تبددت الآمال باقتراب انتهاء ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد رفض الملاحظات التي وضعها المسؤولون اللبنانيون واللجنة التقنية على الصيغة الأميركية المقترحة، وبات السؤال هل دخل الملف مرحلة جديدة قد تكون مفتوحة على كل الاحتمالات؟ خصوصاً بعد تلميح لبيد أن الاتفاق قد لا ينجز قبل موعد استخراج الغاز من حقل “كاريش” في 15 أكتوبر (تشرين الأول)، وهل ينفذ “حزب الله” تهديداته بضرب إسرائيل إذا بدأت باستخراج غازها قبل إنجاز الاتفاق مع لبنان كما كان أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله؟ وهو الذي تراجع من أيام معدودة عن لغة التهديد وانتقل بالتزامن مع تسلم لبنان صيغة الاتفاق إلى الموقع الخلفي وراء الدولة، معلناً أنها هي التي تأخذ القرار المناسب الذي تراه لمصلحة لبنان.
وفي وقت التزم المسؤولون في لبنان الصمت وكذلك “حزب الله” وآثروا عدم التعليق على الموقف الإسرائيلي المستجد، قلل كثيرون من أهمية موقف لبيد على اعتبار أنه صدر عن رئيس الوزراء وليس عن الحكومة مجتمعة، ووضعوه في خانة تسجيل نقاط داخلية أراد لبيد وضعها في مرمى خصمه في الانتخابات المقبلة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. وكان لبيد قال إن بلاده لن تتنازل عن مصالحها الأمنية والاقتصادية حتى لو كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك اتفاق قريب، وأعلن عن استخراج الغاز من حقل “كاريش” في أقرب وقت ممكن.
بدوره، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس من أن استهداف “حزب الله” البنى التحتية في إسرائيل سيدفع بموجبه لبنان ثمناً باهظاً، وترافق كلامه مع الإعلان عن رفع درجة التأهب واليقظة لدى الجنود الإسرائيليين على الحدود مع لبنان. وكان لافتاً تحميل إيران مسؤولية فشل الاتفاق، إذ أكد وزير الدفاع الإسرائيلي أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان سيضر بمصالح إيران، في وقت دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي نصر الله إلى الشرح للبنانيين لماذا لا يملكون حقل غاز ومستقبلاً اقتصادياً.
تعديلات لبنان الثلاثة وعلاقة إيران
وبعد ساعات قليلة على صدور الموقف الإسرائيلي، اعتبر رئيس جمهورية لبنان ميشال عون خلال استقباله وزير الدفاع اللبناني موريس سليم أن “الملاحظات التي وضعها الجانب اللبناني على العرض الذي قدمه الوسيط الأميركي تضمن حقوق لبنان في التنقيب عن النفط والغاز في الحقول المحددة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، كما أن هذه الملاحظات تمنع أي تفسيرات لا تنطبق على الإطار الذي حدده لبنان لعملية الترسيم وخلال المفاوضات التي استمرت أشهراً”.
وبحسب مصدر رسمي لبناني فإن التعديلات التي طلبها لبنان هي ثلاثة وهدفها رفض الظهور بأي شكل من الأشكال وكأن هناك تطبيعاً مع إسرائيل، النقطة الأولى التي طالب بها لبنان تتعلق ببروتوكول مراسم التوقيع، إذ اعترض على الشكل الذي أصر عليه الجانب الإسرائيلي بأن يحصل التوقيع في غرفة واحدة ويوضع فيها العلمان اللبناني والإسرائيلي، وطلب لبنان أن يحصل التوقيع في غرفتين منفصلتين وأن يوقع كل طرف على نسخة لا يتم التبادل بها كما يحصل عند توقيع الاتفاقات بين الدول، على أن يوقع أيضاً ممثل عن الأمم المتحدة قبل إيداع كل فريق نسخته لدى الأمم المتحدة. وانطلاقاً من رفض أي شكل من أشكال التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل أو ما قد يستشف منه بأنه كذلك، اعترض لبنان على البند المرتبط بالاتفاق بين شركة “توتال” وإسرائيل، وعلى كلمة “تعويض مالي”، وطلب استبدال عبارة تسوية مالية بين الشركة العاملة وإسرائيل بها، وألا يكون للبنان أي علاقة بها، ورفض إدراج اسمه حتى ضمن صيغة العلم والخبر، وأصر ألا يؤثر تأخر الاتفاق بين الشركة وتل أبيب على العمل في البلوك رقم 9 الذي سيبدأ العمل به بمعزل عن هذه التسوية، أما التعديل الثالث فمرتبط بالبند المتعلق بالشركات التي ستعمل في البلوك رقم 4 والبلوك رقم 9، خصوصاً بعد انسحاب شركة “نوفاتيك” الروسية لتحل الدولة اللبنانية مكانها بحصة تبلغ 20 في المئة مع “كونسورتيوم” يتضمن “توتال” الفرنسية بنسبة 40 في المئة و”إيني” الإيطالية بنسبة 20 في المئة، إضافة إلى الحاجة إلى شركات للعمل في البلوكات الثمانية الأخرى التي لم يتم تلزيمها بعد، وقد طلب لبنان تعديل المسودة التي نصت على “ألا تكون هذه الشركات خاضعة للعقوبات الأميركية” واستبدال عبارة “لا تكون خاضعة لعقوبات دولية ولا تكون إسرائيلية أو لبنانية” بها، مما قد يفسح المجال لدخول الشركات الإيرانية على خط العمل في البحر اللبناني وإن عبر وكيل لبناني.
