“ربما يكون لانفراج العلاقات بين إيران ومصر أثر في مساعدة حكومة طهران المحاصرة اقتصاديًا، والتي تزعزعها الاحتجاجات الشعبية على تعزيز مكانتها الإقليمية”.
هكذا يخلص تقرير لمعهد دول الخليج في واشنطن، لافتا إلى أن مصر تعد أفضل رهانات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لتعزيز العلاقات التي يمكن أن تخفف من شدة العزلة التي تواجهها حكومته.
ويضيف: “من المؤكد أن العلاقات الإيرانية التي تتم استعادتها، سواء مع مصر أو غيرها، سوف تبقى رهينة لسياسة إيران الخارجية على النطاق الأوسع، والتي يشوبها الخلاف مع الغرب والبرنامج النووي الذي يزعزع الاستقرار”.
وتعد مصر واحدة من الدول العربية القليلة التي لا تحتفظ بسفارة لها في طهران، ومع ذلك، فإن مكاتب المصالح التي تمثل البلدين يترأسها حاليًا دبلوماسيون كبار من كلتا الدولتين.
وتشير رسائل الدبلوماسيين من كلا الجانبين إلى أن التقدم في العلاقات إلى المستوى التالي قد يكون ممكنًا.
قال عضو بارز في البرلمان الإيراني في 14 مايو/أيار، إن هناك مفاوضات سرية بين إيران ومصر، استضافتها بغداد، وأنهما على وشك عقد صفقة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وأخبر فدا حسين مالكي، الذي عمل سفيرًا لدى أفغانستان بين عامي 2007 و2012، وكالة “تسنيم” الإيرانية، أن لقاء رئيسي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصبح مؤكدًا، لمتابعة إعادة فتح السفارتين في العاصمتين.
والأهم من ذلك، قال المرشد الأعلى لإيران في اجتماعه يوم 29 مايو/أيار مع سلطان عُمان هيثم بن طارق، الذي زار طهران، إنه يرحب باستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر وإيران، ما من شأنه أن يزيد من احتمالية تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران بعد عقود من التوتر.
من جانبها، أعلنت الحكومة المصرية مؤخرًا أنها تعتزم اتخاذ الترتيبات اللازمة للإيرانيين المسافرين في مجموعات سياحية للحصول على تأشيرات حال وصولهم إذا كانت لديهم الرغبة في زيارة شبه جزيرة سيناء.
وفي الأشهر الأخيرة، حسب التقرير، قام المسؤولون الإيرانيون، من باب الذريعة نوعًا ما، بإثارة المصالحة مع مصر كوسيلة لبناء التماسك والوحدة في العالم الإسلامي.
وفي الوقت الذي يتهم فيه منتقدو إدارة رئيسي فريقه الدبلوماسي بعدم الكفاءة وقلة الخبرة، يبدو أن وزارة الخارجية تستفيد من الزخم الناتج عن الصفقة الناجحة مع السعودية، على الرغم من أن هذا الاتفاق، في غالبيته، تم التوصل إليه من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي.
وفي فبراير/شباط، قال وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، إنه تم فتح صفحة جديدة في علاقات إيران مع دول المنطقة، ووصفها بأنها جاءت نتيجة لمبادرة التآزر الإقليمي لرئيسي.
وأضاف قائلاً: “سيتم حل سوء التفاهم، وسيتم تعزيز علاقات إيران مع دول المنطقة، بما في ذلك مصر والأردن”.
وتابع في مايو/أيار، أنه يأمل في رؤية “انفتاح جاد” في العلاقات الثنائية، مشيرًا إلى أن هناك دولًا تعمل على تحسين العلاقات بين طهران والقاهرة.
وبلغت صادرات إيران إلى مصر في عامي 2021 و2022 نحو 6.92 ملايين دولار، و5.08 ملايين دولار على التوالي.
فيما بلغت صادرات مصر 994 ألف دولار و1.42 مليون دولار على التوالي.
وتعد مصر الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان حيث تستورد القمح الأكثر أهمية، وقد واجهت تحديًا خطيرًا بسبب الأزمة في أوكرانيا.
بينما تسعى إيران إلى تجاوز العقوبات الأمريكية والتصدير إلى الدول المجاورة، وتعد مصر فرصة جيدة جدًا لتصدير السلع الاستهلاكية.
كما يمكن لمصر الحصول على بعض السلع الاستهلاكية، بموجب شروط الحظر الإيراني.
كما تمثل السياحة حوالي 10-15% من الاقتصاد المصري، وتوفر ملايين الوظائف، في وقت ينجذب السياح الإيرانيون إلى مصر من خلال مقابر الشيعة الشهيرة، مثل مقبرة الإمام الثالث للشيعة، وضريح مالك عشتار الجنرال الشهير للإمام الأول للشيعة.
تعود انطلاقة العلاقات في العصر الحديث إلى عام 1939، عندما تزوج وريث عرش إيران محمد رضا بهلوي من الأميرة فوزية، ابنة الملك فؤاد الأول سلطان مصر والسودان، الأمر الذي وفر تناغمًا ملكيًا عزز العلاقات الثنائية.
وعلى الرغم من أن طلاق الشاه من فوزية بعد 9 سنوات أدى إلى حدوث قطيعة دبلوماسية، إلا أن العلاقات عادت بعد ذلك بوقت قصير.
وفي عام 1960، قطعت القاهرة العلاقات الدبلوماسية مع طهران بسبب اعتراف الشاه بإسرائيل في وقت سابق.
ومرت 10 سنوات من الاضطرابات قبل أن يسترجع البلدان العلاقات بينهما.
وأصبح أنور السادات رئيسًا في عام 1971، وبدأ شراكة ودية جديدة مع الإمبراطورية الإيرانية، عندما أرسلت الثورة التي قادها آية الله العظمى روح الله الخميني الشاه إلى المنفى، منحته مصر الخاضعة لحكم السادات ملاذًا آمنًا.
وأثار قرار مصر بالترحيب ببهلوي، إلى جانب إبرام اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في العام التالي، غضب الإسلاميين، الذين غرسوا عداوة جديدة ضد إسرائيل في السياسة الخارجية الإيرانية.
وفي الوقت الذي دعا فيه الخميني الشعب المصري للإطاحة برئيسه، كان السادات والخميني يمطران بعضهما بانتقادات لاذعة على الملأ.
كما أن الرغبة المناهضة لإسرائيل نفسها، التي دفعت ناصر لقطع العلاقات مع إيران عام 1960، دفعت الخميني لاتخاذ قرار قطع العلاقات مع مصر عند توليه السلطة.
وأدى احتفال إيران باغتيال السادات، ودعم مصر فيما بعد لصدام حسين عند غزوه لإيران في عام 1980، إلى تعميق العداء المتبادل، وعلى الرغم من بعض محاولات التقارب المتفرقة في السنوات التالية، لم يتم تحقيق أي تقدم في عهد حسني مبارك، الذي حكم مصر لمدة 3 عقود.
واستمرت مكاتب المصالح الصغيرة ذات الصلاحيات المتواضعة، وعدد محدود من الموظفين في العاصمتين بتمثيل البلدين دبلوماسيًا، ولم تتغير هذه الطبيعة الخلافية للعلاقات بين البلدين.
وقدمت سلسلة التغييرات الثورية في العالم العربي والإطاحة بمبارك في عام 2011 فرصة للتحول، قام الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بزيارة إلى طهران في أغسطس/آب 2012 للمشاركة في قمة حركة عدم الانحياز، ليصبح أول زعيم مصري يزور إيران منذ عام 1979.
ورد الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد الزيارة التاريخية بالسفر إلى القاهرة في فبراير/شباط 2013، وأعلن البلدان عن اتفاق مبدئي لإعادة فتح سفارتيهما، بل وطرحا اقتراحًا لاستئناف الرحلات الجوية المباشرة لأول مرة منذ ثلاثة عقود.
ومع ذلك، لم تتحقق هذه الخطط على أرض الواقع، ربما لأنه لم يكن لدى الحكومة الإيرانية خارطة طريق متجانسة للسياسة الخارجية، والأرجح أنها تعثرت بسبب الانقلاب الذي قاده السيسي في مصر، وأعاد توجيه سياسة البلاد تجاه إيران.
لكن حكومة السيسي تحاشت على مر السنين تبني أجندة صارمة بشكل مبالغ فيه، مناهضة لإيران، والتي كان من الممكن أن تدعمها ميولها المعادية للإسلاميين.
ويختتم التقرير بالقول: “بالنسبة لإدارة رئيسي، مع استعداء إيران للكثير من المجتمع الدولي، ومواصلة المواجهة مع الغرب والإصرار عليها، فإن التطلع لإصلاح العلاقات مع القوى في العالم العربي، واستعادة العلاقات بالكامل مع القاهرة سيكون أمرًا منطقيًا، ويبدو أن هذا يمنح طهران بعض المجال للمناورة في طموحاتها الإقليمية”.
المصدر: الخليج الجديد