قراءة في رواية: ذائقة الموت

أحمد العربي

.أيمن العتوم روائي أردني قرأنا له روايتين سابقا وكتبنا عنهما، روايته ذائقة الموت تعتمد طريقة “الخطف خلفا”، حيث يبدأ بنهاية الرواية اولا ثم يعود ليقدم الحدث الروائي من البداية.

.البداية من قرية “ام الكروم” والطفل الصغير “واثق” يتعايش مع عائلته التي تعمل في الفلاحة والزراعة، عالمه يمتلئ باخته “سمية” التي تكبره بسنة واحدة، وجدته التي تحبه وتعامله بتميز، وجده الذي يهتم بأخته سميه، وكذلك والده ووالدته. لكل من هؤلاء في نفسه تأثير ودور في طفولته وشبابه.الطفل واثق يعي نفسه يذهب مع جده وجدته إلى الحقل مع اخته سميه ومشاركتهم أعمالهم، اخته سمية متميزة ونشيطة ومتفوقة في كل شيء، تظهر أكبر من سنها، تقوم بالمطلوب منها على أحسن وجه، متفوقة في أعمال الحقل والبيت والمدرسة، تنتاب واثق الصغير مشاعر مختلطة اتجاهها من الحب والغيرة والحسد و الحب والافتخار، يتذكر صعوده معها إلى الجبال المطلة على أرضهم القريبة من البلدة. وكيف واجهت “الحية” -أفعى- فقتلتها وحرقتها، سمية ستملأ عالم واثق بكل شيء عظيم ولكنها ستصاب بمرض يجعلها تذوب ولا يتمكنون من علاجها ومن ثم تموت، موتها الذي سيحفر في نفسية واثق ألم ومعاناة وفقدان، يتعايش واثق مع تجارب أخرى قاسية ومؤثرة. فوالده يمثل صياد الليل لكل وحوش الجبال وحيواناتها وطيورها. غزلان وطيور ذئاب وضباع؛ يصطادها في الليل حيث الناس نيام، صنع الأب لنفسه سمعة ودور اجتماعي كصياد ماهر ويعطي أهل القرية من صيده وما تجود به الجبال، عاش واثق في صغره تجربة صيد والده لمجموعة من الذئاب وغيرها كبطل يخرج من أعماق المستحيل، عايش واثق حسرة موت أخته ومن ثم جدته؛ التي كانت الصدر الحنون الذي حضنه وميزة وأعطاه الثقة والاحساس بالاهميه والتفوق، لكنها ستموت ايضا وتزرع في نفسه غصة أخرى، الموت المتواتر لاحباب واثق من طفولته ومابعد، سيخلق في عقله ووجدانه أسئلة فلسفية ووجودية؛ عن الحياة والموت والوجود ماقبله ومابعده ومصير الكائنات الحية، وهل هناك حياة ما بعد الحياة وكيف تكون ؟، وكيف نعيشها ؟، وهل يموت الأموات ؟، أم يبقون في نفس وعقل ووجدان الآخرين ؟، كما سيعيش واثق غياب أخته وجدته والآخرين لاحقا، سيكبر واثق في المدينة ويدرس بها بعد أن غادرها مع عائلته، التي هربت من ذكرياتها ومعاناتها من أجل ابنتهم سمية، يتفوق في دراسته، لكنه سيكون وحيدا لا أصدقاء له، الكل مهتم باللعب وتصرفات الاطفال اما واثق فهو منشغل بكتبه واي كتاب يصل ليده، سيجد بالقراءة والثقافة نافذته على العالم والكون بكل تفاصيله. سيحس أنه معزول ومنعزل عن الآخرين ممتلئ بمعرفته المتراكمة، سيجد بزميله “جمال” صاحبا وحيدا في سنوات دراسته الأخيرة، يتعايش معه في كل الأمور ويتجاوز وحدته ومعاناته، لكن سرعان ما سيفقده حيث يلتحق بجامعة مختلفة عن جامعة واثق ويعود وحيدا، سيدخل واثق فرعا جامعيا علميا، لكنه سيستمر  مواظبا على القراءة لكل كتاب يصل ليده وخاصة الروايات ويحلم بأن يكون كاتبا في المستقبل، سيعاني واثق دائما من وحدته وقلة الأصدقاء، لكنه سيتعرف أخيرا على “لؤي” طالب  في الجامعة له ذات الميول الثقافية والقراءة والاهتمام نفسه، يتعايش معه و سيخرج من عزلته ويتبادل معه وجهات نظره في الدنيا والحياة والمجتمع، كما سيتعرف واثق على “منى” طالبة جامعية في يوم ماطر تحت مظلة ويقدم لها سترته لتواجه البرد والمطر الذي أصابها، ستدخل في قلبه حبا قويا، سيكتشف أنه يفتقد للحب، ويفتقد لمنى كحبيبة دخلت قلبه ولن تغادره، سيبحث عنها كثيرا وسيصل إليها بعد سنة،  سيذكرها به ستتفاجأ من اندفاعه واعلانه بحثه عنها و حبه لها، تتريث منى قليلا لكنها تبادله الحب. لقد وصل واثق الى مرحلة الامتلاء النفسي، يقرأ دائما، ويكتشف العالم أكثر، وله لؤي صديق حقيقي، و منى حبيبة تملأ عليه حياته، ومع ذلك سيكتشف أن هناك شيء ناقص في حياته؛ إنه الإحساس “بالكرامة الوطنية” -والزمان في تسعينيات القرن الماضي-، حيث يتابع واثق وزملاءه الطلاب ومن بينهم لؤي ما يحصل  من عدوان (إسرائيلي) على غزة و لبنان و عدوان أميركي على العراق، حيث الحصار وتدمير البنى التحتية والملاجئ وسقوط الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ، سينفجر داخل واثق الاحساس الوطني العام وضرورة مواجهة الأعداء ولو بالكلمة، و مطالبة الحكام اتخاذ المواقف المناسبة، سيظهر من واثق الدور القيادي العام، وقدرته على التعبير عن وجدان الجماعة ومعاناتها بالخطابة أو الشعارات المصاحبة للاعتصامات والمظاهرات المنددة، سيظهر في واثق الشخصية القيادية المخططة، سيبدأ عملهم بالتظاهر والاعتصام، سيلفت عملهم نظر السلطة لهم، و سيبدؤون بمواجهة واثق ومجموعته، ويعاملونهم بصفتهم خطرين على الأمن القومي، يلاحظون دور واثق القيادي والمحوري وسيصلون رسائل له ولوالده لعله يرتدع، ويصل الأمر للاعتقال لفترة محدودة بداية لعله يرتدع ومجموعته، لكنه سيعاود نشاطه بعد الاعتقال مخططا لمظاهرات واعتصامات ونشاطات منددة بالعدوان والساكتين عنه من الدول والحكام، لكن السلطة لن تسكت عنهم هذه المرة ايضا و ستهاجم مكان اعتصامه، وتعتقل حوالي المئة منهم وعلى رأسهم واثق ولؤي، وسيركزوا الضرب والاعتداء على واثق ويعتقل ويحول للمشفى، ومن ثم للمعتقل، وليستجوب ويتهم هو وزملاءه بالتآمر على البلاد والتعامل مع دول معادي،. سيفرج عن الأغلب في مرحلة التحقيق الأولى ويحتفظ بمن يعتبر مديرا وقائدا للحراك وعلى رأسهم واثق ولؤي، سيعاني واثق والآخرين في مرحلة الاعتقال كثيرا؛ تعذيب شديد وتجويع وانتهاك للكرامة،  تلغى انسانيتهم بالكامل، سيضعون في زنازين تحت الأرض لفترات طويلة، بقصد قتل روح المواجهة والتحدي والتفكير بالشأن العام ايضا، وبعد ذلك سيتحولون الى المحاكمة و وللسجن ايضا، في السجن ستبدأ حياة جديدة بالنسبة لواثق ولؤي وبقية الطلاب،  حيث يوضعون في مهجع المخدرات “والتفجيريين” حيث مدني المخدرات وأصحاب قضايا التفجير، سيعاني واثق وزملاءه من التعامل مع المجموعتين، فطول الوقت والاحتكاك سيسبب مشاكل ستؤدي لصدام بينهم جميعا، والاهم معاناة مجموعة واثق نفسها، فالبعض احس ان ما يعيشونه أسوأ مما توقعوا، والبعض احس انه تورط، والبعض بدأ يتورط بالارتباط مع التفجيريين وعقلهم المغلق وأفكارهم الجهادية التكفيرية، أو الحشاشين المتورطين بجميع أنواع الموبقات؛ من تعاطي المخدرات واللواطة..الخ،  وهذا سيسبب معاناة مضاعفة عند واثق الذي يعتبر نفسه -ويعتبرونه هم- قائدا لهؤلاء الطلاب ومسؤولا أخلاقيا على الأقل عن ما أصابهم، ستزداد معاناة الطلاب بالسجن أكثر حين تصدر احكام السجن عليهم جميعا وتكون جائرة، واقصاها الحكم سنتين على كل من واثق ولؤي، سيكون السجن امتحان قاسي للكل، احدهم يسقط اخلاقيا مع الحشاشين والاخر يلتحق بالتكفيريين، والباقين يقعوا ضحية صراعات الطرفين الحشاشين والتفجيريين ، التي ستؤدي لقتال حقيقي وجرحى ومصابين و زج بزنزانات وتعذيب ومعاناة عامة، وبعد ذلك سيقتل احد التفجيريين زعيم الحشاشين وسيحاكم ويحكم بالاعدام وينفذ الحكم به داخل السجن، سيكشف واقع الحشاشين وكيفية وصول المخدرات لهم واستفادة بعض ضباط الشرطة من ذلك،  وسيظهر ان هناك شبكة مصالح ترعى هذه الظاهرة وتنميها داخل السجن وخارج،. سيبدأ إطلاق سراح البعض ويعاني لؤي من وضعه و سيكتشف أن سبب مشكلته علاقته مع واثق ويقاطعه، وهذا سيجرح واثق الذي عانى من وحدته داخل السجن اكثر من سجنه،  وأن بعض زملائه ضعف أمام امتحان الاعتقال والسجن وتنكر للمبادئ التي ناضلوا من أجلها،  يعتمد واثق على حبه لمنى وأمله بأنها لن تتخلى عنه، يكتب لها من السجن وعبر سنتين واربع اشهر مئة رسالة تقريبا، يبث لها حبه وما يعانيه وما يفكر به؛ منى التي كانت قد وطدت علاقتها بواثق قبل اعتقاله، واعترفا بحبهما وتعاهدا على الاستمرار به حتى النهاية، منى ستواجه من اهلها وان هذا الحب فاشل وان هذا الشاب يقودها للهلاك، لكنها لن تتنازل عنه، وهو رغم إصابته وهروبه من المشفى بعد اعتقاله، ذهب إلى بيتها والتقى بوالدها وطلبها للزواج، فعل مجنون لمحب استجاب له أهلها عبر الاستهجان والاستغراب، ستستمر منى بحبه و تزوره في السجن و تقنع اهلها انها لن تتخلى عنه، ستصاب منى بالسرطان      ؛وستخبر واثق بمرضه، وستعود لواثق معاناته من لوعة موت كل من يح؛. خسارته لأخته اولا ومن ثم جدته وسيزداد لوعة بموت والدته وهو سجين  ايضا، وسيحاول أن يحضر جنازتها ويرفضوا، وينقض على رقبة الشرطي الذي يرفض طلبه ويعضها، وسيحاكم مجددا ويسجن اربعة اشهر اضافية للسنتين المحكوم بها اصلا، سيعاني من جفاء وعدوانية لؤي قبل إطلاق سراحه، وسيعلم بمعاناة حبيبته منى مرضها بالسرطان وقرب وفاتها ايضا ، واثق الذي كان قد فقد صديقه جمال الذي التقى به بعد ابتعاد عن بعضهم فترة الدراسة الجامعية، و يذهبان في رحلة الى خليج العقبة ويسبح صديقه هناك ويغرق وسيعاني من لوعته ايضا، تجربة واثق مع الموت تجعله يحس قربه منه ومن أحبته، الذين سيرحلون وراء بعضهم وآخرهم سيكون حبيبته منى، التي ستموت وهو في سجنه، و سيفصل من جامعته ايضا،،لقد قررت السلطات القضاء على مستقبله،  ومنع أي فرصة له أن يجدد نشاطه المضاد لهم بعد خروجه من السجن،
.سيخرج واثق من السجن ولا يوجد امامه الا هدف واحد أن يذهب لزيارة قبر امه وحبيبت،. وليصل لهناك و ليتمدد بجوار قبر حبيبته ويموت، لقد قرر أن يلتقي بها. لكن في العالم الآخر

