تتهيأ الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، أو ما بات يُعرف بـ”شرقي الفرات”، لإجراء انتخابات بلدية في شرق سورية لترسيخ وجودها أكثر في المنطقة التي تسيطر عليها، الأكثر أهمية وغنى في البلاد، على الرغم من اعتراض القوى السياسية المحلية المعارضة، وعدم اعتراف النظام السوري والمعارضة معاً بهذه الخطوة. المفوضية التي شكلتها الإدارة الذاتية للإشراف على إجراء انتخابات بلدية في شرق سورية في 11 يونيو/حزيران المقبل، دعت في بيان الثلاثاء الماضي، المنظمات الدولية إلى المشاركة في مراقبة سير هذه الانتخابات “حرصاً على إنجاح العملية الانتخابية وتكريس الجهود للحفاظ على نزاهتها وشفافيتها واستقلاليتها”. وبدأت أحزاب مشاركة في الانتخابات الأربعاء الماضي بطرح برامجها الانتخابية التي تتضمن وعوداً بتحسين الواقع الخدمي في شمال شرقي سورية الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الثقل الكردي خصوصاً لجهتي القيادة والتوجيه.
أسس إجراء انتخابات بلدية في شرق سورية
وكانت هذه “الإدارة” وضعت في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي ما وصفته بـ”العقد الاجتماعي”، ما يعد بمثابة دستور مصغر للمناطق التي تقع تحت سيطرتها، أسس لإجراء الانتخابات البلدية في شرق سورية. ورأى البعض أن هذا العقد الذي حوّل الشمال الشرقي من سورية إلى إقليم واحد يتضمن مقاطعات، يمثل خطوة عملية ومتقدمة باتجاه الفيدرالية في سورية، وهو ما يجد رفضاً واسعاً من المعارضة والنظام معاً، فضلاً عن المجتمع الدولي.
وأوضح محمد موسى وهو قيادي في حزب اليسار الكردي، المنضوي في أحزاب الإدارة الذاتية، في حديث مع “العربي الجديد”، أن التحضيرات لإجراء انتخابات بلدية في شرق سورية “تجري الآن في كل المناطق التي تُدار من قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية”. وتوقع أن يكون الإقبال الشعبي على المشاركة في التصويت “جيداً لأنه للمرة الأولى يتم فيها اختيار أعضاء البلديات عن طريق الانتخاب في شمال شرقي سورية”، مضيفاً: هذه تجربة أولى ربما تشكل نموذجاً إلى حد ما في سورية كلها، مشيراً إلى بدء عمليات الترشيح، وأن هناك توافقات بين العديد من القوى السياسية بخلفياتها المتنوعة.
ويسبق إجراء انتخابات بلدية في شرق سورية بنحو شهر، انتخابات برلمانية يجريها النظام في مناطق سيطرته، بيد أن موسى رأى أنه “لا يوجد أي ارتباط بين هذه وتلك”، مضيفاً أن إجراء انتخابات بلدية في شرق سورية “ضرورة لتأسيس إدارة منتخبة من الشعب بشكل مباشر”.
وتأسست “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية”، وأبرز أحزابها “الاتحاد الديمقراطي”، في العام 2013، لإدارة المناطق التي سيطرت عليها “وحدات حماية الشعب الكردية”، والتي أصبحت في 2015 الثقل الرئيسي لـ”قسد”، والتي تحكم اليوم نحو ثلث مساحة سورية، يشكل العرب غالبية سكانه، ويعد الأهم لغناه بالثروات الزراعية والنفطية.
مقاطعون للانتخابات البلدية
ويقاطع المجلس الوطني الكردي، أبرز الجهات المناهضة لحزب الاتحاد الديمقراطي (أبرز أحزاب الإدارة الذاتية)، والأحزاب الصغيرة التي تدور في فلكه، هذه الانتخابات، إذ لا يرى أي أسباب تدفعه للمشاركة فيها “كون الجهة التي تنظمها غير شرعية”، وفق شلال كدو القيادي في هذا المجلس الذي يضم العديد من الأحزاب السورية الكردية، وينضوي في الائتلاف الوطني المعارض.
