وقع مظلوم عبدي قائد ما يسمى (قوات سورية الديمقراطية / قسد) اتفاقًا مع شركة DElTA CRESCENT ENERGY الأميركية لاستثمار النفط السوري في شمال الفرات، حسب ما أعلن عن ذلك السيناتور ليندزي غراهام أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأميركي، الأسبوع الماضي، وكما هو معروف فإن قوات سورية الديمقراطية هي الجناح العسكري أو ميليشيات ما يسمى الادارة الذاتية في شمال شرق الفرات.
يحمل الاتفاق دلالات عديدة على أكثر من جهة وصعيد، وحتى لجهة توقيته، فقد حظي بمباركة أميركية رسمية بحسب ما جاء على لسان وزير الخارجية بومبيو، حين أجاب بشكل مختصر على سؤال عن موافقة إدارته وعلمها المسبق بقوله: نعم، وهو ما يعني دراية البيت الأبيض، ولم يكن ممكنًا توقيع مثل هذا الاتفاق دون استثنائه من عقوبات قانون قيصر، ودون حصوله على موافقة وزارتي الخارجية والخزانة، والمرور عبرهما، وهما المعنيتان بتطبيق القانون المذكور، ومراقبة تنفيذه والالتزام به.
توقيع الاتفاق يحمل أيضًا في طياته اعترافًا صريحًا بهذه الجهة التي لا تعدو أن تكون سلطة أمر واقع، ما فتأت تكرس نفسها طرفًا مستقلاً بذاته، دون أي سند من قانون، أو اعتراف حتى من سكان المنطقة نفسها، كما إن تصرف “الإدارة الذاتية” يؤكد مرة جديدة سعيها للانفصال عن الوطن الأم، وهو تصرف يندرج ضمن سلسلة طويلة من التصرفات التي تؤكد سعيها لتوطيد وتكريس دعائم سلطتها وكيانها السياسي، في هذا الجزء الهام والغني بثرواته، بمزاعم واهية، سبق أن فندناها أكثر من مرة، وأشرنا إليها مراراً وتكراراً، ليس آخرها بدعة ما سمي (تنمية المجتمع) التي أجازت فيه لنفسها السيطرة على أملاك الغائبين، من مهجرين ومعتقلين وملاحقين، وقبله تعديل مناهج التعليم، وفرضها على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، تعزيزًا لسرديتهم التاريخية الأسطورية، ومظلوميتهم، وغير ذلك الكثير من القوانين والإجراءات التي تحمل المعنى والقصد ذاته.
إن توقيع الاتفاق يأتي بعد صدور قانون قيصر الذي يعرض أي جهة، سواء كانت دولًا أو شركات أو أفرادًا للعقوبات الصارمة، فيما لو أقدمت على أي عمل استثماري، أو تجاري، ما يعني أن أميركا ترسل رسالة واضحة بأن العقوبات تستهدف النظام السوري فقط.
إن الاتفاق المذكور يستمد “مشروعيته” وقوته الواقعية من قوة السلاح أولًا، ومن الرعاية الأميركية المتنامية باطراد ل (الإدارة الذاتية) و(قوات سورية الديمقراطية)، وهي علاقة قائمة على الشراكة في أكثر من ملف، ولكنها تفضح نوايا وأهداف ومخططات الطرفين، منذ أن بدأت عام 2013 بحجة محاربة تنظيم الدولة (داعش)، ما منحها فرصة لكسب الرعاية الأميركية بشكل مريب، وبعيدًا عن أي قانون، وهي جهة تعمل خارج الإجماع الوطني، والثوابت الوطنية، وأهمها وحدة سورية أرضًا وشعبًا.
الاتفاق الغامض في نصوصه كما في ثناياه، ينطوي على مخاطر كثيرة، تتعلق بوحدة سورية، وهويتها، واستثمار ثرواتها، التي تعود حصرًا وحتمًا وبداهة لكل أبنائها، ولا يمكن الإقرار بشرعية هذه الاجراءات المنفردة وقانونيتها، التي تشبه إلى حد كبير عشرات الاتفاقيات التي وقعها النظام بعد اندلاع الثورة المباركة، مع أطراف خارجية باع فيها سورية، ورهن إرادتها لعقود قادمة، وكلها تشوبها شوائب البطلان، وتفتقر لأي سند قانوني.
إن هذا الاتفاق يمثل خيبة أمل كبيرة، وجديدة، تعمق الانقسامات بين السوريين، وتهدد أسس العيش المشترك، ومستقبلهم الموحد المنشود.
أما بالنسبة للطرف الأميركي فالاتفاق يفضح نوايا الدولة العظمى التي تزعم أنها تقف مع الشعب السوري ضد نظامه الإرهابي، ولكنه يكشف أنها لا تهتم إلا بمصالحها الاستعمارية، أولًا وأخيراً، ما يسقط أية رهانات وهمية وخاسرة.
نفط السوريين للسوريين، كما كل ثرواتهم في تلك المنطقة، الماء وسلة الغذاء، وغيرها من الثروات التي نهبها النظام عقودًا طويلة، وتتابع نهبها اليوم ميلشيات تستبطن مشاريع خبيثة معادية لسورية والسوريين عمومًا، لا تقف عند تمزيق وطنهم، وتحطيم وحدته الوطنية، واستغلال ثرواته، لتصل إلى ما هو أخطر من تغيير ديمغرافي وسلوك عنصري حاقد.
قدر السوريين أن يخوضوا معاركهم على أكثر من جبهة وصعيد، حتى يتحقق لهم ما أرادوا من ثورتهم، من حرية وكرامة وتنمية وعدالة في توزيع ثرواتهم.