قراءة في رواية : الشمس تغرب من الشرق || ج١ المنفى + ج ٢ النسر-

أحمد العربي

صدرت رواية الشمس تغرب من الشرق بجزئيها المنفى والنسر عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول للكاتب سمير الياس حداد. وهو مهاجر سوري مستقر منذ عقود في أمريكا. عمل في الإخراج السينمائي والتلفزيوني لأكثر من عقد، كما عمل في مجال الموضة لثلاثة عقود. استوقفته موجات اللجوء السوري والتدمير والمآسي التي عاشها الشعب السوري بعد اندلاع ثورته في ربيع عام ٢٠١١م. شاهد ذلك في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. استرجع مع صديقه المخرج السينمائي الكرواتي كريستيان ذكرى فيلم أخرجاه سوية يتحدث عن ماحصل في اوربا بعد الحرب العالمية الثانية وحال الناس المأساوي المؤلم…

قرر المؤلف أن يستعيد ذاكرته وخبرته وجمع المعلومات حول ما حصل في سورية خاصة بعد الثورة وقرر أن يكتب هذه الرواية شهادة منه على الحدث الأهم في هذه العقود ثورة الشعب السوري عام ٢٠١١م وما تبعها من عنف النظام وبطشه بالشعب واستدعاء القوى الخارجية دعما للنظام ومع الثورة ولو ادعاء والنهاية الكارثية لذلك على السوريين بعد سنوات عدة من الثورة كما وثقها الكاتب…

عاد الكاتب في سرده الروائي الى سوريا في سنوات الاستقلال بمسح عام لكل ما حصل في سوريا سياسيا ومجتمعيا عبر أكثر من نصف قرن. مزج ذلك مع الخوض عميقا في الواقع الحياتي لبلدة تابعة لحمص اسمها المشرفة أعاد تسميتها في الرواية بإسم قطنا، داخلا في عمقها العائلي والديني والمجتمعي…

تبدأ الرواية من بلدة قطنا التابعة لمحافظة حمص السورية في أربعينات القرن الماضي. حيث كانت قطنا بلدة زراعية واهل البلدة اغلبهم مسيحيون، يعملون بالحصة – مرابعة – في ارض البلدة التي كان اشتراها إقطاعي مسيحي لبناني من ضابط عثماني عام ١٩٢٠م قبل مغادرته سوريا بعد سقوط الدولة العثمانية واحتلال سوريا من قبل الفرنسيين.

 عائلة سابا المكونة من ثلاثة اخوة يقود أعمالهم أخاهم ايليا المتميز بحكمته وشهامته وعدالته. عامل الإقطاعي عماله الزراعيين بكثير من القسوة والظلم. مما جعل ايليا يصطدم مع الإقطاعي ويواجه نصرة لفلاح مظلوم. مما كلفه نفيا عن البلدة لمدة سنة، أثّرت عليه وعلى عائلته. لكنها أظهرته نصير المظلومين من أهل بلدته. تزوج ايليا من فتاة من بلدته زواجا ثانيا بعد وفاة زوجته الأولى التي كانت انجبت له طفلتين. كان ككل أهل زمانه ينتظر الابن الذكر الذي يحمل اسمه. أنجبت زوجته ابنا اسمه ماهر، ولكنه توفي بعد سنتين وحملت زوجته  ثانية وأنجبت ابنا اعطوه نفس الاسم لأنهم لم يعلنوا وفاة ماهر الاول في النفوس. كبر ماهر مدللا بين اهله وعندما أصبح في سن الدراسة أدخله والده في المدرسة، وكان مصاحبا لمن هم أكبر منه سنا، مما جعله ضحية مضايقة وإساءة من زملائه. لكنه كان نبيها ومتفوقا، بحيث غطى تفوقه على صغر عمره.

 على المستوى العام في بلدة قطنا باع الإقطاعي أرضه  إلى إقطاعيين آخرين كانوا اسوأ من الاول، واستمر التعامل تحدي وندية من ايليا وأهل البلدة اتجاههم . لكن ذلك سيتغير منذ حكم أديب الشيشكلي وبعده عبد الناصر وحصول الإصلاح الزراعي وتوزيع أرض البلدة على فلاحيها .

وعلى مستوى سورية كانت قد حصلت عدة انقلابات في سوريا بعد الاستقلال وألغت الحكم النيابي الديمقراطي. أولها صنعه حسني الزعيم ثم سامي الحناوي وبعد ذلك أديب الشيشكلي. الذي ترك البلاد وغادر إلى أمريكا اللاتينية في الخمسينيات من القرن الماضي. ولم تمض سنوات على رحيل الشيشكلي حتى حصلت الوحدة المصرية السورية عام ١٩٥٨م. لم يكن الموقف من الوحدة ومن عبد الناصر واحدا، فقد كان اغلب اهل قطنا من المسيحيين وأغلبهم من أنصار الشيوعيين، لم يقبلوا بالوحدة، كانوا يرونها تسلطا مصريا على سوريا. ويرونها استبدادية، لقد ارعبهم المكتب الثاني -المخابرات- حيث تم اعتقال بعضهم. لذلك كانوا فرحين جدا عندما حصل الانفصال عام ١٩٦١م. عكس بلدات اخرى بما فيها حمص المدينة كانت ترفض الانفصال وخرجت تتظاهر ضده. هذا أول موقف يُظهر في الرواية ان هناك اجماع طائفي مسيحي ضد الوحدة وضد عبد الناصر ولو أنه ظهر بلبوس شيوعي – على الأقل في بلدة قطنا – . لم يدم حكم الانفصال كثيرا حتى حصلت حركة ٨ آذار ١٩٦٣م التي أسقطت الانفصال وأظهرت سيطرة حزب البعث بقيادته العسكرية عبر الثلاثي العلوي محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد. أوضحت الرواية أن الهوية الطائفية العلوية للنظام ظهرت منذ بدء حركة آذار، وعبر سنوات تمركزت السلطة بيد صلاح جديد وحافظ أسد وانتهت في انقلاب عام ١٩٧٠م لتكون مؤبدة لحافظ الأسد ثم ابنه بشار بعده.

كبر ماهر في أجواء عائلية محبة ومهتمة، كان والده ايليا نموذجا للوجه الاجتماعي المحبوب والناجح في حل أغلب الخلافات التي تحصل في البلدة وجوارها ايضا. كبر ماهر وانتقل للدراسة الاعدادية والثانوية في حمص حيث تابع دراسته هناك. وبعد حصوله على البكالوريا. قرر والده إرساله إلى أوروبا لتعلم الطب. كان قد احب احدى فتيات بلدته، لم يستطع أن يلتزم معها بعودته وزواجه منها. ذهب إلى يوغسلافيا. التي يأتي عليها زمن وتنقسم لدول متعددة، استقر في كرواتيا. عاش ماهر هناك تجارب مختلفة، احب زميلته  التي عاهدته على الزواج لاحقا عندما يتمكن لكن ذلك لن يحصل، كما ان حبيبته الاولى تزوجت بعدما عرفت بعلاقته مع زميلته الكرواتية. حصل ذلك بحكم سفره الدائم إلى سوريا وتغيبه الكثير. بعد مضي سنوات على دراسة ماهر الطب اكتشف أن هواه أقرب ليكون مخرجا سينمائيا. تعرف في ذلك الوقت على كريستيان المخرج الكرواتي، درس الإخراج السينمائي وعمل فليما مشتركا ناجحا مع صديقه كريستيان. ..

عاد ماهر بعد تخرجه الى سوريا وبدأ يعمل ليثبت شهادته في سوريا وسجل في نقابة الفنانين وتوظف في التلفزيون السوري . تعب حتى حصل على مايريد. كان يعاني من المحسوبية والواسطة، أدرك الظلم السياسي استبداد وطائفية وهيمنة الجيش والأمن المكون أغلبه من العلويين على كل مقدرات الناس والدولة والمجتمع. بعد توظيفه في التلفزيون، اكتشف أنه مُهمل وأنه وعبر سنوات لم يستطع أن يشارك باخراج اي فلم او عمل درامي. حاول أن يقنع المسؤولين باستيراد افلام كرتون من أوكرانيا ولم ينجح.

في هذه الاثناء كان قد اعتقل قريبه بسبب علاقته مع حزب العمل الشيوعي، واستمر اعتقاله لسنوات. لا يرى الكاتب معارضين في سوريا غير الإخوان المسلمين وغيرهم من الاسلاميين المدانين عنده بشكل دائم. دون أي تقييم أو تبرير، أنه يكفي ان تكون إسلامي حتى تكون مرفوضا ومشبوها ومدانا ؟!!. كما يرى اضافة للإسلاميين المعارضين يوجد حزب العمل الشيوعي وذكر عابرا الحزب الشيوعي المعارض المسمى المكتب السياسي. وكأن سوريا لم تعج بكثير من المعارضين من كل الالوان العقائدية، اعتقلت واطُّهدت وعانت من النظام …

لم يستطع ماهر التكيف مع البطالة الإجبارية التي عاشها. لذلك قرر السفر إلى الخارج مجددا. عاد الى كرواتيا وهناك عمل بالإخراج السينمائي مع صديقه كريستيان، واستمر يزور سوريا بأوقات متباعدة، لم يقطع مع عائلته ابدا.

تتالت السنوات على عائلة سابا توفي اعمام ماهر تباعا كان آخرهم والده. في هذه الفترة الزمنية كانت الدولة قد أخرجت أهل قطنا منها. واعطتهم أرضا غيرها جوارها. وبنوا عليها بيوتا جديدة. لقد تمت أعمال بحث عن آثار من قبل الدولة في قطنا القديمة التي تبين أنها كانت مبنية على مدينة قديمة وجدت منذ آلاف السنين.

استمر ماهر العيش بين كرواتيا وأمريكا حيث تردد على هوليوود شارك في أعمال سينمائية كثيرة. حصل على أثرها على الجنسية الأمريكية. كان ماهر واحدا من سلسلة كبيرة من مسيحيي قطنا قبله وبعده الذين ما أن يكبروا حتى يهاجروا الى امريكا. وكانت امريكا تقبل هجرتهم. وهذا مؤشر على الاختيار الأمريكي للمسيحيين المشرقيين الراغبين في الهجرة. يقول الكاتب ان مسيحيي قطنا كانوا قبل عقود ثمانين بالمئة من قطنا أما الآن فهم لا يتجاوزوا العشرين بالمئة.

استمر ماهر يعمل في الإخراج السينمائي بين كرواتيا وهوليود. ويتردد على سوريا التي بقيت فيها أمه وشقيقته وولديها وزوجها الذي اعتقل لسنوات واستمر بالعيش والعمل في سوريا في كازية كان قد أنشأها والده قبل عقود…

جاء مستجد الثورة السورية وخروج الشعب المظلوم على النظام في ربيع عام ٢٠١١م. تفهم ماهر هذا الحراك وكان يراه جرأة تستحق الاهتمام والدعم. لكن كان يخاف عليها من بطش النظام الذي كان قد قتل عشرات الآلاف ايام حراك الإخوان المسلمين والوطنيين الديمقراطيين ضد النظام في ثمانينات القرن الماضي. وان ادعاءات الرئيس الابن الذي جاء بمسرحية استلام وتسليم وراثية. بعد وفاة حافظ الأسد عام ٢٠٠٠م. وادعاء التجديد والإصلاح والتي انتهت باعتقالات جديدة، على اثر ما سمي ربيع دمشق…

 حاول النظام الالتفاف على مطالب الثورة، بالحرية والعدالة والديمقراطية. فشل في إنهاء الحراك الشعبي السلمي، لذلك اعتقل الناشطين وأطلق الإسلاميين الجهاديين من السجون ليربك الثورة بالاسلمة والتسلح واعتماد العمل العسكري المسلح ضده. اعتمد النظام العنف ضد الشعب وثورته وجعل السوريين كلهم تحت التهديد والنار إن لم ينصاعوا له حسب شعار الأسد أو نحرق البلد. وهكذا لم تسلم بلدة قطنا ولا الاحياء المسيحية فيها. رغم اعلان وجهائهم ورموزهم الدينية الحياد تجاه ما يحصل في سوريا ؟!!. مع ذلك وصل إليهم الضغط والحصار والاعتقال والتهديد… مما جعلهم يسارعون الى الهجرة والهرب من سوريا…

 يتابع الكاتب هجرة ابن أخت ماهر من سوريا عبر البحر من سوريا لتركيا ومنها عبر البحر مع احتمال الغرق في البحر كما حصل للكثيرين. وصل إلى اليونان ثم الى كرواتيا حيث يعيش خاله ماهر منذ عقود…

