أيها السوريون: كل يوم وأنتم إلى النصر أقرب

رأي الملتقى

يهل عيد الفطر المبارك، وشعبنا الصامد الصابر تجتمع عليه النوائب والمصائب بالجملة، لها أول، وما لها آخر، ولم تحل على شعب آخر في هذا العصر، باستثناء بعض الشعوب الشقيقة، كالعراق واليمن ولبنان التي تتشارك وتتقاسم معنا الظروف القاسية والعيش المرير، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

كوارث اقتصادية، أوصلت الملايين إلى حافة الفقر والجوع والهلاك، وجائحة وبائية، تهدد بإبادة من بقي من شعبنا لانعدام الرعاية الطبية، وكوارث إنسانية واجتماعية ناجمة عن استمرار القتل والقتال، من جانب نظام العصابة التي تتغذى على دماء السوريين كلهم. وحروب دولية، على أرضنا لا تعد، ولا تحصى، بعد أن أمست (سورية الأسد) بهمة العصابة واستهتارها، ساحات مفتوحة لتصفية الحسابات بين المحتلين، وتوزيع الغنائم، دونما إرادة، أو رأي، أو دور لأصحاب البلد الشرعيين.

الأخطر والأدهى والأمر أن شعبنا المسحوق بين رحى العصابة المتسلطة، ورحى الدول الأجنبية المحتلة يتوقع المزيد من هذه الجائحات والنازلات، ويعلم كما يعلم العالم أن البلد ينهار يومًا بعد يوم كسفينة كبيرة تغرق تدريجيًا بجميع ركابها، بينما العصابة التي تقودها تتصارع على اقتسام الثروات المنهوبة من جيوب السوريين، وأقواتهم، وعرق جباههم، بطريقة لا تختلف عن تصارع عصابات المافيا والجريمة المنظمة. ويمعن كلا الطرفين في النهب، والاجرام، ورهن البلد لصالح الدول الطامعة التي تحمي الطرفين.

لقد مر على شعبنا تسعة عشر عيدًا منذ أن انفجرت الثورة المباركة، بقدر الله وقدرته، ضد نظام شمولي طغياني (توتاليتاري) لا مثيل له منذ انهيار نموذج الخمير الحمر في كمبوديا، وهو يعيش في ظل أوضاع مأساوية لم يشهدها تاريخ العالم إلا في أحيان نادرة سادت فيها الهمجية والبربرية وفرضت شريعة القوة والغاب على الاجتماع الانساني، والحضارة. لقد حرم شعبنا خلالها من أبسط عناصر الحياة الطبيعية، والطمأنينة والأمان، وحرم أطفالنا من التعليم والرعاية والفرح والحلم، ولكنه رغم ذلك ما زال يستقبل رمضان بفرح، ويستقبل العيد بفرح، تعبيرا عن إرادة حياة لا تقهر، ولا تتميز بها إلا الشعوب الحية العظيمة التي هزأت طوال تاريخها بالغزاة والطغاة وهزمتهم.

إن شعبنا السوري رغم تزاحم الكوارث والنوائب والمآسي التي يرزح تحتها لم ولن يصل إلى اليأس والقنوط، ولم ولن يستسلم لإرادة أعدائه، مهما بلغ جبروتهم وتوحشهم. بل إنه ما زال واثقًا بوعد الله وعدله، يستمد أمله بالمستقبل من إيمانه به، ويستمد يقينه بالنصر من يقينه بأن نصر الله واقع، ليس له دافع.

 إن هذا الإيمان عامل رئيسي من عوامل قوة السوريين وصمودهم، جعلهم مزروعين في أراضيهم كالجبال الراسخات، ومنتصبين وجباهم عالية كأشجار الزيتون والصفصاف والسرو والحور. وما زالوا يتزوجون ويتكاثرون (6 – 7 مليون مولود بعد الثورة الى اليوم) لحفظ جنسهم وجينهم وهويتهم، ولن تستطيع إيران، ولا روسيا وعصاباتهما وفلول الأسد ومرتزقته أن تبيدهم أو أن تنزع بلادهم منهم، أو أن تقتلعهم منها.

العيد التاسع عشر بعد الثورة مناسبة أخرى ومستمرة لغرس الأمل، وصنع الفرح والتفاؤل والثقة بالنفس، لأن الفرح والأمل سلاحان فعالان من أسلحة المقاومة، لا غنى عنهما. ووسيلتان ضروريتان للبقاء والحفاظ على الحياة والنوع والجنس. وليس بلا معنى أن الله أمرنا بالفرح والأمل، وجعل القنوط واليأس كفرا به عزّ وجلّ، وليس بلا معنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان دائمًا بشوشًا متفائلًا واثقًا بنصر الله.

يا شعبنا السوري البطل لقد صمد وصبر أجدادكم 700 عامًا تحت حكم الروم ثم طردوهم وانتصروا، وأعادوا لسورية بهاءها وهويتها، وأصبحت عاصمة الدولة الاسلامية الثانية التي امتدت من الهند إلى الجزيرة الايبيرية. وصمدوا في وجه الافرنج والصليبيين، ثم اقتلعوهم، وصمدوا في وجه التتار وتخلصوا منهم، وتعرضوا لثلاث غزوات فارسية لم تحقق شيئا، وها هي الغزوة الرابعة تشارف على الاندحار، ودخلوا تحت حكم العثمانيين 400 عامًا ثم استقلوا، وخضعوا للاحتلال الفرنسي 25 عامًا ثم أجلوها عن ترابها.

 لقد زال كل الغزاة وبقيت سورية، تتجدد بعد كل محنة، وتتألق بعد كل كارثة. وسقط كل الطغاة والمستبدون، وبقي السوريون أحرارًا مرفوعي الجباه والرؤوس.

أيها السوريون جميعًا بكل طوائفهم وأطيافهم وأجيالهم، وفي كل مغترباتهم المؤقتة الإن سورية بخير،  ونحن بخير ما دمنا واثقين بنصر الله ، فكل عام ، وكل يوم ، ونحن بإذن الله إلى النصر والحرية أقرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى