عرض منتقى لكتاب: ” نقد كتاب علي عبد الرازق – أصول الحكم في الإسلام ” – الجزء 2

معقل زهور عدي

 نبذة عن علي عبد الرازق والظروف التي أحاطت بالكتاب:

ولد الشيخ علي حسن أحمد عبد الرازق عام /1888/ م في محافظة المنيا قرية أبو جرج، في اسرة غنية، أخوه الشيخ مصطفى عبد الرازق مفكر وأديب مصري وعالم بأصول الفقه الإسلامي شغل منصب شيخ الجامع الأزهر وعين وزيرا للأوقاف ثماني مرات، والده حسن عبد الرازق من مؤسسي جريدة “الجريدة” التي دعت إلى الحكم الدستوري والإصلاح الاجتماعي والتعليم، ومن مؤسسي حزب الأمة.

درس علي عبد الرازق في الأزهر ونال شهادة ” العالمية ” ثم ذهب الى بريطانيا ودرس في جامعة أوكسفورد الاقتصاد ولم يتم دراسته بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى فعاد لمصر وعين قاضيا في المحكمة الشرعية بالمنصورة , وكان عضوا في هيئة علماء الأزهر الى أن فصل عنها بسبب كتابه الذي نشره عام 1925 ” أصول الحكم في الاسلام ” , عاد الى هيئة علماء الأزهر عام 1945 , وعين وزيرا للأوقاف , وشغل عضوية مجلس النواب ومجلس الشيوخ , وكان عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة , حاضر لمدة 20 عاما في جامعة القاهرة في مصادر الفقه الاسلامي وتوفي عام 1966 .

أحدث كتابه ” أصول الحكم في الاسلام ” ضجة كبرى في مصر في زمنه , وتداخلت السياسة والتقاليد الأزهرية في نشوء موجة عارمة من الرفض لأفكاره التي ضمنها ذلك الكتاب , فقد كان الملك فؤاد يجري تحضيرات واسعة ليعلن نفسه خليفة المسلمين بعد أن أنهى كمال أتاتورك الخلافة الاسلامية العثمانية عام 1924 , فانفتح بذلك الباب أمام الملك فؤاد ليضفي على نفسه لقب خليفة المسلمين , ويبدو أن السياسة البريطانية كانت تفضل ذلك التوجه ليساعدها في كسب ولاء المسلمين في المشرق حتى الهند , فجاء كتاب علي عبد الرازق صادما ومعاكسا للتحضيرات الملكية المصرية , أما الأزهر الذي لم يتعود أن يخرج من بين جنباته من تبلغ به الجرأة حد مراجعة احدى مسلمات الفكر الاسلامي التقليدي وأعني بذلك مسألة ” الخلافة ” . فكان رد فعله قاسيا، فطرد علي عبد الرازق من هيئة علماء الأزهر، ومنع من التدريس، وأوصت اللجنة الأزهرية التي تولت محاكمته على طريقة محاكم التفتيش بمصادرة كتابه ومنعه من التداول، ومنع علي عبد الرازق من تولي أي وظيفة حكومية، ولم يبق سوى طلب سحب جنسيته المصرية.

وكالعادة تم تهييج الجمهور ضد علي عبد الرازق واعتبر كتابه مسا خطيرا بالإسلام وتاريخه، ووقف معظم السياسيين بمن فيهم حزبه المعارض (حزب الأحرار الدستوريين) ضده، ولم يقف بجانبه سوى القليل من المفكرين المستقلين ومنهم عباس محمود العقاد.