كان ماهر قد قطع زيارته الى سوريا بعد موت والدته التي كانت آخر من بقي له في سوريا من عائلته غير اخته وعائلتها ويحتاج التواصل معهم…

في كرواتيا يبدأ ابن أخت ماهر رحلة الهجرة والارتباط بالبلد الجديد عبر علاقة حب مع فتاة كرواتية والزواج منها. وكأنه يُصلح ما لم يستطع أن يفعله خاله قبل عقود. حيث لم يتزوج من حبيبته السورية ولا من حبيبته الكرواتية. الجيل الجديد أدرك أن مصيره الاستقرار في بلاد الغرب وأخذ قراره المباشر وتزوج وبدأ يزرع نفسه في بلد جديد وتربة رآها أصلح من بلاده لحياة افضل…

هذا على المستوى الخاص لماهر وعائلته أما على المستوى العام فقد اصبحت سوريا بعد سنوات مسرحا لحرب علنية على الشعب السوري. دخلت روسيا وإيران وحزب الله والمليشيات الطائفية لحماية النظام. تحولت الثورة إلى العسكرة ولم تدعم بالشكل الكافي وضاعت ببن داعميها. وبين مستثمريها وتوجهات من يقودها. وظهرت الجماعات الجهادية وتوجت بجبهة النصرة وداعش. وتحول اهتمام العالم كله تجاه محاربة داعش. سكت العالم عن النظام وأفعاله. قُتل من السوريين حوالي المليون واصيب مثلهم وتشرد أكثر من ثلاثة عشر مليون. ودمر أكثر من نصف سوريا. وأصبحت الحياة فيها جحيما وخارجها بالمخيمات جحيم آخر…

هذه هي سوريا التي هدمها النظام وتربع على خرابها وعلى اجساد شعبها تحت ركام البلاد المهدومة…

في تعقيب ختامي على الرواية الطويلة بجزئيها يزيد عن ٦٠٠ ص. الرواية شهادة هي الأولى حول الثورة السورية بحدود اطلاعي على لسان مسيحي سوري، على ما فيها من تحيزات ومواقف يُختلف معها. لكنها سجل تاريخي من داخل المسيحيين وهنا أهميتها.

الملاحظة الثانية وهي الموقف المتشنج من الإسلاميين بتعميم ظالم. فكما أن من كل الاتجاهات الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية  تنوع اختلافي يصل إلى ١٨٠ درجة حول كل ما حصل في سوريا عبر عقود طويلة. فهناك المسلم السني مع النظام وضده كذلك العلوي والمسيحي والدرزي والاسماعيلي والكردي والشيعي والشيوعي والناصري والإسلامي البعض سلمي والبعض جهادي…الخ.

 موقف الكاتب معادي للإسلاميين كلهم عبر كل هذه السنوات وفي ثنايا الرواية. ويظهر وكأن الموقف عقائدي وليس سياسي. لان المواقف تؤخذ حسب الواقع والوقائع… هناك ظلم بيّن. وهذا لا يعني السكوت عن أخطاء كل من اهتم بالشأن السوري من الاعداء والاصدقاء ومن أصحاب القضية أنفسهم : الشعب السوري وقواه الحية، الكل تحت المحاسبة والمساءلة أما التعميم السلبي او الايجابي بالمطلق. فهو ضد الحقيقة وظلم سياسي واجتماعي وإنساني لا نرضى به نحن ابناء الثورة السورية ، التي قدمت كل غال لأجل قضية الشعب وحريته وكرامته وبناء دولته الديمقراطية وحياته الافضل ولو بعد حين…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. I have read the book of Samir Hadad. It is a very interesting story and readable one. The author keeps readers attention to a high level, so the reader sticks to reading pages one after another with high interest . Let say swallowing chapters with no wish to sies reading.
    Mixing real moments of author’s life memories with imagination , the author makes the texts dramatic and interesting.
    Political dimension inserted into the text shows author as an active spectator and/or participant to the events of the story seems to be balanced toward different political figures, parties and movementsp .
    I see neither intention nor text aiming to make strong negative judgments and evaluation of certain movements as the Moslim parties, for example.
    Finally, it is a normal matter, that makes different readers understanding and intreprating same text or event different ways. e

زر الذهاب إلى الأعلى