الخصخصة في سورية.. فرصة للتنمية أم فخ للحكومة؟

عبد الناصر الجاسم

في عالم اليوم، حيث تتسارع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، تبرز الخصخصة كأداة مثيرة للجدل، خاصة في الدول التي تعاني من آثار الصراعات والنزاعات. في سوريا، حيث لا تزال آثار الحرب قائمة، يطرح السؤال: هل يمكن أن تكون الخصخصة أداة فعالة للتنمية، أم أنها ستؤدي إلى تفاقم الفساد وزيادة الفجوات الاجتماعية؟

مفهوم الخصخصة وأهدافها

الخصخصة، بمفهومها العام، تعني نقل ملكية وإدارة الأصول والخدمات من القطاع العام إلى القطاع الخاص، تهدف هذه العملية إلى تحسين الكفاءة الاقتصادية وزيادة الإنتاجية من خلال إدخال مبادئ السوق والمنافسة في تقديم الخدمات وإنتاج السلع. كما تسعى الخصخصة إلى تحسين الأداء المالي من خلال تحويل الأصول وزيادة الإيرادات الحكومية، مما يخفف من الأعباء المالية والإدارية على الحكومة.

لكن الخصخصة ليست حلاً سحريًا لمشكلات القطاع العام ولا يمكن فصلها عن سياقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فقد بدأت هذه الفكرة في القرن التاسع عشر، حيث تمت خصخصة بعض الخدمات العامة في أوروبا، وبالتحديد في قطاع النقل السككي. ومع مرور الوقت أصبحت الخصخصة جزءًا من السياسات الاقتصادية التي اتبعتها بعض الحكومات في السبعينات والثمانينات، مثل حكومتي بريطانيا وأميركا، للحد من دور الدولة في الاقتصاد وزيادة دور القطاع الخاص.

إن مفهوم الخصخصة لا يقتصر على بيع أصول القطاع العام الخاسر، بل له أبعاد متعددة تسهم في رسم دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المجتمع.

الخصخصة في سياق ما بعد الصراع

في الدول التي عانت من النزاعات، مثل سوريا، يعتبر نهج الخصخصة مثيرًا للجدل ويعتمد نجاح هذا النهج على السياق السياسي والاجتماعي ومدى الاستقرار بعد النزاع. في هذا السياق، يطرح السوريون سؤالًا مشروعًا: هل أعلنت الحكومة السورية رؤيتها حول تبني هذا النهج بعد دراسة وتقييم الموقف، وتوصلت إلى أنه هو أداة التنمية المناسبة لواقع سوريا في مرحلة ما بعد الصراع؟

إن مفهوم الخصخصة لا يقتصر على بيع أصول القطاع العام الخاسر، بل له أبعاد متعددة تسهم في رسم دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المجتمع. ومن المهم أن نفهم أن مفهوم الربح والخسارة لدى الدول والحكومات يختلف عن مفهوم الربح لدى الشركات والأفراد، فالربح للدولة قد يكون اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا قبل أن يكون ربحًا محاسبيًا وكذلك الكلفة لدى الدول والحكومات قد تكون اجتماعية وقد تكون سياسية وقد تكون اقتصادية.

المخاوف والتحديات

لكي تكون الخصخصة فعالة في سوريا، يجب على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار المخاوف والمخاطر المحتملة، و من بين هذه المخاوف:

1 – سيطرة النخب السياسية والاقتصادية: قد تؤدي عمليات الخصخصة إلى تعزيز سيطرة النخب على الموارد، مما يزيد من الفساد ويقربنا من التفريط بالمال العام. وهذا ليس اتهامًا للحكومة، بل هو دعوة للتنبيه والنصح.

2 – ضعف البنية التنظيمية: تعاني سوريا من ضعف في البنية التنظيمية المؤسسية، ووجود شبكات فساد موروثة وهذه العوامل قد تعيق جهود الحكومة في تحقيق الحوكمة الرشيدة.

3 – فقدان السيطرة على القطاعات الحيوية: قد يؤدي نقل الأصول العامة إلى القطاع الخاص إلى فقدان السيطرة على مخرجات القطاعات الحيوية مثل المياه والكهرباء والتعليم والصحة، مما يؤثر سلبًا على حياة المواطنين ولاسيما الفقراء منهم وهم الغالبية العظمى.

4 – إعادة توزيع الثروة بشكل غير عادل: قد تؤدي الخصخصة إلى زيادة التفاوت الطبقي في المجتمع، حيث يمكن أن تستفيد بعض الفئات من عمليات الخصخصة على حساب الآخرين.

5 – عجز النظم المالية والإدارية: قد تواجه الحكومة صعوبات في استيعاب عمليات التحول من الناحية القانونية والتشريعية، مما يعيق تنفيذ برامج الخصخصة بشكل فعال.

هل ستنجح الحكومة السورية في تبني نهج الخصخصة بشكل يحقق الفائدة للجميع، أم ستظل هذه العملية مجرد وسيلة لنقل المشكلة للأمام ومزيداً من الأعباء التي سيتحملها المجتمع؟

دروس من التجارب السابقة

تظهر تجارب دول أخرى عانت من صراعات أن الخصخصة ليست أداة محايدة وتحتاج إلى مؤسسات قوية وشفافة تتسم بالحوكمة الرشيدة، كما تتطلب نظم حماية مجتمعية للفئات الضعيفة والهشة. في هذا السياق، يجب أن تكون هناك آليات لضمان الشفافية والمساءلة في عمليات الخصخصة، وذلك من خلال وضع إطار قانوني واضح وإنشاء آليات للإفصاح وإشراك للمجتمع المدني، واستخدام تقنيات المعلومات وتعزيز ثقافة الشفافية.

في الختام، يمكن القول إن تسليط الضوء على هذه المخاوف والهواجس التي يشعر بها المواطنون السوريون هو شكل من أشكال الدعم بالرأي والخبرة لصناع القرار الحكومي ويجب أن تركز الحكومة على التخطيط الشامل وفق رؤية متكاملة لكافة القطاعات، مع التأكيد على الشفافية والتوازن الاجتماعي.

إن الخصخصة قد تكون فرصة للتنمية في سوريا، ولكنها تحتاج إلى دراسة دقيقة وتخطيط شامل لضمان عدم تفاقم الفساد وزيادة الفجوات الاجتماعية، يجب أن تكون الخصخصة جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة بناء الدولة والمجتمع، مع التركيز على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الحكومة السورية في تبني نهج الخصخصة بشكل يحقق الفائدة للجميع، أم ستظل هذه العملية مجرد وسيلة لنقل المشكلة للأمام ومزيداً من الأعباء التي سيتحملها المجتمع؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب وعيًا جماعيًا ومشاركة فعالة من جميع فئات المجتمع.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى