تزداد المؤشرات السلبية بشأن أزمة مصر الاقتصادية، خاصة أن العملة المحلية في أسوأ حالاتها، في حين يجد الرئيس، عبد الفتاح السيسي، نفسه أمام تحد يتعلق بقدرته على اتخاذ وتنفيذ قرارات صعبة، قد تغير من تركيبة المنظومة الاقتصادية في البلاد، وخاصة دور الجيش فيها، بحسب تحليل نشرته مجلة “ذي ناشينونال إنترست”.
ويقول التحليل إن هذا تدهور الوضع الاقتصادي في مصر بدأ عندما دخلت القاهرة في موجة إنفاق كبير، واقترضت الأموال للإنفاق المسرف على الأسلحة والمشاريع العملاقة والبنية التحتية. وما عمق المشكلة، بحسب التحليل، توسع دور الجيش في الاقتصاد بشكل كبير، مما أدى إلى خنق القطاع الخاص وتثبيط الاستثمار الأجنبي المباشر.
أزمة لم تبدأ اليوم
يقول كاتب التحليل، ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنه منذ انتخاب السيسي، في 2014، تضاعف الدين الخارجي للدولة بأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى ما يقرب من 160 مليار دولار. وهذا العام، سيتم تخصيص 45 في المئة من ميزانية مصر لدفع الدين الوطني.
أما التضخم فيصل إلى نسبة 30 في المئة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي بأكثر من 60 في المئة.
ويشير التحليل إلى أن التدهور “ليس خطأ السيسي لوحده”، إذ زادت جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا من الضغط على الاقتصاد المصري، فتراجعت مساهمة السياحة بـ12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفعت أسعار السلع الأساسية وفي مقدمتها القمح.
ورغم أن السعودية والإمارات قدمتا 22 مليار دولار العام الماضي كاستثمارات وودائع للبنك المركزي المصري لتغطية العجز الحكومي المتكرر وتحقيق الاستقرار في الوضع المالي في القاهرة، إلا أن ذلك فشل في وقف الأزمة.
وفي ديسمبر الماضي، وقعت مصر اتفاقاً مع البنك الدولي، والتزمت بتعويم العملة والحد من دور الجيش في الاقتصاد. وتم تعويم الجنيه المصري وانخفضت قيمته بنسبة 50 في المئة حتى الآن. لكن السيسي لم ينفذ بعد تعهده بالحد من سيطرة الجيش على ما يقدر بنحو 30 إلى 40 في المئة من الاقتصاد.
ويشكك صندوق النقد الدولي في التزام السيسي بتهميش الجيش فعليا من الاقتصاد المصري. وكان من المقرر إجراء المراجعة الأولى في البرنامج الذي يمتد لأربع سنوات في 15 مارس، لكن صندوق النقد الدولي أجل التقييم إلى أن تحرز القاهرة تقدما في الخصخصة.
وتدين مصر بالفعل بمبلغ 23 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدولة ستفي في نهاية المطاف بالتزاماتها المرهقة تجاه الصندوق.
ويوضح التحليل أن ليس هناك ما يشير إلى أن القاهرة ستغير نهجها في الإنفاق، في وقت يكافح المصريون العاديون لتغطية نفقات العيش، ويواجه ما يقرب من ثلث السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، يكسبون أقل من 3.80 دولار في اليوم، صعوبة في ذلك.
وتضررت الطبقة الوسطى بشدة، إذ منذ تولي السيسي السلطة، وخسر الجنيه المصري ما يقرب من 80 في المئة من قيمته مما قضى فعليا على مدخراتهم، إذ أن باتت مواد غذائية أساسية مثل الخبز والأرز واللحوم أغلى.
مصر ونوايا الإصلاح
ويقول المحلل السياسي المصري، علي رجب، بأن مصر تواجه أزمة، “لكنها متراكمة منذ عقود”، بحسب تعبيره.
وفي حديث لموقع “الحرة” يقول رجب إن مصر تعاني تباطؤ اقتصادي لذلك كانت بحاجة إلى معالجة هذا الترهل في البنية التحتية.
ومع ذلك، فإنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها مصر وضعا مماثلا، بحسب رجب، الذي يقول إن مصر عاشت نفس الوضع في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت آنذلك خارجة من حرب 73 وفي أسوء حالاتها، لكنها تخطت الأزمة، بحسب تعبيره.
ويقر رجب أن الكثافة السكانية و”وجود عدد من القادمين من بلدان تشهد حروبا مثل سوريا واليمن” يزيد الضغط على الموازنة المصرية، ويضاف ذلك إلى انعكاسات الحرب في أوكرانيا على اقتصاد مصر.
وعن دور الجيش المصري في الاقتصاد، يشير رجب إلى أنه تم الإعلان مؤخرا عن طرح شركات تابعة للقوات المسلحة في البورصة وهي خطوة تؤكد على حسن نوايا الدولة المصرية تجاه دعم المستثمريين.
ويشير رجب إلى أن الأزمة عالمية وتشهدها دول كبرى بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، لذلك فهي غير مرتبطة بالإنفاق على مشاريع البنية التحتية.
في المقابل، يخلص تحليل المجلة إلى أن السيسي “قد يتراجع في الأخير، ويتبنى إصلاحات صندوق النقد الدولي، ويوقف مسار مصر الانحداري”، لكن رغم ذلك “يرتبط النجاح بتغيير كبير للمسار، وإلا فإن مصر قد تشهد احتجاجات عفوية، وزيادة الجريمة، والمزيد من هروب رؤوس الأموال، وتصاعد القمع”. ومثل تونس ولبنان، “قد يحاول المصريون الهجرة، إما بشكل قانوني أو غير قانوني”، عبر القوارب إلى أوروبا.
المصدر: الحرة. نت