
كتب كرم شعار…”.
ما حدث ليلة أمس في ساحة سعدالله الجابري هو فضيحة موصوفة ومتعددة الأبعاد. ولكي لا ينبري أحد من المثقفين والأصدقاء ويحوّل الموضوع إلى مسألة ذائقة فنية، دعني أقول بشكل واضح. أكره الغالبية الساحقة من العمران الرسمي الذي تم بناءه في حلب أثناء عهد البعث والأسدين، ولا سيما في مركز المدينة. أكره العمارات الحكومية القميئة بين السبع بحرات والخندق، أكره القصر البلدي، أكره بناء متحف حلب الذي حل محل فيلا المتحف القديم الجميلة، وكانت على النمط العثماني المتوسطي المتأخر. أكره بناء فندق الشيراتون!
أكثر من ذلك، ولكي تصل الفكرة لذوي الذائقة الفنية النقدية، لو كنت في موقع مسؤولية على صعيد البلدية لكنت حاولت إقناع الناس بخطة عمرانية طويلة الأمد تشمل إزالة كل هذه الأبنية بالتدريج والعودة بمركز المدينة إلى النمط العمراني المرتبط بحلب خلال الأزمنة السابقة للبعث، (المملوكي/العثماني/الجمهوري المُبكر) ولكنت حاولت تقديم الدراسات وتجنيد الأموال وبناء القبول الشعبي لدعم وجهة نظري هذه. وكل هذا طبعاً بعد التصدي لمسألة الإسكان الأكثر أهمية، وإعادة بناء حلب الشرقية.
المسألة إذاً لا ترتبط بجمالية التمثال، ولا ترتبط أيضاً بمعنى التمثال وما المقصود منه، لا. لا. لا. المسألة ترتبط بالحق بالتصرف في الفضاء العام! وبطريقة التصرف في الفضاء العام.
هل هناك من الحلبيين من يعتقد أن هذا التمثال هو “صنم من عمل المشركين”؟ ربما لا أعلم لكننا بلا شك لم نكن نعبده!! هل هناك من الحلبيين من يعتقد أن هذا الصنم لا يمت بصلة لشهداء الاستقلال بل لقتلى جيش النظام في المجابهة مع الإخوان؟ نعم ومن الواضح أنهم موجودون اليوم في مراكز قرار. هل هناك من الحلبيين من يعتقد أنه بشع ولا يمت بصلة للهوية البصرية والعمرانية للمدينة؟؟ طبعاً أكيد، وأنا أعرف بعضهم. حسناً: فليقدّم هؤلاء أفكارهم وليخوضوا معركة لكسب رئاسة وعضوية مجلس بلدية حلب، وعندما يفوزوا بغالبية أصوات الحلبيين، فلينفذوا ما يريدون!! وحبذا لو ينفذوا ما يريدون بشكل لائق لا ينعكس سلباً عليهم هم قبل أي أحد آخر، لأن طريقة كسر التمثال الرثة يوم أمس هي فضيحة بحق المحافظة وأصحاب المسؤولية قبل أي أحد آخر.
طبعاً في حال توفر التفويض، سيظل هناك معترضون وأصحاب أراء مختلفة لكن الفعل على الأقل سيكون ذو شرعية شعبية!! أما بدون انتخابات وبدون نقاش عام، فصدقاً، من أعطاكم الحق؟ هل تعتقدون بالفعل أن شكل الفضاء العام لواحدة من أعرق وأهم مدن العالم هي مسألة تُبت في الكواليس وعلى غفلة بين كم مسؤول معين لا نعلم ما خبرته أو كفاءته في التخطيط العمراني وكم مستثمر مجهول، وكفا الله المؤمنين القتال؟! هكذا!؟ هل تحتقرون الناس والرأي العام لهذه الدرجة؟ هل كنتم تعتقدون أن الناس ستصغي وتقول لكم سمعاً وطاعة كما العبيد أو الجهلة؟ هل هذه وجهة نظركم عن الحكم الرشيد؟ هل هكذا تختلفون عن النظام البائد؟!
وأخيراً وليس آخراً، ألا تستحي المديرية العامة للآثار والمتاحف أن تبرر نقل التمثال بحجة حجب الشاشة التي وضعها المستثمر؟! عفواً يبدو لديكم سوء فهم على صعيد اختصاصكم. هل مهمة المديرية العامة للآثار والمتاحف، هذه المؤسسة العريقة التي صنعت لسوريا إرثاً وطنياً فريداً على صعيد التنقيب والترميم والتأريخ، هل مهمتها مراعاة المستثمر أصلاً؟! من أنتم حقاً؟ ما هي خبراتكم وكيف تفهمون مجال عملكم؟ نعم، نحن نعرف أن التمثال ليس من الآثار القديمة، لكن يبدو أنكم أنتم الذين لا تعرفون أن شاشة المستثمر أيضاً ليست كذلك!
المصدر: صفحة معقل زهور عدي