قراءة في كتاب: المسألة السورية .١من ٤ || ومرايا الجيوبوليتيك الدولي

أحمد العربي

د جمال الشوفي ابن الثورة السورية وأحد الناشطين المركزيين في حراك أهلنا في السويداء، في استمرارية ثورتنا السورية بنقائها الأول، مطالبة بإسقاط الاستبداد وبناء دولة الحرية والكرامة والعدالة والمواطنة والديمقراطية والحياة الأفضل، لكل السوريين وفي سوريا كلها…

يدمج د جمال الشوفي بين العمل التنظيري للثورة السورية والنشاط الميداني. وهذا أفضل عمل يقوم به أي ناشط سياسي في الثورة السورية، التكامل بين التنظير والممارسة، كليهما متفاعلان، متداخلان ، متكاملان، يعيدان كل الوقت تقويم الممارسة وتأصيل التنظير…

“المسألة السورية ومرايا الجيوبوليتيك الدولي” وهو أحد كتب د جمال الشوفي الذي يقارب المسألة السورية من كل جوانبها. الثورة في واقع الممارسة لأقل من عشر سنوات انطلاقتها وتطوراتها والتدخلات الإقليمية والدولية المؤثرة عليها. كذلك اطلالة على واقع النظام العالمي الذي تمثل امريكا قطبه الأوحد وتفاعلاته مع قضايا الربيع العربي ومنها سوريا. وإطلالة على المعارضة السورية عبر جردة تعود لعقود قبل الثورة . كذلك النظرية الرابعة الجيوبوليتيكية الروسية وانعكاسها على ممارسة روسيا وتدخلها ودورها في سوريا بالتوازي والتداخل مع إيران وأدواتها. كما يتابع تطورات المسألة السورية في هذه السنوات عسكريا وسياسيا. ويختم د جمال في بحث يتحدث عن الأفق المستقبلي لسوريا المستقبل المأمولة…

سنتابع في هذه الإطلالة فصول الكتاب أولا بأول ونختم بعد ذلك بتعقيب شامل…

اولا : سوريا في الثورة.

لم يكن غريبا من منظور علم الاجتماع والسياسة أن ينتقل تأثير الربيع العربي الذي انطلق في تونس وبعدها مصر أواخر عام ٢٠١٠م وبدايات ٢٠١١م وتستمر لتصل إلى ليبيا واليمن. وتصل إلى سوريا في ربيع ذات العام وأن يتحرك الشعب السوري لمواجهة مظلومية سياسية اجتماعية اقتصادية بسبب حكم الاستبداد الممتد لعقود في سوريا منذ آذار عام ١٩٦٣م و توطد في حكم الأسد الأب في عام ١٩٧٠م واستمر في حكم الأسد الابن بالتوريث بدء من عام ٢٠٠٠م …

استبعد النظام المستبد السوري أن يحصل حراك للمظلومين في سوريا. خاصة وان القمع والتنكيل والسجن واعتقال المعارضين، وإلغاء السياسة المعارضة عمليا في سوريا جعله يطمئن أن سوريا عصية على الثورة. لكن لذات أسباب اطمئنان النظام ودرجة قمعه، كان الحراك الثوري تحدي انتحاري من الشعب السوري في مواجهة النظام المستبد السوري…

بدأ الحراك في درعا وتوسع ليصل الى كل سوريا بنسب متفاوتة في حراك سلمي يطالب بالكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية، وسرعان ماواجه النظام الحراك الشعبي بكل عنف وانتقل الحراك الشعبي من السلمية الى المواجهة المسلحة غير المتكافئة مع النظام. وسرعان ما دخلت على خط الثورة السورية دولا تدعم النظام اهمها ايران وميليشياتها الطائفية خاصة حزب الله اللبناني. وكذلك التدخل الروسي الذي أصبح الفاعل الأكبر في سوريا منذ عام ٢٠١٥م. حيث كان الداعم الأكبر للنظام من ان يسقط تحت ضربات قوات الثورة التي انتزعت منه اغلب الجغرافية السورية. كان الدعم الدولي والإقليمي و دول الخليج للقوى الثورية المتعددة والمتنوعة جعل النظام يترنح أمام ضرباتها في السنوات الأولى للثورة السورية…

لم تكن تطورات الصراع بين النظام والقوى الثورية السورية تسير لصالح الشعب السوري وثورته. فلم يكن الكيان الصهيوني راضيا عن إسقاط النظام السوري لاعتبارات يراها هو أو لاتفاقات سابقة بينه وبين النظام لم نتأكد منها. كان الصهاينة مرتاحين لنظام استبدادي طائفي يحرس لها حدودها في الجولان المحتل، بغض النظر عن المطروح إعلاميا عن المقاومة والممانعة من النظام وحلفائه إيران وحزب الله.

