-إذا كان تطور وتحديث الوطن الذي يدعي حكامناأنهم يقومون به سيقضي على تاريخنا وإنسانيتنا ويقهرنا فلاحاجةلنابه- إياس
إنني من الذين يكرهون تلخيص النصوص الروائية حين أتصدى لكتابة بعض الملاحظات النقدية عما يقع بين يدي منها لأنها وفي كثير من الأحيان تشوهها وتسلب منا متعة قراءة تلك النصوص من المصدر ، حتى أنها تبدو لي كمن يشاهد مقاطع قصيرة من فيلم سينمائي أراد منتجه أن يروجه لجمهور الفرجة، لذا سأخوض في موضوع رواية بيلان للأديب السوري د.موسى عباس
مباشرة لأقف عند بعض لوحاته ورؤاه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في نصه ،والتي تشكل في النهاية معرضا من الصور التي تعكس حياة
سكان مريبط بشافيةو تشرع بابا لندخل منه إلى تاريخ حضارة امتدت آلاف السنين ليمثل أمامنا بواقعه متمثلا بأحفاده الذين صورهم لنا الكاتب بواقعية وكأننا عشنامعهم أحلامهم وتشردهم وخيباتهم وأوجاعهم ، متكئا في سرده على الموروث الشعبي لسكان تلك المنطقة البسطاء الطيبون العاشقون لأرضهم وماحوته من أشياء، ورافضا جميع صوره البالية وعلى رأسهاظاهرة الثأرالعشائري.،راصدا من خلاله الحالة الاجتماعية وانعكاسات سياسات النظام البعثي و انقلاب سنة 1970وتداعيات بناء سد الفرات على الظروف الاجتماعية لتلك المنطقة ، ورغم نقده لذلك المجتمع فإن القارئ يلمح لدى الراوي حنينا دفيناوعشقا أبديالذلك المكان الذي غمرته مياه بحيرة سد الفرات سنة 1973…ومعه جزيرة الأمير التي يأمها بعض السياح ، وسكان الوطن لايعرفون شيئا عنها بسبب إهمال الدولة للسياحة في تلك البقعة الجعرافية الجميلة من سوريا.
ورغم ادعاء دولة البعث بأنها تهتم بالوطن
من خلال تبشير الأهالي بالمشروع الرائد وانعكاسات مياه بحيرة السد على حقولهم ،فإن الروائي يكشف زيف شعاراتها وكذب
ما ادعته، إذحين اقتضت مصلحه النظام الاقتصاديه القضاء على تاريخ المنطقه لم تهتم بالإنسان المتجذرمنذ آلاف السنين بمريبط وما يحيط بها من قرى ،اقتلعتم من منبتهم الأصلي وغمرت أرضهم بماء السد لتذر بعضهم يهيم في مدينة الرقة وأطرافها ،وآخرين هجرتهم إلى الشمال السوري وكل ذلك من أجل بناء
سد الفرات وبحيرته التي بشروا بعطاياها الكثيرة وأن المنطقة ستغدو بعد انتهاء البناء جنة أرضية، حيث المزارع والمساكن النموذجية التي تنتظرهم بعد انتهاء المشروع الرائد الذي لم ير النور، ليتضح بعدها أن النية كانت مبيتة سلفا من دولة البعث لتهجير السكان من منطقة مريبط إلى الشمال في محاوله لئيمة للتغيير الديموغرافي للتركيبة السكانية ،وليتبين أن الدولة لا يهمها أحد وإن خسر السكان الأرض ومعها التاريخ حيث غمرتهما مياه بحيرة
سد الطبقة كما يسميه أهل المنطقه رفضا
لتسمية الدولة له بسد الثوره الذي سبب تشردهم وقهرهم وخذلانهم.
لقد استطاع الروائي أن يغوص عميقا داخل شخصياته موظفا اختصاصه في علم النفس ليكشف للقارئ أحاسيسها ومشاعرها وأحلامها تجاه واقعها المريض ومعاناتها في مأساة التهجير والقهر الذي لاقته من الدولة حيث انتقل جل ناسها من أصحاب للأرض إلى عمال وفلاحين عند ملاك أراض أو أبنية في مدينة الرقة ومحيطها ،ومن خلال السرد يتبين للقارئ مهارة الروائي في نقل الواقع الاجتماعي والسياسي المعيش من جهه وتعريته نظام الحكم بعد عام 1970 وفضحه لممارساته القمعية للشعب من جهة، وجاء ذلك بأسلوب شفاف بعيد عن المباشرة والتنظير عبررموز جسدتها مواقف شخصياته من أهالي القرية،كموقفهم من
تعيين الدولة مختارا لقريتهم ومقاطعتهم له ،واللجوء في حل مشكلاتهم إلى أحد وجهاء القرية…أو من خلال مواقف شخصيته الرئيسة حسينوه سواء في اعتراضه على قرارات الوفد الحكومي المرسل من الدولة لإبلاغهم الأوامر بالترحيل والدعاية للمشروع الرائد ، أو من خلال تصديه لرئيس مخفر الشرطة وصدامه معه وإذلاله كونه رمز للسلطة الظالمة لأبناء جلدته ، وكذلك موقفه الصدامي مع عمال المدينة ومتعهدي البناء في مدينة الرقة،
والكاتب يرصد هنا صورة من صور الوعي الفطري عند ابن تلك المنطقةالذي لايقبل الذل والظلم الباحث عن عالم تسوده العدالة والكرامة والحرية، ولكن قوى الجهل والظلام تغتاله أمام أعين الجميع ليموت قتيل ثأر عشائري لا ذنب له به.وهكذا نرى أن د. موسى رحوم عباس حاول في نصه ((تأريخ ما هرب منه التاريخ الرسمي)) حيث تحدث عن آلام ومعاناة الناس الذين قهرتهم دولة البعث وغمرت أراضيهم بالمياه ولكنها لم تستطع طمر تاريخه بطمي الفرات الذي لايزال يسقي أرضا لينبت فيها زرعا عميق الجذور خالدا في تربتها كخلوده.
ولاننسى تلميحات الكاتب إلى موضوع تدين الناس في تلك المنطقة البسيط المتسامح والمتعايش بحب مع بقية الفئات الدينية الأخرى ولاسيما الأرمن واحتضانهم ورعايتهم واعتباراهم عنصرا من عناصر نسيجهم الاجتماعي .
لقد كانت بيلان كما قال عنها كاتبها:((انحياز للوجع والألم في مواجهة حادة مع الاستلاب…..وحفرا تحت السطح في عمق الوعي الفردي والجمعي..))
إن ما رسمه الروائي في نصه من خلال رموزه و تلميحاته كان رصدا للتحول الذي أحدثه بناء سدالفرات والآثار التي نجمت عنه وتبيانا لصورة النظام البعثي الذي يحكم البلادمنذ السبعينيات ولايزال بمزيد من القهروالظلم والإجرام، وستبقى مريبط تاريخا لن يغيب عن الذاكرة، كما بيلان نصا روائيا حيا يعيش في وجدان الأجيال.
رواية “بيلان” للدكتور “موسى رحوم عباس” قراءة نقدية أدبية للرواية من الكاتب “إياس اليوسف” الرواية ترصد الحالة الاجتماعية وانعكاسات سياسات النظام البعثي و انقلاب سنة 1970وتداعيات بناء سد الفرات على الظروف الاجتماعية لمنطقة الغمر “مريبط بشافية” مع حنين دفين وعشق أبدي للمكان الذي غمرته مياه بحيرة سد الفرات سنة 1973…ومعه جزيرة الأمير التي يأمها السياح .