“الكابينيت” الحربي الإسرائيلي يضع شروطاً أمام الجهود الدبلوماسية للجبهة الشمالية.
أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بأن تحقيق أهداف حرب غزة يتطلب أشهراً طويلة وسيكون من الصعب تحقيقها خلال شهر أو اثنين، وذلك خلافاً للجدول الزمني الذي وضعته واشنطن. وجاءت زيارة سوليفان إلى إسرائيل، أمس الخميس، للتفاهم مع متخذي القرار حول هذا الموضوع وقضايا أخرى.
وفيما لم تشمل اللقاءات ملف صفقة الأسرى، إلا أن سوليفان سيتطرق إليه بعد وصول مجموعة من عائلات الأسرى في غزة إلى واشنطن ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن في محاولة للتقدم نحو صفقة أسرى تضمن عودة ذويهم أحياء، وبعد الكشف عن رفض “الكابينيت” (مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي) مقترح صفقة عرضه رئيس “الموساد” ديفيد برنياع، لكنه مُنع من السفر إلى قطر لمناقشته.
إلى جانب هذه الملفات، ستشمل المحادثات تطورات الجبهة الشمالية مع لبنان، وزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وإخراج المدنيين من دائرة القصف والأهم الاتفاق على الجدول الزمني لإنهاء الحرب واليوم الذي يليها.
وفيما يسود قلق إسرائيلي من احتمال تحديد سوليفان المدة الزمنية لإنهاء الحرب، أعد مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي تقريراً لعرضه أمام المسؤول الأميركي يركز على الجدول الزمني للحرب والوضع في الجبهة الشمالية.
استمرار المعارك طوال عام 2024
وفي كلمته التي ألقاها بعد لقاء سوليفان قال وزير الدفاع غالانت إن “حركة حماس قامت ببناء نفسها على مدى سنوات طويلة كمنظمة إرهابية، وأقامت لها بنى تحتية تحت الأرض وقدرات عسكرية”، وتابع “حتى ننتصر في الحرب على حماس ستكون حرباً مستمرة، لن تنتهي خلال أشهر عدة، إنما تتطلب وقتاً أطول، ونحن مصرون على الانتصار على حماس وإعادة المخطوفين”.
حديث غالانت الذي يناقض تماماً الجدول الزمني الأميركي أسهم في تعميق الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، وأوضح الأميركيون، عبر أكثر من مسؤول، ضرورة ألا تتعدى مدة القتال شهرين، أي نهاية يناير المقبل (كانون الثاني) لإنهاء القتال، مما يعني أن الجدول الزمني يعكس فرقاً كبيراً بين واشنطن وتل أبيب. وفي جدولهم الزمني، وضع الإسرائيليون ثلاث مراحل للقتال، الأولى هي التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي حالياً في غزة حيث ينفذ عمليات مكثفة، وبحسب الجيش الإسرائيلي، ستستمر هذه المرحلة حتى نهاية يناير المقبل. وحتى يصل للمرحلة الثانية، يحتاج الجيش إلى أسابيع عدة يقوم خلالها بالانسحاب من عمق القطاع والانتشار في خطوط الدفاع. وحذر أمنيون من أن هذه المرحلة ستكون بداية خلاف مع الولايات المتحدة ويتوقع أن يتفاقم مع الجدول الزمني لإسرائيل للمرحلة الثالثة المتوقع أن تستمر طوال عام 2024، ليتمكن الجيش من تحقيق أهداف الحرب بالقضاء على “حماس” وقدراتها العسكرية من خلال عمليات محددة، وانتشار الجيش في مناطق معينة، ومن ثم سيطرة أمنية على مساحة يتم الاتفاق عليها لاحقاً.
وتقول المحللة السياسية للقناة الـ “12” الإسرائيلية دانا فايس إن الرئيس الأميركي جو بايدن بعث بسوليفان إلى تل أبيب لـ”التأكد من أن الرسالة الأميركية بأن الساعة الرملية على وشك النفاد، وأنها وصلت للمسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بشكل واضح، كما يأمل بايدن التوافق على الجدول الزمني للخطط الحربية في غزة”، وأشارت فايس إلى أن ما سيوضحه الإسرائيليون لسوليفان أن عام 2024 سيشمل تغييراً كبيراً في التكتيكات لتدمير القدرة العسكرية لـ”حماس” من خلال عمليات برية وغارات جوية محددة، تهدف إلى ملاحقة عناصر الحركة وكبار قادتها إضافة إلى أهداف عسكرية أخرى.
