ليلى سويف: من لندن إلى غزة

شادي لويس

ليست هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها المرء نفسه في حاجة إلى الكتابة عن علاء عبد الفتاح وعائلته. وهذه المرة على خلفية إضراب الدكتورة ليلى سويف عن الطعام من أجل الإفراج عن ابنها الذي أتم مدة حبسه القانونية، ومع هذا تمتنع السلطات عن إطلاق سراحه. لأكثر من أسبوع نتابع بقلق التقارير الطبية الصادرة عن مستشفى سان توماس بلندن، بشأن تدهور صحتها بين ساعة وأخرى، في ظل تجاهل كامل من الحكومة المصرية ووسائل الإعلام المحلية.

لعقد ونيف كانت سيرة آل عبد الفتاح -أو آل سيف لنكون أكثر دقة- أمثولة لمآلات الثورة والسياسة في مصر. هي سيرة تطغي عليها ظلال الهزيمة متمثلة في أخبار السجون وإضرابات الطعام والاعتصامات وتقارير المستشفيات، لكنها لا تخلو أيضاً من لمحات العناد وبعض الأمل ووفرة من التضامن. والحال أن النظام المصري أختار علاء بين آخرين ليكونوا عبرة لمن يجرؤ على التمرد، وليدلل على قدرته المطلقة على الانتقام من خصومه بلا حدود ولا ضوابط. إلا أن هذا المواجهة لم تكن بقرار من طرف واحد، فعلاء وعائلته رفضوا الرضوخ للظلم في صمت، وسعوا للدفاع عن حقوقهم مستندين إلى القانون والآليات القائمة، مرة بطلبات العفو ومرات بالبلاغات إلى النائب العام والطعون أمام المحاكم والاحتجاجات أمام السجون في مواعيد الزيارة. وكان رد فعل النظام على خيار المواجهة هو التمادي في التنكيل بالعائلة، نالت أخت علاء، سناء سيف، حكماً بالحبس، وعاد علاء نفسه إلى السجن بقضية ثانية، تمددت عقوبتها لتبدو مؤبدة.

ولعل ما مكّن آل سيف من المثابرة على طلب حقوقهم، هو أيضاً ما جعل منهم هدفاً مثالياً لعسف النظام. التواريخ النضالية العائلية تجعل من السياسة أخلاقاً أهلية وميراثاً جيلياً يسلمه جيل إلى التالي. وتلك التواريخ كما تفتح أفق لاستمرارية المعارضة، أيضاً تستفز غريزة الأنظمة السلطوية الراغبة في كسر حلقات التضامن، حتى في حدها الأدنى، أي التضامن على مستوى قرابة الدم، وكذا خلق قطيعة في الزمن، على نحو يصبح تاريخ السياسة مجرد ماض مغلق ومنتهٍ، وليس عملية مستمرة ومعاشة ومتجددة مطبوعة في البصمة الوراثية للمجتمع.

علاوة على ذلك، الرأسمال الرمزي الذي تمتاز به عائلة علاء مكنها من اجتذاب تضامن عابر للحدود وتنظيم حملات تظهر أخبارها في وسائل الإعلام في أكثر من بلد وبأكثر من لغة. وبلغ بروز قضية علاء والسجناء السياسيين بالعموم قمته على مستوى دولي في مؤتمر المناخ في شرم الشيخ العام 2022، والذي حولته احتجاجات العائلة من مناسبة لتلميع سمعة النظام إلى منصة لإدانته. وبالقدر نفسه كان من شأن ذلك الظهور ذي الأبعاد المعولمة، أن يثير حنق أي نظام سلطوي، يرغب بالضرورة في عزل مواطنيه عن العالم، تحت شعارات الوطنية والولاء.

في دمشق، ترفع مظاهرة صغيرة لافتات تتضامن مع الدكتورة سويف، ومع السجناء السوريين والفلسطينيين في سجون الاحتلال وفي غيرها. تلك البادرة الرمزية ومع محدودية تأثيرها، هي صدى لذاكرة ربيع عربي منقض وتذكير بموجات من النضالات والانكسارات تمر على بلدان منطقتنا، بشكل عابر للحدود. في غزة، الجوع الطوعي الذي تشرعه والدة علاء عبد الفتاح كسلاح أخير مصنوع من هشاشة جسدها، هو أداة لإبادة جماعية متواصلة تمارس على مرأى من العالم لأكثر من عام ونصف عام، جنباً إلى جنب مع مذبحة لا تتوقف. وعلى تلك الخلفية، لا يبدو أن بإمكاننا التعويل على أن جوع امرأة واحدة يمكن أن يصنع فرقاً في عالم يموت فيها الرضع جوعاً على الهواء مباشرة. لكن وتحديداً بسبب تلك الاستباحة التي تتعلق بأرواح الألوف من الضحايا في إقليمنا، يبدو فعل المقاومة الشجاع واليائس في آن الذي تسلكه ليلى سويف هو الأمر الوحيد الممكن والواجب.

المصدر: المدن

تعليق واحد

  1. إضراب الدكتورة ليلى سويف عن الطعام من أجل الإفراج عن ابنها الذي أتم مدة حبسه القانونية في السجون المصرية، ومع هذا تمتنع السلطات عن إطلاق سراحه، إنها التعنت وممارسة الإرهاب بحق الأحرار في مصر ليكونوا عبرة لمن يتمرد على السيسي ونظامه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى