
يبقى أثر مقارنة الإيقاع اللبناني الذي يوصف بـ”البطيء” بالإيقاع السوري “السريع” قائماً في أي مقاربة دولية أو إقليمية للوضع على الساحة اللبنانية. رسائل دولية كثيرة لا تزال ترد إلى لبنان حول تأخره عن سلوك المسار المفروض دولياً. تبقى التوازنات اللبنانية مختلفة جذرياً عن الوقائع السورية، لذلك تلجأ السلطة في لبنان إلى مقاربة أكثر هدوءاً في ملف سلاح حزب الله، وحتى السلاح الفلسطيني تجنباً لوصول البلاد إلى لحظة الصدام أو الانقسام. في سوريا قرار واحد، يتخذه الرئيس أحمد الشرع ويمضي باتجاهه انطلاقاً من مفاوضاته ولقاءاته الخارجية. أما في لبنان فجهات متعددة وسلطات تارة تلتقي فيما بينها وتارة تفترق.
يشير الانفتاح الدولي والإقليمي الكبير والسريع على سوريا إلى تعاط مختلف مع التطورات الجارية هناك، لاسيما أن القوى الدولية تنظر إلى هذا التحول بأنه استراتيجي ونوعي، وأنها المرة الأولى التي تنحو فيها سوريا في اتجاه الغرب، وذلك لا ينفصل عن حجم التقارب الأميركي السعودي التركي الذي يمكنه أن يعكس تغييراً كبيراً في موازين القوى على مستوى المنطقة. وذلك يظهر من خلال الاندفاعة الإقليمية والدولية لضخ الكثير من المساعدات والاستثمارات في سوريا، بينما لبنان لا يزال غائباً عن ذلك، وقد سمع نصائح كثيرة بضرورة اتخاذ الخطوات نفسها التي اتخذها أحمد الشرع.
الشرع ليس الجولاني
منذ لحظة انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة كان لبنان ينظر إلى نفسه باعتباره أولوية إقليمية ودولية، وانتظر اللبنانيون تدفق المساعدات والاستثمارات. بقيت النظرة الفوقية التي يلقيها اللبنانيون على السوريين هي المستحكمة، وقد ازدادت مع عدم التعاطي بواقعية مع التحولات التي حصلت، إذ بقي اللبنانيون يتعاطون مع أحمد الشرع بوصفه أبو محمد الجولاني، وبما كان عليه سابقاً. هذا التعاطي أدى إلى انزعاج سوري على الرغم من الزيارات المتتالية التي حصلت من قبل المسؤولين اللبنانيين، لاسيما زيارة رئيس الحكومة نواف سلام، أو زيارة الوفود العسكرية إلى دمشق لمتابعة البحث في كل الملفات الأمنية وضبط الحدود.
لكن لبنان كان قد تأخر عن مواكبة الشرع، بينما تنامت وجهة نظر لبنانية تتخوف من التغيير الذي حصل في سوريا، وصدرت مواقف في البداية تشير إلى الخوف الجدي من تجدد الإشتباكات بين الطرفين، انطلاقاً من نظرة التعاطي مع دمشق وكأنها تحت حكم “جبهة النصرة” أو “هيئة تحرير الشام” علماً أن دول العالم كلها قد غيّرت نظرتها تجاه ما يجري في سوريا ومن يجلس في قصر الشعب.
معالجة الأزمات
لا تزال العلاقة السورية اللبنانية بحاجة إلى معالجة سريعة لكل الملفات وإعادة وضع الأمور على سكتها الصحيحة بناء على التفاهم والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، خصوصاً أن لبنان يمكنه أن يتحول إلى قاعدة أساسية في عملية إعادة الإعمار في سوريا كما هو الحال بالنسبة إلى الأردن أو إلى تركيا. لكن الخوف اللبناني بداية، أو معارضة التغيير الذي حصل في سوريا، والذي يشبه إلى حدّ بعيد المقاربة العراقية نفسها، نظرت إليها دمشق بنوع من السلبية، وهي تتمسك بذلك انطلاقاً من وجود مطالب عديدة قدمتها السلطات السورية للبنانيين لمعالجتها ولكن حتى الآن لم يتم تحقيق أي تقدّم.
أبدى لبنان استعداداً للتعاون والتقارب وتحسين العلاقات، لكنه ينتظر زيارة كان قد اتفق على أن يجريها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على رأس وفد وزاري وأمني للبحث في كل الملفات العالقة بين البلدين، والعمل على معالجتها بما فيها ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية التي يصر السوريون على معالجتها سريعاً. يفترض أن تحصل الزيارة بعد عيد الأضحى، وفي أواخر شهر حزيران.
لبنان والعراق واستحضار العبرة
في موازاة التحضير لهذه الزيارة، سجلت جملة مشاهد لا بد من التوقف عندها. أولها أنه بالتزامن مع زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى العراق، كان الرئيس السوري أحمد الشرع يحط في الكويت. للصورتين رمزية لا يمكن المرور عليها بشكل عابر، بالنظر إلى الكثير من المحطات التاريخية وفي ظل الأوضاع والتطورات التي تمر بها المنطقة. تاريخياً كان لبنان ينظر إلى العراق وتطوراته ليقرأ انعكاسات المشهد على ساحته الداخلية. منذ الخمسينيات هناك ترابط مباشر وغير مباشر في تطورات الأحداث بين البلدين، وتحديداً منذ حلف بغداد الذي جنح لبنان نحوه بينما كانت سوريا في مواجهته. حتى الآن لم يجر أحمد الشرع زيارة إلى العراق، ولم يجر جوزاف عون زيارة إلى سوريا.
لو لم تحصل زيارة عون إلى الكويت قبل أسابيع، لكانت الصورة احتوت أبعاداً كثيرة في ظل سرعة التطورات الحاصلة على مستوى المنطقة. هنا أيضاً، لا يمكن المرور بشكل عابر على التحول الكبير الذي قرر حافظ الأسد سلوكه في حرب الخليج الثانية والالتحاق بالتحالف الدولي إلى جانب الكويت ضد العراق. وبعدها كان الثمن أن يتم إيكال الملف اللبناني إلى نظام الأسد. اليوم يحط الشرع في الكويت، وسط انطلاق سوريا بسرعة صاروخية للتقارب مع الغرب ومع الدول العربية بينما لبنان لا يزال متعثراً وغارقاً في صراعات داخلية حول مسألة حصر السلاح بيد الدولة وآلياتها، وحول إنجاز الإصلاحات السياسية والمالية والاقتصادية.
قبيل زيارة الشرع إلى الكويت، كان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في سوريا في زيارة تحمل الكثير من الأبعاد ومن الإفادة للشعب السوري لا سيما في ظل الدعم الخليجي والأميركي والاستعداد للدخول في استثمارات تطال مجالات عديدة على مستوى النفط، الكهرباء، الزراعة، الصناعة، التجارة والسياحة. كل ذلك بينما لبنان لا يزال ينتظر ولم يحصل على أي مساعدة جدية حتى الآن خصوصاً أن كل الملفات تبدو مرتبطة بإنهاء ملف سلاح حزب الله.
بدا لبنان يتقارب أكثر مع العراق، وشهد زيارة هادئة جداً لوزير الخارجية الإيراني تحدث فيها عن تعزيز العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل. علماً أن عراقجي وصل إلى بيروت آتياً من مصر، التي تسعى طهران إلى تعزيز العلاقات معها واستعادة العلاقات الديبلوماسية، علماً أن القاهرة لا تزال لديها تحفظات على “الشرع”، خصوصاً أنه بالتزامن مع زيارة بن فرحان إلى دمشق فتح القضاء المصري المجال أمام دعاوى قضائية على المسؤولين السوريين لمسؤوليتهم عن مجازر طائفية. أمام كل هذا المشهد، يبقى لبنان بحاجة إلى تطوير وتحسين العلاقة مع سوريا جدياً، وأمام مواكبة كل التحديات المفروضة خارجياً وداخلياً.
المصدر: المدن
لماذا هذا الإنعكاس بالموقف اللبناني تجاه الإدارة الجديدة بدمشق؟؟ تقوم القوات السورية بحماية الحدود السورية اللبنانية وأغلقت كافة المعابر الغير نظامية، ونشاهد بأن بيروت تستقبل وزير الخارجية الإيراني وتتواصل مع العراق الذي يأخذ موقف من دمشق، دمشق تنفتح الوروبياً وعربياً وتتقدم بينما لبنان ينكمش عند المواقف القديمة.