قراءة في كتاب : تدمير وطن ٢ من ٢

أحمد العربي

 

  • هل كان ممكنا تجنب الحرب في سورية ؟.

لم يكن ليمر الربيع العربي دون أن يعبر سوريا، رغم نفي رأس النظام احتمال ذلك، لمعرفته درجة القمع والتدجين والخوف والى اي مدى وصل استئصال القوى السياسية المعارضة كذلك منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان. لكن مخزون الناس من المظلومية جعلهم مستعدين للانفجار عند اي فرصة. والربيع العربي الذي بدأ في تونس ثم مصر وليبيا وبعد ذلك اليمن وأدى لسقوط رؤوس هذه الانظمة، اعطى الحافز للناس للخروج بالتظاهر السلمي. الناس متشبعين بالاحساس بالتمايز الاجتماعي الطائفي، حيث يسيطر أبناء الطائفة العلوية على مفاصل الجيش والأمن واغلب دوائر الدولة، ورغم أن التظاهرات كانت من كل مكونات الشعب السوري. ومنهم علويين ودروز وإسماعيليين ومسيحيين وأكراد. لكن كان الأغلب منهم من السنة، المكون المجتمعي الأكبر.

ولأن النظام لم يكن بوارد أن يتنازل عن أي شيء للمتظاهرين. لقناعته بأن التنازل يجر تنازلا وقد يؤدي لسقوط النظام. لذلك كان أمامه خيار الثمانينات. وهو الإبادة للمتظاهرين وحاضنتهم المجتمعية. حصل ذلك بتدرج. لكنه بوتيرة متصاعدة، وصلت اخيرا للقصف بالطيران والمدفعية والبراميل المتفجرة على الاحياء السكنية والبلدات الثائرة.

هذا العنف من النظام وجد ردا مسلحا متواضعا من المتظاهرين. وسرعان ما دخل على الخط اطراف دولية واقليمية تدعم  المتظاهرين، فقد تدخل السعوديون والقطريون والأتراك و الاوروبيين والامريكان، حيث دعموا بالسلاح والمال الكتائب المسلحة التي بادرت لمواجهة النظام.

لم تكن هذه الكتائب متوحدة فهي محكومة بظروفها والطرف الداعم ومحدودية الحركة والتأثير. وبهذا الشكل بقيت قوى الثورة العسكرية أضعف من النظام في التسليح والتنظيم وادارة العمليات العسكرية، لكنهم كانوا متفوقين باحساسهم الرسالي وشجاعتهم وعدالة قضيتهم بحيث اربكوا النظام وجعلوه في وقت من الأوقات آيل للسقوط.

تدخل حلفاء النظام التاريخيين الروس في الجو والايرانيين ومرتزقتهم الأفغان والعراقيين و حزب الله اللبناني على الأرض، حسب نظرية الأرض المحروقة. في عام ٢٠١٥ م وما بعده بحيث أعادوا السيطرة على مناطق سورية محررة مجددا.

اقترن ذلك مع حملة إعلامية للنظام تتهم الثوار بالأسلمة والإرهاب والتعامل مع الأعداء: الغرب وأمريكا وحتى إسرائيل. كما ساعد النظام على توالد الإسلاميين الجهاديين من خلال الإفراج عن المعتقلين لديه من قادتهم. وتشكلت أحرار الشام وجيش الإسلام وغيرها. وظهرت أيضا القاعدة بفرعها السوري النصرة، التي أسمت نفسها هيئة تحرير الشام بعد ذلك، وظهر تنظيم الدولة الإسلامية داعش الذي تصرف بتناغم مع النظام. توسع على حساب المناطق المحررة من قبل الثوار. وقدم للنظام والعالم ذريعة محاربة الإرهاب، والصمت نسبيا عن النظام.

  • استمرار الصراع بين المعارضة والنظام، لا نصر ولا هزيمة.

