
منذ اندلاع الجولة الأولى من الحرب الإسرائيلية الإيرانية، برز السؤال عن موقف روسيا من هذه الحرب، ولماذا لم تسارع إلى مساعدة الشريك الإيراني الاستراتيجي (راجع “المدن”). وعلى الرغم من أن حقيقة عدم مبادرة روسيا لمساعدة إيران أصبحت وراءنا، لا يزال مطروحاً السؤال عن أسباب هذا الإحجام من قبل دولة تطمح لمكانة قطب عالمي، بعد أن فقدته. وعلى الرغم من الحرب التي تخوضها ضد أوكرانيا، يرى خبراء أن باستطاعتها تقديم مساعدة عسكرية، ولو رمزية، لترد على تهمة التخلي عن “الصديق في وقت الضيق”. فحبر معاهدة “الشراكة الاستراتيجية” مع إيران التي تم التوقيع عليها مطلع السنة الجارية لم يجف بعد، كما يقال.
لم يصدر عن روسيا الرسمية حتى الآن أي تبرير لموقفها هذا. وخلال زيارة وزير الخارجية الإيرانية إلى موسكو إبان الحرب الإسرائيلية، اكتفى بوتين بتذكير الوزير أن معاهدة الشراكة لا تتضمن بنوداً تلزم أحد الطرفين بمساعدة الطرف الآخر في حال تعرضة لعدوان طرف ثالث. لا بل وأشار إلى الإمكانية المتاحة لإيران بالتفاوض مع الولايات المتحدة، وهي المفاوضات التي توقفت على عتبة جولتها السادسة، واستخدمت الولايات المتحدة وإسرائيل الحديث عن حتمية عقدها، لإيهام إيران بأن موعد توجيه الضربة لها لم يحن وقته بعد.
روسيا لا تبحث عن تبريرات لعدم مساعدتها إيران، بل تبحث عن فسحة متاحة لتستعيد حضورها في الشرق الأوسط، الذي غيبته بصورة شبه كلية التطورات الأخيرة المفصلية في المنطقة. فالشرق الأوسط، شئنا أم اعترضنا، يدخل في مرحلة جديدة من تطوره: العصر الإسرائيلي بإشراف مباشر من الولايات المتحدة، وغياب أي حضور تقريباً لروسيا. ويرى البعض أن ترامب يبني حالياً أبراجه في المنطقة على أنقاض معاهدة سايكس بيكو، التي رسمت خريطة الشرق الأوسط الحالية. وكما في زمن سايكس بيكو، كذلك الآن، نقف متفرجين على ما يدور، وليس في مقدورنا أن نبدل في المشهد. وإذا كانت روسيا البلشفية قد كشفت خبايا سايكس بيكو واكتسبت في المنطقة صورة الداعم والمؤيد لحركة التحرر العربية من الاستعمار الغربي، ليس لديها الآن أي وسيلة للتأثير في التطورات المتسارعة في المنطقة التي تديرها الولايات المتحدة وإسرائيل.
في غضون سنة واحدة خذلت روسيا إثنين من حلفائها في المنطقة، الأسد وخامنئي. وإذا لم تستغل وقف إطلاق النار المؤقت في إيران لتزويدها ولو بمساعدة عسكرية رمزية، ستفقد استثماراتها الكبيرة في إيران، والأهم ثقة حلفائها المتبقين في إفريقيا وأميركا اللاتينية.
المساعدة الرمزية الروسية -سرب او إثنين من الطائرات المقاتلة (حسب خبير روسي بارز بالشؤون الإيرانية)- في حال حصولها، لن تغير في ميزان القوى بين إيران وعدويها. فالجولة الحتمية التالية من الحرب على إيران، ستبرز إختلال التوازن العسكري بشكل أكبر بكثير من الجولة الأولى. فحسب الأنباء الأخيرة، يعد البرلمانيون الأميركيون من الحزبين مشروع قانون يسمح للرئيس بتسليم إسرائيل القنابل الضخمة والطائرات الشبح العملاقة لنقلها، في إشارة إلى حتمية الجولة أو الجولات التالية في الحرب على مشروع إيران النووي. والإصرار الأميركي الإسرائيلي على الإطاحة بالنووي الإيراني، يلقى ترحيباً واسعاً في أنحاء العالم، الذي يرفض أن يحوز نظام الملالي على النووي، وهو المقدِس للموت ويزفه بشرى سعيدة.
في العودة إلى أسباب امتناع روسيا عن مساعدة إيران، سواء لعجزٍ أو لمصلحة، نشر موقع الخدمة الروسية في “الحرة” الأميركية في 27 المنصرم نصاً تحدثت فيه متخصصة بشؤون روسيا وأوراسيا عن الأسباب التي تعتقد أنها تقف وراء امتناع روسيا حتى الآن عن مساعدة إيران عسكرياً.