يتلخص موضوع الكتاب بفكرة واحدة تقول بأن مفهوم ” الخلافة ” ليس من صلب الدين الاسلامي , ولو كان كذلك لوجب أن نجده مفصلا في القرآن والسنة , أما من يقول بإجماع الأمة كمصدر ثالث للتشريع فجوابه أن الأمة لم تجمع عليه في أي وقت , وتشهد على ذلك الصراعات السياسية التي بدأت مع وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام على الحكم واستمرت عبر مراحل زمنية ممتدة لمئات السنين , ولم يحسم تلك الصراعات سوى السيف , ويستشهد علي عبد الرازق بطريقة فرض يزيد بن معاوية خلفا في الحكم لأبيه حين قام أحد رجال معاوية خطيبا فقال للجمع ” أمير المؤمنين هذا ” وأشار لمعاوية , ” فان هلك فهذا ” وأشار الى ابنه يزيد ,” فمن أبى فهذا ” وأشار الى سيفه .

ولا يكلف الشيخ علي عبد الرازق نفسه في البحث أبعد من تلك الفكرة التي مهد لها بثلاثة أرباع كتابه، ثم أوجزها بالربع الرابع.

فغاية ما يصل اليه في كتابه الصغير الحجم الذي أحدث دويا كبيرا في زمنه هو القول ان الخلافة مسألة دنيوية وليست دينية، وأن تحويلها لمسألة دينية بدعة أضافها رجال دين لمصلحة الحكام والسلاطين لإضفاء القدسية على حكمهم، وأن ذلك المفهوم لا أهمية له في قوة المسلمين وضعفهم كما يصور أحيانا، واستشهد على ذلك بحال الخلفاء العباسيين في أواخر عهد الدولة العباسية، حين انفصلت أقطار الدولة فعليا عن مركز الخلافة الذي لم يبق له سوى الاسم.

الآن: لماذا لقي ذلك الرأي كل تلك الضجة واعتبر بمثابة ” هرطقة ” تستحق المحاسبة والعقوبة؟

السبب الأول سياسي كما أسلفنا، فقد جاء كتابه في الوقت الذي كان الملك فؤاد يسعى لتكريس نفسه خليفة للمسلمين، فظهر وكأنه موجه ضد رغبة الملك وما يسعى اليه.

السبب الثاني: أن مفهوم الخلافة لم يسبق أن تعرض له أحد من المفكرين الاسلاميين بتلك الطريقة والتي تبدو قاطعة في الرأي بجرأة غير مسبوقة.

السبب الثالث: أن ذلك يتضمن بصورة مباشرة وغير مباشرة تعرضا للتاريخ الاسلامي ولرجاله وأعلامه، وقد تعرض الكتاب لموقف أبي بكر رضي الله عنه من الردة بالنقد، وتعرض لموقف خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة بطريقة فيها نوع من النقد الذي يكاد يصل حد الادانة. كما تعرض بصورة غير مباشرة لحروب الفتح الاسلامي.

لذلك لم يكن صعبا على هيئة علماء الأزهر ادانه الكاتب والكتاب، وطرده من الأزهر، وطلب أقسى العقوبات المدنية بحقه، فمثل تلك الجرأة غير المعهودة ترافقت مع التشكيك برواية التاريخ الاسلامي كما استقرت منذ مئات السنين.

لم يقدم علي عبد الرازق عملا مقنعا متكاملا، ولعله أحسن باعترافه بذلك في كتابه. وربما أخطأ بطريقة تناوله لمسألة ” أصول الحكم في الاسلام ” فقد تصور أن ذلك الموضوع يتلخص في مسألة ” الخلافة ” وهل هي من الدين أم أضيفت اليه وقد وقف عند ذلك ولم يتعداه، سوى أنه ألقى حجرا في مياه راكدة، لكن المياه ابتلعت ذلك الحجر واستسلمت بعده للركود.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. في الجزء الثاني من عرض منتقى لكتاب ”نقد كتاب علي عبد الرازق”، يبدء بنبذة عن الكاتب والظروف التي أحاطت بالكتاب، فكرة الكتاب تتمحور حول مفهوم ” الخلافة ” بأنها ليست من صلب الدين الاسلامي, فلم نجدها بالقرآن والسنة, وإجماع الأمة كمصدر ثالث للتشريع بأن الأمة لم تجمع عليه في أي وقت، لذلك الخلافة مسألة دنيوية وليست دينية.

زر الذهاب إلى الأعلى