قراءة في السيرة الذاتية: العنصري في غربته

أحمد العربي

هيثم حسين روائي كردي سوري متميز، له العديد من الكتابات الروائية والادبية.

العنصري في غربته هي السيرة الذاتية ل هيثم حسين التي كتبها بعد غربة زادت عن العقد من الزمان. وهي اقرب لمحطات يتحدث بها متناولا موضوعات مختلفة تتعلق بحياته. و بمضمون عنوان سيرته “العنصري في غربته” بحيث يتناول العنصرية بظهورها المختلف. مرتبطة مع حياته قبل الغربة في سورية وبعد الغربة في انكلترا…

هيثم حسين ابن سوريا الكردي من مدينة عامودا. المنتمي بعمق إلى كرديته وعيشه في اسرة ذاق معناة اليتم مبكرا. كبر على إحساسه بالتمييز العنصري تجاهه وأمثاله الأكراد السوريين من قبل النظام السوري المستبد. حيث منع تداول اللغة الكردية. وعدم تعلمها وتعليمها. وإلزام الكرد بالتكلم والتعلم باللغة العربية في الحياة وفي العلاقة مع الدولة وفي المراكز الحكومية والمدارس.

يؤكد هيثم حسين على التعايش المجتمعي بين العرب والكرد والمسيحيين السريان في القامشلي…

عندما تعلم هيثم اللغة العربية عشقها. وأصبحت نافذة للاطلاع على العالم. معرفة وإدراكا و تذوقا. لذلك اختار أن يدرس اختصاص اللغة العربية في الجامعة. وان يصبح مدرسا للّغة العربية. ويمارس التدريس في كل سنوات حياته في سورية قبل مغادرتها في عام ٢٠١٢م. بعد حصول الثورة السورية حيث كان يعيش في ريف دمشق. غادر الى انكلترا ثم تم قصف بيته وتدميره ؟!!….

حصل في حياة هيثم حسين حادث غير مجرى حياته حيث تم إصابته بحروق شديدة أثناء خدمته العسكرية. جعلته يتعالج منها لمدة سنتين. تابع علاجه في انكلترا بعد هجرته إليها…

لا يتحدث هيثم حسين عن الثورة السورية كثيرا. لكن يظهر موقفه ضمنا من تنديده بمظلومية الشعب السوري عموما من النظام في كل المجالات. و مظلومية الأكراد السوريين زيادة على ذلك في الحرمان الثقافي ومنع تعلم اللغة الكردية وتداولها هذا غير منع جميع النشاطات المجتمعية والثقافية الكردية في ظل النظام المستبد السوري، كما لا يخفي موقفه النقدي من حزب العمال الكردستاني  الـ ب ك ك. وامتداده السوري ال ب ي د، وقسد ومسد تحت تسمية روجآفا …

يبدأ هيثم حسين سيرته العنصري في غربته. بالحديث عن العنصرية اشكالها ونماذجها وتعبيراتها المجتمعية سواء في سورية حيث عاش أغلب حياته. وفي غربته حيث استقراره في انكلترا…

لا يغيب عنا كقراء التهكم والسخرية عندما يصف نفسه بدء من عنوان سيرته “العنصري” في غربته. نعم يتحدث عن العنصرية بصفتها نزعة لشيطنة الآخر وجعله في موقع “الدون” الأدنى، لاسباب غير صحيحة وغير انسانية ايضا…

عنصرية الرجل تجاه المرأة وهي من أقدم واسوأ العنصريات وهي قديمة منذ مئات السنين. ومستمرة إلى ما لا نعلم. وهي تأخذ تمظهرات مختلفة مع تغيرات المجتمعات والقيم والأعراف. وحتى في المجتمعات الغربية التي ترى أنها تناصر المرأة لكنها تمارس عنصرية مبطنة عليها بشكل ما. مع الاعتراف ان واقع العنصرية تجاه المرأة في الغرب أقل وطأة من نظيرها في بلادنا العربية والإسلامية عموما…

هناك العنصرية القومية. انا كردي وانت عربي.. الخ. وخلق المناخ العدائي بالانتصار للجماعة الذاتية ضد الآخر.

كذلك العنصرية من الغربي تجاه العرب والأفارقة. وخلق مسافة من عدم القبول المتبادل بين الغرب والشرق. وفي داخل الشرق بين الكردي والافريقي والمسلم بتنوعه والمسيحي.. الخ. نموذجها بالتزاوج خاصة في أوروبا حيث يلتقي اللاجئين والهاربين من جحيم بلادهم ويعيشون حبا انسانيا ينتهي بزواج يقع ضحية حراب العنصريين.

تتمظهر العنصرية في محاولة خلق تميز في الغرب لذلك المسيحي الشرقي الذي يغالي في اظهار مسيحيته لينفصل عن الشرقيين امثاله. حتى يكون مقبولا في الغرب الحاضن. لكنه يخسر انتماؤه الى جماعته الوطنية ويبقى بملامحه مصنفا انه شرقي ويلقى المعاملة العنصرية من قبل الغرب رغم كبر الصليب الذي يحمله على صدره.

العنصرية في الغرب تظهر أيضا في معاملة الشرطة للاجئين : الشرطي من أصول شرقية او افريقية. يكون أكثر عنصرية بحق من مثله بأصولهم ، كنوع من التبرؤ والتنصل منهم. وينطبق هذا حتى على المسؤولين بما فيهم رئيس وزراء انجلترا السابق واغلب فريقه ذوي الأصول الغير أوروبية…

محنة العنصرية أيضا تظهر بحق اللاجئين الذين أجبرتهم الحروب والاحتلالات والمظالم والاستبداد في بلدانهم الى الهروب الى اوروبا. نماذجها الكثيرة تبدأ من فلسطين وشعبها الهارب من الموت بسلاح وعنف الصهاينة. من عقود للآن. كذلك العراق تحت الاستبداد والمحتل من أمريكا بعد ذلك ، كذلك الافارقة عرب وغير عرب الهاربين من جحيم وظلم واستبداد انظمة بلدانهم، و السوريين منذ أكثر عقود وبعد الثورة السورية، الهاربين من عنف وبطش ووحشية النظام السوري. وكذلك الأفغان على فترات سابقة والاوكرانيين حديثا. كلهم عدا الأوكرانيين يقعون ضحية العنصرية. انا الأوكرانيين فهم من العرق الأوربي الممتاز؟!.

لذلك عمم هيثم عثمان قول “اللاجئون هم الجحيم” هذا هو حال الأوروبيين والغرب تجاه اللاجئين القادمين إليهم.

العنصرية في أوروبا لها مظاهر مختلفة تصل الى العنصرية بحق اللاعبين السود من اصول افريقية في فرقهم الرياضية.

مع ذلك لا يصمت الأوروبيين عن واقع العنصرية حيث هناك انقسام مجتمعي حول ذلك ، فقد صاحب الموقف من قتل الشرطة الأمريكية الزنجي الأسود جورج فلويد وظهرت مقولة “حياة السود مهمة” وظهرت حملة عالمية تطال رموز الاستعمار السابق من تماثيل ومجسمات. طالت حتى رئيس وزراء انجلترا ونستون تشرشل أهم شخصية إنجليزية…

يتوسع هيثم حسين في نقد التعبيرات العنصرية. حيث يتحدث عن الجدران العازلة التي بناها الصهاينة في فلسطين للفصل بين مناطق سيطرتهم ومناطق تواجد الفلسطينيين اصحاب الارض. “جدار فصل عنصري” . ويعرج ليؤكد أن داخل نفوس الكثير من البشر هذا الجدار من العنصرية. لاعتبارات اجتماعية وعائلية وقومية وفكرية وسياسية و.. الخ. حيث تتحول هذه العنصرية الى انكفاء على ذات الفرد أو الجماعة. مع علاقة عدائية ضمنا في النفس والسلوك الاجتماعي أو السياسي. مما يجعل حياة الجميع سيئة، سواء العنصري ومن يقع ضحيته في كل الأحوال.

