الكاتب عبد الكريم جويطي مغربي.. والرواية كتيبة الخراب تتحدث عن المغرب المعاصر من خلال سرد يقوم به بطل الرواية. يتحرك في فضاءات المكان. مدينة (بني ملال) . وناسها وعمقها التاريخي وامتدادها المجتمعي مع بقية المغرب .والمخزن (الحكومة.السلطة). وما قبله الاحتلال الفرنسي.. الناس مع بعضهم وفي المكان وعيشهم ومعاناتهم..احباطاتهم ومآزقهم الذاتية والمجتمعية..
.تبدأ الرواية من سرد بطلها (الغير محدد الاسم). ويترك هكذا نكرة كأول مؤشر في الرواية لمأزق الناس كلهم في مجتمع لا يقدم لهم الشرط الإنساني لحياتهم السوية.. لنسمه البطل.. هو شاب يعمل في مؤسسة حكوميه .صنعت خصيصا لاستيعاب العاطلين عن العمل.. كرشوة من السلطه للشباب ليأخذوا من الدولة ما تجعلهم قادرون على العيش من دون انتاجيه. لتخفيف الضغط الاجتماعي.. يستدعى على عجل ليقف امام رئيس المؤسسه.. ينتظر الاوامر ..ان في الخارج امرأة تلح بالطلب وتتقن الانكليزيه .وليس غيره قادر على مقابلتها.. يسوى شعره الاشعث بمشط عند الرئيس .ويعطى جاكته افضل مما يرتدي ويقابل المرأة الاوروبيه.. التي تحدثه عن رحلة سياحية لها قبل عشرات السنين. وانها التقت بمن سيكون زوجها في الرحلة هنا .وانه بعد عيش رغيد واولاد.. يمرض ويموت. واخلاصا لمكان اللقاء فقد احضرت شجرة من نوع متميز ولها سجل عائلي ومتابعة ممن باعها كفالة لزمن طويل.. قدمتها المؤسسة التي تعاملت مع الموضوع بسخرية.. وعن مصير الشجرة الصغيرة.. قيل له ارمها. ولانه تذكر ما هو مصير أشجار بلاده بالقطع والتصحر واستحواذ السلطة وممثليها على الماء.. جعله يقرر مغامرا ان يأخذها تأنيب ضمير… بطلنا ابن المدينه (بني ملال)..مشبع بتاريخها..كان منتظر منها قبل عقود ان تكون جنة .لكنها الآن قفراء قاحلة ومهملة والناس فيها مأزومين جميعا.. صديقه ميمون الشاب الحلاق.. الذي أحب بصمت صبية على طريق ذهابها وعودتها للمدرسة.. وكان يتابعها احيانا.. ومعاقبته بالبطش من قبل اهلها . دفن حبه في نفسه. ثم بحثه عن المستقبل الزاهر ككل شباب المدينة عبر السحب الاسبوعي على الارقام في دواليب الحظ.. يقتل الامل المتجدد ويستنزف الوفر ولا نجاح.. ثم قراره بالمغادرة الى اوربا ام الاحلام.. عبر سفن الموت.. وفشله بذلك.. ثم وقوعه ومعه مئات من الشباب ضحية نصب لرجل مدعي الصلاح جاء من أوربا محمل بالوعود وعقود العمل.. وليهرب باموال الشباب التي حصلوها من الاستدانة او بيع ما تبقى لهم من متاع الدنيا.. يهرب تاركهم إلى خيباتهم.. ويعود اخيرا بادئا من الصفر يعمل حلاقا ليجمع ما يستطيع أن يبحر من خلاله للعالم الآخر.. دون يأس أبدا.. بطلنا رجل وصل من العمر ما يستحق معه أن يعيش حياة الإنسان المكتمل عمل وعائلة وامل بمستقبل.. عنده عمل بطالة مقنعة.. لا حب.. يرتاد احيانا بيوت الدعارة. له زيارات دؤوبة على خمارات البلد.. ليتذكر ولينسى ويواسي نفسه.. لا حل في الأفق.. في البلد كل الناس مسكونين بهاجس الرحيل والإحساس انهم مجرد حشرات تدب على الأرض .صديقه الحلبي في العمل والحياة والفهم . يشاركه اوجاعه وهمومه ومسراته الصغيرة.. ابنة حارته تستعين به لدراسة عن الاعشى . ويوجد في قربها بحثا انسانيا عن المكمل الإنساني الذي ينقصه. طبعا بلا أمل.. في الأعشى نرى نموذج الشاعر الذي يبيع شعره مقابل الأعطيات . في حياة الفقر والمحل والصحراء.. نموذجا للانسان الذي يؤجر نفسه للحاكم او الاقوى او الاغنى.. للحصول على المنفعة.. وهناك ايضا زميله الوقوري. رجل المصالح المتغطي بالتدين .