زيادة الرواتب في سوريا.. مقدّمة لإصلاح اقتصادي أم قنبلة اجتماعية موقوتة؟

مختار الإبراهيم

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسوماً برفع الرواتب والأجور بنسبة 200% للعاملين في القطاع العام، في خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها استجابة عاجلة لوقف تدهور الأوضاع الاقتصادية للمواطنين. وفي حين رحّب موظفو الدولة بهذه الزيادة، عبّر كثيرون عن مخاوف من أن تكون مجرد تمهيد لإجراءات اقتصادية أكثر قسوة، قد تشمل رفع الدعم عن السلع الأساسية.

الخبير الاقتصادي حسن حيدر العيلي يرى أن الخطوة تحمل بعداً يتجاوز تحسين القدرة الشرائية، ويقول لموقع تلفزيون سوريا “غالباً ما تأتي هذه القرارات ضمن سياق متّصل بمفاوضات مع مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي، والتي تشترط عادة تحرير الأسعار ورفع الدعم كمدخل لأي تمويل أو قروض مالية. لكن التجارب الدولية أظهرت أن هذه الشروط قد تؤدي إلى كوارث اجتماعية إذا لم تُرفَق بسياسات حماية اجتماعية صارمة”.

في شوارع دمشق وطرطوس وحمص، يعبّر المواطنون عن قلقهم العميق من أي رفع في أسعار السلع الرئيسية، سعاد، ربة منزل من حي الزاهرة بدمشق، تقول: “نحن لا نطلب زيادة الرواتب فقط، نحن نطالب بالحفاظ على دعم الخبز والمشتقات النفطية، إذا ارتفعت أسعار الخبز، فماذا نطعم أطفالنا؟”.

أما أبو محمد، سائق سيارة أجرة في اللاذقية، يضيف: “رفع الرواتب لا يشملنا، نحن نعيش على الهامش، كل ما نكسبه يذهب للمحروقات والطعام، وإذا ارتفعت الأسعار أكثر، فلن يبقى لنا شيء”.
ويرى الخبير العيلي بأنه يتعين على الحكومة أن تعيد سعر ربطة الخبز إلى الحد الذي يسمح لأي مواطن بشرائها من دون أعباء مالية ضحمة، مع العلم أن الظروف المناخية القاسية التي شهدها الموسم الزراعي في سوريا تعد الأسوأ منذ نحو 60 عاما، ما من شأنه أن يضع حوالي 16,3 مليون إنسان أمام خطر انعدام الأمن الغذائي، وخاصة أن إجمالي إنتاج سوريا من القمح لهذا العام يقدر بـ200 ألف طن في حين كان بشكل عام يتجاوز 4 ملايين طن سنويا.

السنة سعر ربطة الخبز (المدعوم) تفاصيل الزيادة سعر ربطة الخبز
2011 15 ل.س السعر الرسمي قبل الحرب
2014 25 ل.س +67% أول زيادة بعد اشتداد الأزمة
2015 35 ل.س +40% استمرار تدهور الليرة
2016 50 ل.س +43% أزمة طحين ومشتقات نفطية
2020 100 ل.س +100% نتيجة أزمة كورونا والعقوبات
2021 200 ل.س +100% بعد رفع الدعم تدريجياً
2022 300 ل.س +50% إدخال “البطاقة الذكية”
2023 500 ل.س +66% تخفيض الكميات المدعومة
2024 1000 ل.س +100% دعم جزئي فقط عبر بطاقات إلكترونية
2025 4000 ل.س   السعر الحالي

يستشهد الخبير الاقتصادي العيلي بما حصل في تونس عام 1984، حيث أدّى قرار الحكومة برفع سعر الخبز تماشياً مع توصيات صندوق النقد الدولي إلى اندلاع احتجاجات عنيفة عُرفت باسم “ثورة الخبز”، اضطرت الحكومة لاحقاً إلى التراجع عنها.

وبالمثل حصل في الأردن، فقد تكررت موجات احتجاج عند رفع الدعم عن المحروقات والسلع الأساسية، ما دفع الحكومات إلى تبني برامج دعم نقدي مباشر للأسر الأكثر فقراً.

في حين طالت الزيادة موظفي القطاع العام، بقي القطاع الخاص خارج المعادلة.

زكريا، عامل في مصنع خاص بريف دمشق، يشعر بتجاهل الحكومة له ويقول:”الأسعار سترتفع حتماً، لكن رواتبنا باقية كما هي. من سيحمينا؟ نحن خارج حسابات الدولة، ومع ذلك نحن أكثر من يتأثر بأي تغيير اقتصادي”.

كيف نتجنّب الانفجار في سوريا؟ 

في ختام تحليله، يقدّم الخبير الاقتصادي حسن العيلي مجموعة من التوصيات التي يرى أنها ضرورية لضمان عدم تحوّل الإجراءات الاقتصادية إلى عبء اجتماعي كارثي على حد تعبيره، ومنها مثلا عدم رفع الدعم قبل بناء شبكة حماية اجتماعية فعّالة حيث يجب أن تسبق أي خطوات لتحرير الأسعار عملية تنظيم دقيقة للدعم المباشر، بما يشمل دعم العائلات الأكثر فقراً سواء في القطاع العام أو الخاص.

ويتابع العيلي كلامه لموقع تلفزيون سوريا بالتركيز على توسيع دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إذ ينبغي منح الوزارة صلاحيات وأدوات حديثة لتحديد المستحقين للدعم وتوصيله إلكترونياً وبشفافية، بعيداً عن الفساد أو المحسوبيات.

ويجب فصل ملف الدعم عن السياسات الشعبوية ضمن خطة إصلاح اقتصادية شاملة، وليس كردّ فعل على ضغط لحظي، ويجب إشراك المجتمع المدني في هذه الحوارات.

ويضيف أنه من الضروري دراسة تجارب الدول الأخرى بدقة والنظر بعين نقدية لتجارب تونس ومصر والأردن مع صندوق النقد الدولي، ومحاولة تفادي الأخطاء التي أدت إلى اضطرابات اجتماعية واسعة.

ويختم الخبير الاقتصادي بالقول “يجب ربط الرواتب بالتضخم وليس فقط بسعر الصرف وبالتالي فإن أي زيادة في الرواتب يجب أن تأخذ بالحسبان معدل التضخم الحقيقي، لا أن تُستخدم كأداة سياسية فقط”.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى