كشف موقع مدى مصر (مستقل) عن وجود ميل داخل دوائر صناعة القرار السياسي في مصر بالسماح لأعداد من الفلسطينيين للانتقال إلى سيناء في حال أجبرهم العنف الإسرائيلي غير المسبوق والحصار الشامل الذي فرضته على القطاع على ذلك.
وذكر الموقع أنه استقى معلوماته من مصادر حكومية وأمنية ودبلوماسية مصرية مقربة من دوائر صنع القرار في مصر، وآخرين دبلوماسيين أجانب يعملون في القاهرة وواشنطن، وباحثين مقربين من أجهزة سيادية.
خطوة أولي
وذكر الموقع أن عدد من وكالات الأنباء نشرت أخبار عن بدء عملية إجلاء الفلسطينيين من غزة اليوم، بعد موافقة إسرائيل على عدم استهداف مسارات خروجهم عبر معبر رفح من غزة إلى مصر، التي انتهت بدورها من نصب كتل خراسانية به للتحكم في الحركة حال التواصل إلى توافق.
وأوضح الموقع أن خطوة الإجلاء تعطلت بعدما أصرت مصر أن يكون السماح بعبور الأجانب (بينهم فلسطينيين من حاملي الجنسية الأمريكية) من معبر رفع مقابل السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
ووفق مدى مصر، حاولت الولايات المتحدة في المقابل الضغط في هذا الشأن، وألمحت أمس إلى أنها تدرس خيار إجلاء الأجانب عبر البحر، لكن مصر أصرت على موقفها، والذي تعتبر أنه ضروري للمساعدة في تخفيف حدة أي نزوح محتمل.
أمام هذا الإصرار، يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة اضطرتا للموافقة، وينتظر الإعلان عن اتفاق يشمل إجلاء الأجانب والسماح بدخول المساعدات إلى غزة في وقت لاحق اليوم.
وبحسب الموقع المصري فإن الاتفاق المبدئي الذي توصلت إليه مصر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بمشاركة قطرية يمثل خطوة أولى في نقاش أوسع يتواصل سرًا وعلنًا في حال أجبرت الحرب الإسرائيلية جموع من فلسطيني القطاع على النزوح إلى مصر.
ضغوط خارجية
ولفت الموقع إلى أنه حتى الآن، يظل الموقف الرسمي المصري المُعلن رافضًا بشكل قاطع لسيناريو نزوح فلسطيني جماعي رغم الضغوط الشديدة التي تواصلها الدول الغربية عليها، لكن مقاومة الضغوط المتواصلة ليست بهذه السهولة.
وذكر أن طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي ألقت منشورات تحذير في أرجاء شمالي قطاع غزة تطلب منهم المغادرة إلى جنوب القطاع.
وفي وقت سابق أمس، قالت الأمم المتحدة، إن الجيش الإسرائيلي أبلغها أن على كافة سكان شمال القطاع مغادرته إلى الجنوب خلال 24 ساعة، وتقدر الأمم المتحدة أعداد من تشملهم المهلة بأكثر من مليون شخص.
من جانبها، قررت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) نقل عملياتها إلى جنوب القطاع
وتحاول إسرائيل نقل هذه الضغوط إلى مصر، فقد طالب الجنرال الإسرائيلي، أمير أفيفي، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتحدث إلى الرئيس المصري من أجل فتح الحدود والسماح للمدنيين الفلسطينيين بدخول سيناء، وذلك في مقابلة على تليفزيون “بي بي سي” أمس.
حوافز مالية
ووفق الموقع فقد هرولت مختلف الأطراف للتعامل مع المعطى الذي فرضته إسرائيل أمرًا واقعًا لا يمكن لأي منهم زحزحته، فتحاول أمريكا والاتحاد الأوروبي الضغط على مصر من أجل قبوله، وتساهم دول عربية مختلفة فيه.
وذكر مدى مصر أن مختلف الأطراف الدولية ناقشت مع مصر حوافز مختلفة لها مقابل قبول أي حركة نزوح فلسطيني تتوقعها مختلف الأطراف باتجاه سيناء.
وأضاف أنه يُفترض أن تحصل مصر على مجموعة من المساعدات المادية هي في أشد الحاجة إليها وسط أزمة اقتصادية خانقة ومعدلات تضخم هائلة، لكن تلك التفاصيل لا تزال قيد النقاش.
وأوضح مصدر دبلوماسي يعمل في واشنطن أنه على الرغم من أن مصر لا تتطلع على الإطلاق لاستضافة فلسطينيين، لكن إذا اضطرت لهذا، لا بد أن يكون هناك تعويض مالي ما”.
ونقل الموقع عن مصدر حكومي رفيع قوله “أنت تواجه وضعًا ماليًا شديد الصعوبة والتعقيد، الدائنون كثر والأعباء مرتفعة جدًا والآن لديك عرض لتقليص حجمها بشكل كبير وشطب نسبة كبيرة من الديون”، فلم لا إذًا؟
مخاوف مصرية
وعلى الرغم من التقدم الذي حققته المفاوضات فيما يتعلق بعبور الأجانب في انتظار الإعلان عن استكماله، تظل مسألة السماح لأعداد كبيرة من الفلسطينيين للانتقال إلى سيناء تحمل الكثير من الحساسية السياسية والثقل التاريخي.
وأوضح الموقع أن التفاصيل لا تزال خاضعة لمفاوضات شاقة لم تنته حتى الآن، مشيرا إلى أن مقاومة مصر الضغوط الخارجية يرجع لعدد من العوامل.
وتابع أن “العامل الأكبر عامل أمني، إذ تختلف الآراء داخل دوائر صنع القرار المصري، حول طرق استيعاب النزوح الفلسطيني المحتمل”.
وأشار إلى أن المنطقة الوحيدة المتاحة لتسكين الفلسطينيين فيها هي المنطقة العازلة على الجانب المصري من الحدود مباشرة بعمق خمس كيلومترات، لكن هناك تخوفات من القدرة على استيعاب عدد كبير من الفلسطينيين في مساحة محددة كهذه، وما قد يعنيه هذا من تداعيات على سيطرة مصر على حدودها الشرقية بشكل فعلي.
إلى جانب هذا، فإن هذه المنطقة هي التي أخلتها الحكومة المصرية من سكانها في رفح المصرية خلال السنوات الماضية، ويُقدر عددهم بحوالي 100 ألف شخص، في إطار معركتها ضد تنظيم “ولاية سيناء”.
وتعرضت الحكومة المصرية لضغوط كبيرة الأشهر الماضية للسماح لسكان رفح بالعودة إلى أراضيهم، بعد أن اعتصموا في أغسطس/آب الماضي، ووعدتهم بالعودة في موعد أقصاه 10 أكتوبر/تشرين أول الجاري، قبل أربعة أيام، وهو ما لم يتحقق بالطبع.
ولهذا يقترح البعض داخل الأجهزة المعنية بالسماح للفلسطينيين بالتوزع حول محافظات مصر، وهو اقتراح لا يلقى قبولًا واسعًا.
قنبلة أمنية موقوتة
وذكر الموقع أنه حتى إذا لم يغادر الفلسطينيون القطاع، فإن مجرد نزوح الفلسطينيين من شمال غزة وانتقالهم إلى جنوبها قريبًا من الحدود المصرية يمثل لمصر “قنبلة أمنية موقوتة”، بحسب أحد المصادر الأمنية.
أسباب هذا الميل تتعلق أولًا بمعطيات الأمر الواقع. إذا تحرك مئات الآلاف من الفلسطينيين تجاه سيناء، بينما تدمر إسرائيل القطاع، وبالتالي لن يصبح أمام مصر سوى السماح لهم بالدخول.
وفي هذه الحالة، لم يعد السؤال حول ما إذا كانت مصر ستستقبل الفلسطينيين في حالة نزوحهم. الأسئلة الآن هي كيف، ومتى، وتحت أي شروط، بحسب تعبير أحد المصادر الحكومية.
وبحسب مصدر أمني تحدث للموقع فإن أحد التقديرات يشير إلى احتمالية أن يصل العدد الإجمالي للفلسطينيين المحتمل نزوحهم خلال الحرب الإسرائيلية من القطاع إلى حوالي 300 ألف شخص.
وعلق المصدر قائلا “لا يمكننا السماح لكل الـ300 ألف بالدخول.. [لكننا] سنضطر لإدخال البعض».
بحسب تقديراته، قد يبدأ الأمر بعدة آلاف قد ترتفع لاحقًا إلى 50-60 ألفًا، “لكن لا ينبغي السماح لأكثر من 100 ألف”
وأضاف أن كل هذا يخضع بالطبع لـ”حسابات دقيقة وحساسة” هذه الحسابات لا تزال تقديرية، وترتبط بتطورات الوضع الميداني وحجم الدمار الذي تسببه إسرائيل خلال الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من أن مصر تأمل في ألا يطول بقاء الفلسطينيين في حال نزوحهم أكثر من بضعة أشهر، إلا أن احتمال تمكنهم من العودة إلى غزة سيكون ضئيلًا، بحسب أحد الباحثين المقربين من أجهزة سيادية، والذي أوضح أنه لن يُسمح لهم بمغادرة المنطقة العازلة سوى للمغادرة إلى دولة أخرى، في حال عدم تمكنهم من العودة.
رفض فلسطيني
وذكر الموقع أنه حتى الآن لم يبد الفلسطينيين أي دلائل على اعتزامهم النزوح نحو مصر وترك أرضهم، ونقل الموقع عن مصدر مصري حكومي رفيع قوله إلي أنه حتى هذه اللحظة، لم نشهد أي محاولات نزوح فلسطينية جماعية باتجاه الحدود المصرية، رغم القصف الإسرائيلي غير المسبوق.
وأشار المصدر ذاته «حقيقة أن هذا هو واقع الأيام الستة الماضية يشير إلى أن الفلسطينيين لا يريدون مغادرة غزة.. لا يريدون إجبارهم على نزوح آخر إلى خارج فلسطين”.
ورغم الحصار الإسرائيلي الخانق الذي شمل قطع إمدادات المياه والطعام والكهرباء والوقود عن القطاع بأكمله، إلا أن عددًا من الفلسطينيين يتخوفون من حرمانهم من حق العودة إلى غزة، كما حدث معهم مرارًا طوال العقود الماضية.
في هذا الصدد، قال طارق بقعوني رئيس مجلس إدارة شبكة السياسات الفلسطينية “الشبكة” ومؤلف كتاب “احتواء حماس: صعود وتدجين المقاومة الفلسطينية”: أن الخيار الإنساني العادل الوحيد هو التهدئة ووقف العدوان الإسرائيلي على سكان غزة، معقبا “لم يعد الأمر متعلقًا بالانتقام”،
وتابع باقوني “لكنه الآن استكمال للجهود الإسرائيلية لتنفيذ خطط قديمة لطرد الفلسطينيين من غزة”.
ولهذا، بحسب تعبيره، فإن “الحديث عن ممرات إنسانية دون أي ضمانات للعودة لا يمثل سوى تأييد لنكبة ثانية للفلسطينيين وتواطئًا مع تطلعات الإسرائيليين للتطهير العرقي للفلسطينيين”.
المصدر: الخليج الجديد