ينتقل هيثم حسين في سيرته بعد ذلك ليتحدث عن نفسه ونشأته وظروف حياته. والتحاقه بالجيش تعرضه للحرق ومعالجته المديدة.

 وكيف اختار دراسة اللغة العربية في الجامعة. التي عشقها واصبح مدرسا لها. لم يكن لدى هيثم حسين أي تناقض بين كرديته التي يحبها ويعتبرها هويته. ولا كونه من سوريا التي يعتبرها هويته أيضا. ولا حبه للغة العربية باعتبارها أيضا هويته التي منها نهل ومازال وعبرها كتب وعبر واعلن انتماؤه للعالم الذي نعيش به ، عبر عطائه المستمر بالكتابة الروائية والادبية…

هيثم حسين الكردي ابن سوريا الذي عانى ككل السوريين من النظام تبعات أفعاله على الشعب السوري بكل فئاته عربا وكردا وسريان.. الخ. وأن الثورة السورية التي حصلت في ربيع عام ٢٠١١م كانت ضرورية ومشروعة.

يتابع هيثم حسين سرد واقع الغربة وانعكاسها عليه وعلى امثاله. فهو مازال في ذاكرته يعيش في مرابع طفولته وشبابه في عامودا وسورية عموما. وهو الان في غربته الانجليزية يحاول أن يزرع نفسه مجددا هناك مع طفلتيه اللتين لا تدريان عن وطنهما الاول سوريا شيئا.

يحارب الوقت بالقراءة والاطلاع ومزيد من القراءة والإنجاز عبر الكتابة، وخلق شبكات من التفاعل مع المغتربين مثله ممن طردتهم بلدانهم وآثروا الهروب لينقذوا أرواحهم ويعطوا لحياتهم فرصة لصناعة حياة جديدة لها معنى وحضور وإنتاج معرفي وحياتي…

لذلك كان لا بد أن يتعلم هيثم حسين الانجليزية وعلى كبر لكي ينغرس في “وطنه” الجديد انجلترا التي حصل على جنسيتها.

ومع زيادة البعد بين بلاد الغربة حيث هيثم في انجلترا والاهل والاصدقاء الموزعين في كل أصقاع العالم، كان التواصل عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي “اونلاين” هو الحل الإجباري لمواجهة غربة قاتلة.

ومما زاد الانعزال والتقوقع مجيء فيروس كورونا ١٩ الذي أجبر الناس في العالم كله على التقوقع وعدم التواصل المباشر حتى تم إيجاد علاج له والقضاء عليه. الذي امتد لسنوات…

في كل ذلك كان هيثم حسين يستعيد ذاته ويفكر ان يكتب عن ذاته رواية تتحدث عن العنصرية. وها هو الكتاب – السيرة بين يدينا.

كتاب يعلن تبرأه من العنصرية وإدانته لها وفضحها وانتصار لإنسانية الإنسان بصفته إنسان أولا وآخرا…

بعد نهاية الكتاب – السيرة لصديقي هيثم حسين. لا بد من التأكيد على توافقي مع أطروحته والتشديد على ضرورة خلق هذا التيار العابر للقوميات ولكل الانتماءات بكل تنوعاتها والانتصار لانسانية الانسان في كل مكان وزمان. وحقه بالحرية وحياة عادلة وأن تصان كرامته الانسانية وان يعترف بحقوقه السياسية والاجتماعية كاملة وان يكون مواطنا فاعلا متساويا مع كل المواطنين في دولة ديمقراطية تؤمن له ولكل الناس حياة أفضل…هذه المهمة التي نعمل كلنا لتحقيقها…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السيرة الذاتية “العنصري في غربته” للكاتب السوري الكردي “هيثم حسين” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” سيرة ذاتية للكاتب كتبها بعد غربة زادت عن العقد من الزمان. متناولا موضوعات مختلفة تتعلق بحياته. و بمضمون عنوان سيرته “العنصري في غربته” متناولاً العنصرية بظهورها المختلف. مرتبطة مع حياته قبل الغربة في سورية وبعد الغربة في انكلترا.

زر الذهاب إلى الأعلى