفقد” للكاتب الروائي السوري الكردي “خالد ابراهيم” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” تعتمد الروايةعلى السيرة الذاتية للاجئ السوري “شفان” الشخصية المركزية فيها أثناء لجوءه الى المانيا من ثمانينيات القران الماضي، متحدثا عن مشاكل ومعاناة اللاجئين الإجتماعية والإقتصادية بألمانيا.

زر الذهاب إلى الأعلى