اما امريكا وحلفائها الأوروبيين والخليجيين فقد تراجعوا عن الدعم للقوى العسكرية للثورة السورية بسبب التطورات التي حصلت على الأرض وولادة القاعدة بمسمى جبهة النصرة وبعد ذلك داعش، حيث انشغلت أمريكا والغرب في محاربة داعش عبر تحالف دولي وغضت النظر عن إسقاط النظام السوري، ودعمت استنجاده بروسيا لتنقذه. وبدأ النظام يعيد السيطرة على الأرض السورية مجددا روسيا من الجو وإيران وحزب الله والميليشيات الطائفية على الأرض. هذا غير التوافقات الدولية والإقليمية التي أدت لانحسار العمل العسكري لقوى الثورة السورية بحيث ادت الى عودة النظام الى اغلب المناطق التي خسرها. تتوج ذلك بعودة الجنوب السوري لسيطرة النظام بصفقة اقليمية دولية اعطت السيطرة للنظام عبر التواجد الروسي …

بعد سنوات تم عسكريا تثبيت مناطق تواجد الاطراف الفاعلة في الملف السوري الذي اصبح دوليا. مناطق سيطرة النظام تحت الحماية والحضور الروسي الايراني والميليشيات الطائفية وحزب الله. شرق الفرات وشمال شرق سوريا تحت السيطرة الامريكية من خلال حزب العمال الكردستاني ممثلا بقوات سوريا الديمقراطية وقوته الضاربة الادارة الذاتية الكردية التي عملت لاقصاء بقية القوى الكردية وكذلك بقية مكونات الشعب السوري وعملت لخلق مشروع كيان انفصالي كردي على امتداد شرق الفرات…

سياسيا حاولت بقايا القوى السياسية المعارضة السورية التي فصل الكاتب الحديث عنها. ان تستلم ملف الثورة السورية السياسي وأن تكون صوتها لكنها عجزت بسبب مشكلة في بنيتها بالاصل. حيث سيطرة النزعة الحزبية والعقائدية وكذلك المصلحية الشخصية. هذا غير تعدد الدول الداعمة بحيث تعددت منابر التعبير عن الثورة السورية. المجلس الوطني ثم الائتلاف وهيئة التنسيق الوطنية ومجموعة القاهرة ومجموعة موسكو وهيئة التفاوض التي ذهبت الى جنيف اكثر من مرة. وتحولت هذه المنابر بعد ذلك إلى شبه ممثل الأطراف الداعمة لها…

وحتى المسار السياسي فقد اعتمد على بيان جنيف ١ ثم على القرار الدولي ٢٢٥٤ ولكن مضي الوقت والانسحاب العربي والامريكي من اي دور فاعل لصالح الثورة السورية بعد تسليم ملف سوريا فعليا لروسيا. اصبحت مؤتمرات سوتشي بأطرافها روسيا وإيران وتركيا هي المدخل للبحث عن حل سياسي في سوريا مع تنازل عن السقف الذي طرحه بيان جنيف واحد والقرار الدولي ٢٢٥٤:  حكومة انتقالية وانتقال ديمقراطي في سوريا. وتحولوا للتحدث عن مناطق خفض تصعيد وادى لتسليم الجنوب السوري للنظام. ودخلوا في نفق العمل على الدستور السوري ولم يستمر وتجمد عمليا أي مسار حقيقي لواقع الحال في سوريا.

عمليا سوريا مقسمة بين امريكا في مناطق شرق الفرات ترعى قوات سورية الديمقراطية. وبقية سوريا تحت رعاية روسيا وإيران وأدواتها. والشمال الغربي لسوريا مع إدلب تحت سيطرة قوات الجيش الحر ادلب تحت سيطرة هيئة تحرير الشام. برعاية تركية…

هذا الفصل يؤكد أن مسار القضية السورية معطل او مجمد وهو أقرب الى تقسيم واقعي لسوريا التي حلمنا أن تكون دولة ديمقراطية لكل اهلها…

 وها هي محتلة من كثير من الدول….

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كتاب “المسألة السورية ومرايا الجيوبوليتيك الدولي” للكاتب السوري ابن الثورة السورية “جمال الشوفي” الجزء الأول من قراءة الكتاب من قبل الكاتب “احمد العربي” يتناول فيها اولا : سوريا في الثورة. وهو توصيف لواقعية الوضع السوري بعد الثورة مقسمة بين امريكا بشرق الفرات ترعى “قسد/مسد” ومناطق برعاية روسيا وإيران وأدواتها. والشمال الغربي بسيطرة الفصائل وهتش وبرعاية تركية…

زر الذهاب إلى الأعلى