الباحثة في مركز Carnegie موسكو الذي يصدر حالياً في برلينDara Massicot، أشارت إلى أن بوتين صرح منذ مدة قريبة أن روسيا عرضت على إيران أجهزة دفاع جوي إضافية، لكن إيران لم تبد إهتماماً ملحوظاً بالعرض، حسب زعمه. وتشير إلى أنه لدى إيران أجهزة دفاع جوي من إنتاجها، لكن جزءاً منها دمرته الغارات الإسرائيلية السنة الماضية. وقبل العملية الإسرائيلية الأخيرة، لم يلاحظ أن إيران ألحت في طلب مساعدة روسيا.
طرحت “المدن” ثلاثة أسئلة على خبيرين أوكرانيين بشأن أسباب إمتناع روسيا عن مساعدة إيران عسكرياً، وهل لروسيا مصلحة في سقوط نظام الملالي، وما هو تأثير الصراع الإيراني الإسرائيلي على حرب روسيا ضد أوكرانيا.
المستشرق والمدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط الأوكراني Igor Semivolos رأى أن الصراع الإسرائيلي الإيراني قضية معقدة بالنسبة لروسيا. أولاً، بالنسبة لروسيا، تعتبر العلاقات مع إسرائيل استراتيجية، على الرغم من الخطاب السلبي الواضح ضدها.
ثانياً، كان الصدام المباشر مع إسرائيل، وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة ، يمثل خطراً شديداً على موسكو، وهو ما سعى بوتين إلى تجنبه. إن ما هو على المحك هنا هو أولوية القضايا بالنسبة لموسكو، التي رأت في عودة ترامب إلى السلطة فرصة لإنهاء الحرب الأوكرانية بشروطها الخاصة. ويرى أن الحديث الروسي عن نقص الموارد لمساعدة إيران، هو ذريعة مريحة لموسكو في الوضع الحرج الذي بدت فيه، والذريعة عينها تحججت بها روسيا لدى سقوط الأسد.
وعن السؤال ما إن كان لروسيا مصلحة في سقوط النظام الإيراني، قال المستشرق إن روسيا تستفيد من الوضع الذي تظل فيه إيران معزولة دولياً. ولإثبات مقولته هذه، يستشهد المستشرق بما ورد في موقع روسي معارض بشأن عمل المخابرات الروسية في إيران. إذ كانت تعمل لإحباط أي جهد إيراني للتقارب مع الغرب.
وعن تأثير الصراع الإيراني الإسرائيلي على حرب روسيا ضد أوكرانيا، أكد المستشرق وجود مثل هذا التأثير، إذا كان الحديث يدور عن الأسلحة والذخائر التي كانت الولايات المتحدة تمد أوكرانيا بها. ويسوق أمثلة ملموسة على ذلك بالصواريخ الضرورية لأجهزة الدفاع الجوي، وخاصة أجهزة “Patriot”، والتي حجبتها الولايات المتحدة عن أوكرانيا بحجة استخدام عدد كبير منها لحماية السماء الإسرائيلية أثناء الحرب مع إيران.
البوليتولوغ الأوكراني ورئيس مركز الأبحاث السياسية Vladimir Fesenko يرى أن السبب الرئيسي في امتناع روسيا عن مساعدة إيران، هو عدم رغبة بوتين في تراجع العلاقات مع ترامب. فالحفاظ على “حوار بنّاء” مع ترامب أصبح الآن أهم بكثير بالنسبة لبوتين من تقديم المساعدة لإيران.
وفي رده على السؤال ما إذا كان من مصلحة روسيا أن تصمد إيران في الحرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل، قال البوليتولوغ إن روسيا تستفيد من حالة عدم استقرار محدودة في الشرق الأوسط، والتي تبعد الولايات المتحدة عن أوكرانيا وتساهم في ارتفاع أسعار النفط. لكن من المستبعد أن يكون من مصلحتها سقوط نظام الملالي، لأنه سيؤدي إلى إضعاف موقعها في الشرق الأوسط.
وعن تأثير الصراع الإسرائيلي الإيراني على حرب روسيا ضد على اوكرانيا، رأى أن ليس من تأثير مباشر، لكن التأثير غير المباشر كان ملحوظاً وسلبياً إلى حد ما. وأكثر أوجه التأثير سلبية تمثل في تغير مسار أنظمة الدفاع الجوية من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط. كما تمثل أيضاً في إرتفاع أسعار النفط، مما شكل دخلاً إضافياً للخزينة الروسية تنفقه على الحرب ضد أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، فقد أدت الحرب في الشرق الأوسط إلى تحويل انتباه المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة، مؤقتًا، عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
المصدر: المدن