الذي يبيع نفسه ايضا عبر مجلته التي يكتب بها دوما .لتحقيق مصالح النافذين ومحققا مصلحته الصغيرة.. رجل ما زال يصادق (الجان)؟!. وله عند كل ذي قوة وسلطة حظوة.. وزميله محمد النقابة الذي يمثل دور المدافع عن حقوق العاملين . له حظوة عند الكل . يعلم قواعد اللعب ويستثمر (ديمقراطيا) ؟!. وجوده.. والكل راض عنه. بحيث تستمر معادلة التفاهة والضياع وغياب الحقوق واستمرار التفاوت والاستغلال وهيمنة السلطة وشبكاتها.. ويستمر الواقع على ما هو عليه.. والد بطلنا مثقف ومتعلم منذ أيام المستعمر ومناضل ضده ايضا.. يحمل قضية استرداد نبع الماء الذي اخذته السلطة من أصحابه وأعادت إليهم الماء بثمن.. يحمل عقد ملكية النبع من عشرات السنين كأحد وارثيه ومتعهدي توزيعه العادل بين أهل البلدة جميعا.. يحمل عقده ويطارد الحكومة في القضاء وعند المسؤولين لاسترداد نبع الماء المسروق.. النبع الذي منع عن سقاية الأرض .فأصبحت جرداء .وعن الأشجار التي قطعت.. وتحول الناس لمجرد كائنات تمارس حياتها الغريزية.. يعتقل الوالد بتهمة التجمهر والتعدي على هيبة الدولة . وبعد أشهر يخرج ليقرر الاستقرار بجانب نبع الماء رافعا الصوت لاسترداده لأصحابه وهو منهم.. ويعامل كمجنون او خرف.. لبطلنا صاحبة تعرف عليها في أحد دور الدعارة وجد بها حبيبة مستحيله. تركت داخل نفسه غصه.. حدثته عن نفسها وانها ضحية اغتصاب وأنها هربت. وتعمل جاهدة للحصول على مبلغ من المال يؤمن لها فرصة السفر لأوروبا .. لتعيش حياتها كإنسان..
كل شخصيات الرواية كعينات مجتمعية مأزومة .باحساسها بانسانيتها وبحقها بالكرامة بفرصة العيش الكريم والحقوق والعدالة في الحياة .ولكل اسبابه الموجبة من ظلم فردي او اجتماعي او من السلطة او سوء حياة مستديم.. الكل يتحرك ليصنع فرصة للهروب لاوربا بلد الاحلام. والى ذلك الوقت يبقى الجميع يعيشون حياتهم الغريزية و باجترار مقيت لواقع الحياة القاسي وللمشاعر المهينة المصاحبة..
.يزرع صاحبنا شجرة الوفاء في أرض دارة ويرعاها..ولكنها مع ذلك تموت..
.تنتهي الرواية بلقاء بطلنا بفتاته التي تركت الدعارة. و الباحثة عن فرصة عمل باوربا والتي تضع يدها بيد بطلنا لمساعدة الوالد لاسترداد نبع الماء عبر توزيع مناشير تحرض الناس اصحاب النبع لاسترداده..
.الرواية ممتلئة بالسياسة والدراسة النفسية والاجتماعية وصدق الطرح عن مأزق الكل سلطة ومعارضة ومجتمع وأفراد.. هي صرخة تعطي انطباعا بضرورة الثورة لاسترداد كل الحقوق .ونبع الماء هنا استرداد البلد والدولة لتكون لشعبها وليس لفئة قليلة تخدم الغرب (الحلم) و تخدم مصلحتها..
الرواية تحمل المسؤوليات على الكل. وتعطي انطباعا قاسيا اننا كلنا من نصنع أقدارنا.. والاستسلام لواقع الحال السيئ بكل شؤون الحياة. هو مشاركة مباشرة في صناعته وتبعاته .من ظلم وقهر وتفاوت واستغلال وغياب للإنسانية..
مطلوب منا كلنا دور لاسترداد انسانيتنا وحريتنا وكرامتنا وحقنا بالعدالة والحياة الأفضل..
هذه رسالة الرواية.
12.9.2014
رواية “كتيبة الخراب” للكاتب “عبد الكريم جويطي مغربي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “أحمد العربي” الرواية تتحدث عن المغرب المعاصر من خلال سرد يقوم به بطل الرواية. يتحرك في فضاءات المكان. مدينة (بني ملال) . وناسها وعمقها التاريخي وامتدادها المجتمعي مع بقية المغرب .