.
.هنا تنتهي الرواية.

.في قراءة الرواية نقول:

.هذه الرواية مليئة بصور اقرب للخيال الروائي منها لحقائق الحياة، وذلك لخدمة فكرة الرواية؛ سواء عن الحياة والموت، أو عن الحب، وذلك لا يعيب الرواية بحد ذاته؛ ولكن نحس من موقع القارئ وكأن هناك أحداث تصطنع لأجل ذلك؛ أو تصطنع الاحداث من اجل ذلك.

.الرواية تغوص في عالم الاهتمام بالشأن العام، من جانبه الوطني العام تجاه العدو الخارجي، وهذا ظهر مقتطعا عن شمول الشأن العام داخل مظلومية مجتمعية واستبداد سياسي، ولذلك لم يكن مقنعا بما فيه الكفاية، وهنا نتساءل هل لا يدرك الكاتب ذلك.؟. نستبعد نحن ذلك. أم أن هناك “تقية” من الكاتب بدرجة ما.؟!!.

.الرواية تمر على تجربة الاعتقال السياسي أيضا كعبور وليس كموضوع مركزي، وهذا مهم لكنه غير كافي، لم يحصل الاعتقال.؟. وما هي ظروفه وتداعياته على المجتمع والسلطة والمعتقلين أنفسهم؟، كنا نحتاج لوضوح ذلك بحسب ما يتسع المجال، وهناك موضوع متمم للاعتقال والسجن؛ ما الظرف العام المجتمعي والسياسي المرافق والمؤدي لظاهرة التفجيريين والحشاشين وغيرهم .؟.

.الرواية تركز على حب الثقافة وكأنها بديل عن  ممارسة الحياة؛ رغم كونها إحاطة بالحياة ودليل عيش سوي فيها، وتركز على الحب وكونه بديل وجودي لما يعيش المحب، رغم أنه كمال في الوجود بالنسبة لإنسان صاحب رسالة يمثل الحب ذروته.

.اخيرا. الرواية سلسة، ولغتها متأنية، يتصرف الكاتب وأنه صائغ متفننا بها كقطعة مجوهرات، تنير جانبا مهما في الحياة، وهنا تكمن جدتها وأهميتها.

10.9.2017

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “ذائقة الموت” للروائي الأردني “ايمن العتوم” قراءة جميلة وتعقيب واقعي على النص من قبل الأخ “احمد العربي” الرواية تغوص في عالم الاهتمام بالشأن العام، من جانبه الوطني العام تجاه عدو خارجي، وشمول الشأن العام داخل مظلومية مجتمعية واستبداد سياسي .

زر الذهاب إلى الأعلى