يرصد الكاتب تطور الصراع بين النظام والقوى الثورية بتنوعها، وامتداد ذلك لسنوات دون ان يستطيع اي طرف الحسم في ذلك. فلا أمريكا وحلفاؤها وضعوا ثقلهم وأدوا لإسقاط النظام، كذلك لم تستطع الدول الخليجية الداعمة للثورة أن تقدم ما يكفي من العتاد ، وتم حظر الاسلحة النوعية التي قد تغير في ميزان القوى مع النظام. ولم تستطع توحيد القوى الثورية،. ولا استطاع النظام وحلفاؤه ايران ومرتزقتها وحزب الله وروسيا أن تعيد هيمنة النظام ومن ثم انتصاره. كان الصراع على الأرض في أغلب الوقت بين كر وفر، تقدم وتراجع. كما أن دخول النصرة وداعش على الخط غيرت من الموقف الدولي من العمل لإسقاط النظام إلى العمل لمواجهة الارهاب متمثلا بالقاعدة وداعش. وتم تبريد جبهات الصراع مع النظام خاصة بعد الحضور الإيراني والمرتزقة على الأرض، والحضور الروسي في الجو.

  • محادثات سورية – سورية .

يتابع الكاتب بتفصيل مسار المحاولات الدولية والاقليمية لإيجاد حل لواقع الصراع في سوريا.

حيث رعت جامعة الدول العربية ومجلس الأمن محاولة بحث عن حل للمشكلة السورية. حيث تم تعيين كوفي انان وقدم نقاط للتفاوض عليها، وكذلك تم لقاء في جنيف واحد عام ٢٠١٢م. وتتابعت بعده اللقاءات جنيف  ٢ -عام ٢٠١٤ م ، وكذلك استقال كوفي انان ليأتي بعده الاخضر الابراهيمي وبعده دي ميستورا، وكلهم واجههم تعنت النظام ومماطلته، وعدم تفاعله بشكل جدي مع أي حل حقيقي في سوريا. كما اصدر مجلس الامن القرار ٢٢٥٤ عام ٢٠١٥م. الذي يتحدث عن مرحلة انتقالية وبعد ذلك يتم انتخابات رئاسة ومجلس نيابي وتوافق على دستور جديد يؤسس لسوريا ديمقراطية. لكن النظام بقي كل الوقت رافضا أي حديث عن استبدال النظام ناهيك عن محاسبته. وبذلك كانت المفاوضات كل الوقت تدور في حلقة مغلقة.

أما على مستوى قوى الثورة والمعارضة، فعدى عن تعدد القوى العسكرية كتائب وقادة ليكونوا بالمئات واعداد المقاتلين ليكونوا بعشرات الآلاف. كذلك تعددت وتنوعت منصات التمثيل السياسي للثورة السورية. حيث تشكل المجلس الوطني السوري. ثم توسع ليكون الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. يضم منصات متنوعة. حيث تشكل في الداخل السوري هيئة التنسيق الوطنية، وتيار بناء الدولة. وتشكلت منصة معارضة لتجمع بعض القوى في القاهرة، كذلك منصة أخرى في موسكو. كذلك ظهرت القوى الكردية السورية التي انقسمت بين تيارين الأول تكتل تحت مسمى المجلس الوطني الكردي وأصبح له تمثيلا في الائتلاف ، يتحدثون عن حقوق قومية كردية ضمن الهوية الوطنية السورية. وتحدثوا عن تغيير تسمية سوريا وإلغاء كلمة العربية من اسم الدولة وكان ذلك مبررا لحصول سجال كبير حول العروبة وضرورتها أو تجاوزها في الهوية السورية. كذلك جناح آخر كردي هو  حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك، وفرعه حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا الذي شكل قوى مسلحة ال ب ي د وتوسعت وأصبحت قوات سورية الديمقراطية بعد إلحاق بعض العرب في صفوفها. حيث أعاد النظام احيا ء حزب العمال الكردستاني وتسليحه وتسليمه المناطق ذات التواجد الكردي، وسرعان ما تحالفت قوات سوريا الديمقراطية مع الغرب وساهموا في محاربة داعش. أصبحوا القوى الحاكمة في شمال شرق سوريا وشرق الفرات. مسيطرين على مناطق البترول و سلة غذاء سوريا. جعلوا علاقتهم مع النظام تتذبذب حسب درجة دعمهم من امريكا. وأصبحوا الخصم المباشر لتركيا التي اعتبرتهم العدو الاستراتيجي الأول لها، بسبب أعمالهم الارهابية ضدها، حيث عملت تركيا منذ سنوات لخلق حزام حماية أمني لها على عمق ٣٠ كم داخل الحدود السورية على طول حدودها مع سوريا.