وكشف مصدر مطلع لـ”اندبندنت عربية” عن أن جوهر المشكلة مع إسرائيل هو إصرار لبنان على فصل الترسيم البحري عن البري، ورفض طلب تل أبيب بإنشاء منطقة أمنية عازلة على الحدود بين المنطقة المتنازع عليها والحدود البحرية المتفق عليها، على اعتبار أن إنشاء منطقة كهذه لا يمكن أن يتم إلا باتفاق حدودي، ولفت مصدر في الوفد اللبناني إلى أن لبنان أبلغ الوسيط الأميركي بأن هذه النقطة خارج البحث، لأن منطقة كهذه وبكل المقاييس هي من حصة لبنان.
الاتفاق قد يؤجل لكن لن يلغى
الرفض الإسرائيلي المفاجئ قابله الجانب اللبناني بصمت رسمي بانتظار تلقيه رسمياً الرد الإسرائيلي كما قيل، وبانتظار معرفة تفاصيل الرفض والنقاط التي شملها. وأكد مصدر مقرب من رئيس الجمهورية لـ”اندبندنت عربية” أن لبنان لن يعلق على موقف إسرائيل قبل أن يتبلغ رسمياً من الوسيط الأميركي آموس هوكستين بالموقف النهائي. وقال إن أي موقف رسمي لم يصدر بعد عن الحكومة الإسرائيلية “لا نعلم إذا كان الرفض نهائياً أو يمكن التفاوض بشأنه”.
وأعلن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب المكلف متابعة الملف أنه على اتصال بالوسيط الأميركي هوكستين كل ساعة لحل القضايا العالقة في اتفاق الحدود البحرية مع وصول المفاوضات إلى نقطة حاسمة، ورفض بو صعب التعليق على ما وصفه بالتصريحات الإسرائيلية غير الرسمية وأكد أن “الاتفاق أبرم بنسبة 90 في المئة لكن الـ10 في المئة المتبقية هي الحاسمة”.
الموقف الإسرائيلي
وخفف كثيرون في لبنان من تأثير الموقف الإسرائيلي على الاتفاق. واعتبر رئيس الوفد اللبناني المفاوض سابقاً الجنرال المتقاعد عبدالرحمن شحيتلي أن موقف لبيد له علاقة بالانتخابات الإسرائيلية، ويأتي في إطار الحملة المرتدة على المعارضة الداخلية التي يقودها منافسه بنيامين نتنياهو. وقال شحيتلي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض التعديلات ولم يرفض الاتفاق، مؤكداً أن رفض التعديلات لا ينسف الاتفاق. ويثق العميد المتقاعد بأنه سيتم تجاوز كل النقاط العالقة، وأن الجانب الأميركي سيجد حلاً وسيتدخل لتقريب وجهات النظر وقد يكون بتغيير بعض العبارات وبصيغة لغوية يمكن أن تحل المشكلة. والاتفاق، بحسب شحيتلي، سيصبح واقعاً ولا يمكن إلغاؤه، وقد يؤجل لكنه لن يلغى، وقد يكون التأجيل لتقوية الاتفاق في الداخل الإسرائيلي من مصلحة لبنان تجنباً لأي انقلاب عليه إذا تغيرت الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وبالتزامن، أعلن البيت الأبيض أن الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل تراجع لكن يمكن إنقاذه في رسالة واضحة إلى تصميم الولايات المتحدة الأميركية على إنهاء الملف. ويعتبر خبراء أن أسباب الحماس الأميركي كثيرة، منها الحاجة الملحة إلى إمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي كتعويض عن الغاز الروسي، وصولاً إلى إنجاز يريده الرئيس الأميركي جو بايدن عشية انتخابات مجلسي النواب والشيوخ التي ستحدد الأكثرية الحاكمة في أميركا لما تبقى من ولايته.
المصدر: اندبندنت عربية