ونقل عن مسؤول أمنى أميركي أنه، وعلى رغم أن واشنطن لا تريد أن تحتل إسرائيل غزة، فإن مسؤولين أميركيين يرون ضرورة احتلال موقت حتى يتم التوصل إلى ترتيبات طويلة الأمد مع إسرائيل والشركاء الآخرين، علماً أن مسؤولين أمنيين وسياسيين أكدوا ما سبق وصرح به نتنياهو من أن تل أبيب تهدف إلى مواصلة سيطرتها الأمنية في المستقبل المنظور على القطاع.
معبر كرم أبو سالم والمساعدات الإنسانية
في جانب آخر من مواضيع بحث سوليفان في إسرائيل تأكيد ضمان توسيع تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة والتزام الكميات الكبيرة والمتفق عليها، إلى جانب فتح معبر كرم أبو سالم لضمان زيادة المساعدات الإنسانية.
أما الجبهة الشمالية، التي لم تكن على جدول لقاءات مستشار الأمن القومي الأميركي، إلا أن التصعيد الأمني الذي تشهده المنطقة في مقابل التهديدات الإسرائيلية والشروط التي تضعها تل أبيب للحل الدبلوماسي في المنطقة، دفع سوليفان إلى إدراج هذا الملف ضمن مناقشاته مع الإسرائيليين.
وقد وضعت إسرائيل شرطين، برأي مسؤولين، أنهما سيقودان إلى مفترق طرق يسرع حل المشكلة مع لبنان وهما:
– الاتفاق على إبعاد “حزب الله” إلى مسافة تتراوح ما بين خمسة وسبعة كيلومترات من المنطقة الحدودية مع إسرائيل، بما يضمن عدم الاقتراب من الحدود والقيام بمحاولات تسلل إلى داخل إسرائيل، كما يساعد على عدم إطلاق النيران من قبل الحزب على إسرائيل.
– أما الشرط الإسرائيلي الثاني فيتمثل بالتزام وضمانات بألا يعود “حزب الله” ويقيم نحو 100 موقع رصد ومراقبة تقول إسرائيل إن الحزب أقامها على طول المنطقة الحدودية، وقد هاجمها الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات التي شهدتها هذه المنطقة منذ اندلاع حرب “طوفان الأقصى”.
ويرى الإسرائيليون أن الشرطين يكمل بعضهما بعضاً ويشكلان جانباً من القرار الدولي 1701، الذي تعتمد الجهود المبذولة لحل دبلوماسي على الارتكاز عليه مع ضمانات لتنفيذه.
وسيوضح “الكابينيت” الحربي لسوليفان، وفق مسؤولين أمنيين، أنه إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية والضغوط السياسية، “فلن يكون هناك مفر من عملية عسكرية واسعة ضد لبنان”.
ونقل عن مسؤول سياسي مشارك في بلورة الموقف تجاه الجبهة الشمالية أن تل أبيب ترى أهمية في نقل موقفها وتصورها حول كل ما يحدث في الجبهة الشمالية والمواجهات مع “حزب الله” إلى شركائها الدوليين في إطار عملية دبلوماسية، في محاولة لتحقيق هدفها بإبعاد “حزب الله” عن الحدود أو تكون قد ضمنت شرعية لعملية عسكرية تخطط لشنها ضد الحزب في لبنان، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية.
وبحسب المسؤول السياسي الإسرائيلي، فإن عضو “الكابينيت” بيني غانتس أجرى سلسلة اتصالات مع رؤساء دول ووزراء خارجية الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وقادة دول عربية، لإجراء محادثات موسعة في شأن لبنان، ويفترض أن يكون غانتس قد أجرى محادثات، الخميس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
الموقف الذي نقله غانتس في محادثاته هو أن إسرائيل تفضل الحل السلمي وإبعاد مقاتلي الحزب عن الحدود، ولكن في حال استمرت الهجمات ولم تصبح الحدود خالية من مقاتلي “حزب الله” فلن يكون أمام إسرائيل سوى شن عملية عسكرية واسعة النطاق في الشمال.
أما الملف الذي يشكل نقطة خلاف كبيرة بين واشنطن وإسرائيل حول اليوم الذي يلي الحرب، فحتى وصول سوليفان، ما زال بنيامين نتنياهو، مدعوماً بعدد من الوزراء والمسؤولين، يرفض عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة أو أي علاقة لها بحل اليوم الذي يلي الحرب، خلافاً لموقف واشنطن، وهو موضوع سيواصل نقاشه وزيرا الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن المتوقع وصولهما، الأسبوع المقبل، إلى إسرائيل.
المصدر: اندبندنت عربية