وأضاف كدو، في حديث مع “العربي الجديد”: لا أحد سيعترف بنتائج الانتخابات، لا النظام ولا المعارضة ولا المجتمع الدولي والأمم المتحدة، لذا لا قيم لها أبداً. وقال إن “هذا الحزب (الاتحاد الديمقراطي) ينظم الانتخابات على هواه والأحزاب الأخرى المشاركة لا وزن لها في الشارع”. وتابع: هذه الانتخابات تفتقر إلى الشرعية القانونية والشعبية، خصوصاً أن النسبة الأكبر من سكان المنطقة مهجرون خارج البلاد، ولا يمكنهم المشاركة فيها. وتساءل كدو عن كيفية إجراء انتخابات نزيهة “في ظل وجود الشبيبة الثورية التي تعتقل الناس وتحرق مقرات أحزاب المجلس، وتخطف القصّر وتنقلهم إلى مراكز تغسل أدمغتهم لخدمة أهداف حزب العمال الكردستاني”. وتابع: ليس هناك مناخ صالح لإجراء انتخابات بلدية في شرق سورية وهناك طرف واحد فصّل هذه الانتخابات على مقاسه، وسيعلن نتائج على مقاسه.
وفي السياق، رأى الباحث السياسي فريد سعدون، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الانتخابات البلدية التي ستجريها الإدارة “لا تشارك فيها الأطراف السياسية كافة في المنطقة”، مضيفاً: يمكن القول إن المشاركين فيها تابعون أو مرتبطون بالإدارة الذاتية، مشيراً إلى أن المنظمة الآثورية التي تعبر عن الرأي الآشوري السرياني في محافظة الحسكة غير مشاركة، فضلاً عن عدم مشاركة المجلس الوطني الكردي الذي يمثل قطاعاً واسعاً من الأكراد السوريين، أي أكثر من 50% منهم غير مشاركين في الانتخابات. وأشار إلى أن الكثير من القبائل والعشائر العربية “تقاطع هذه الانتخابات”، مضيفاً: “حزب المحافظين الذي يمثل قبيلة شمّر (أبرز قبائل شمال شرقي سورية)، لن تكون مشاركته بالشكل المطلوب كما أرى”.
وبيّن أن المستقلين والنخب في المنطقة لن يشاركوا في الانتخابات “لأنهم يرون أنها لن تنفع، وخصوصاً أن القوائم الحزبية هي التي ستفوز”، مضيفاً: “الشعب مغيّب في المنطقة وهناك قطاع واسع لا يعلم أصلاً أن هناك انتخابات بلدية في شرق سورية وكان على الإدارة الذاتية حل الكثير من المشكلات قبل الإقدام على إجراء انتخابات بلدية في شرق سورية أو غيرها. أعتقد أن نتائج هذه الانتخابات لن تنعكس إيجاباً على المنطقة طالما القرار بيد حزب محدد”.
وتسيطر “قسد”، التي تحظى بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، على قسم كبير من محافظة الرقة، بما فيه مدينة الطبقة الاستراتيجية، إضافة إلى شريط القرى على الضفة الجنوبية من نهر الفرات الممتد من قرية شعيب الذكر غرباً، إلى قرية كسرة شيخ الجمعة شرقاً. كما تسيطر “قسد” على كامل ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات الغني بالنفط، إضافة إلى معظم محافظة الحسكة مترامية الأطراف في شمال شرقي سورية، والتي تضم أكبر حقول النفط، والتي تعد المصدر الرئيسي لتمويل هذه القوات والإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سورية. كما تسيطر على منطقة منبج غربي نهر الفرات ومنطقة تل رفعت ومحيطها في ريف حلب الشمالي. وكانت خسرت في العام 2018 منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال غربي حلب، لصالح المعارضة السورية. وخسرت في 2019 مدينة تل أبيض وقسماً كبيراً من ريفها شمال الرقة، ومنطقة رأس العين، شمال غربي مدينة الحسكة.
المصدر: العربي الجديد
سلطة أمر الواقع بشمال شرق سورية وبعد وضعها بكانون الأول من العام الماضي ”العقد الاجتماعي” كدستور مصغر للمناطق التي تقع تحت سيطرتها، تدعو لإجراء انتخابات بلدية بـ”شرقي الفرات”، لترسيخ وجودها أكثر بالمنطقة التي تسيطر عليها، ضمن مقاطعة شعبية وحزبية عدا المنظمات الموالية لها بالإدارة، صورة مكررة عن إنتخابات نظام طاغية الشام،