 كذلك حصل سجال بين أطراف المعارضة والنظام  حول الإسلام ودرجة حضوره في الدستور والدولة. وكذلك حقوق المكونات المذهبية علويين ودروز واسماعيليين . كذلك الدينية المسيحيين بتنوعهم ، كذلك التنوع القومي عرب وأكراد وشركس و آشوريين … الخ .

كل ذلك في اجواء البحث عن حل لسوريا بين أطراف المعارضة بتنوعها والنظام. حصل بعد ذلك جنيف ٣ عام ٢٠١٦م وحصل بعده لقاءات كثيرة.

لا بد قبل الانتقال إلى التحدث عن ماذا حصل بعد ذلك من التأكيد على أن رأي الكاتب أنه كان على قوى الثورة والمعارضة أن تقبل بالحلول الممكنة، وأن تتجاوز موضوع اسقاط النظام. لأن إسقاطه لم يكن متاحا دوليا كواقع فعلي. ولأن درجة تغلغل النظام والطائفة العلوية في الدولة والمجتمع تجعل إسقاطه مستحيلا دون تدخل دولي خارجي، كان قد رفض الغرب وأمريكا القيام به. وكان المطلوب القبول بالنظام رغم اخطائه والعمل على المدى الطويل للحصول على مكتسبات ديمقراطية.

ونحن نقول يبدو هذا الحل الذي طرحه الكاتب رغبوي أكثر منه واقعي: النظام رفض تقديم اي مكتسب للشعب وجعل سوريا محتلة ومستباحة ولم يتنازل للشعب عن أي مكسب له علاقة بالحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان ناهيك عن المحاسبة والمساءلة عن جرائمه.

  • وماذا بعد.

ينتهي تدوين الكتاب لمتابعة الحدث السوري في عام ٢٠١٧م. حيث الحال العسكري شبه مجمد والحل السياسي يراوح في مكانه. تعنت من النظام. وانّه لن يتنازل بالسلم عمّا لم يخسره بالحرب. وانّه الشرعية، وأن الآخرين المعارضين إرهابيين ويتبعون لأعداء سورية. وان اكثر تنازل يقدمه هو تطعيم الحكومة السورية ببعض الوجوه المعارضة التي يرضى عنها.

لذلك تجمد مسار جنيف وبدأ مسار سوتشي ترعاه روسيا وإيران وتركيا. وانكفأ العمل العسكري للثورة ليتواجد في إدلب وجوارها والشمال السوري المحاذي لتركيا. ويكون التنسيق بين القوى العسكرية الثورية وتركيا كاملا. أما إدلب فقد اصبحت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام التي مازال حالها إشكاليا ومصنفة دوليا منظمة إرهابية. وتحاول أن تشرعن نفسها دوليا.

الجنوب السوري أُعيد لسيطرة النظام عبر توافقات إقليمية ودولية، وتم حل القوى الثورية وبعضها أصبح ميليشيات تحت سيطرة الروس. ال ب ي د  تُحكم سيطرتها على مناطق تواجدها برعاية امريكية، والأتراك يتوعدون انهم سيوسعون مناطق حزامها الأمني.

الحال مجمد على الأرض سوى مناوشات صغيرة تذكر ان هناك صراع لم يتم حله بعد. الداخل السوري في أسوأ حال. اللاجئين في المخيمات حالهم مأساوي. المسار السياسي أصبح بعد جلسات سوتشي يتابع تعديلات دستورية شكلية، الحوار فيها يعني موت القضية السورية وتقزمها.

المسار السوري متروك لتداعيات إعادة شرعنة النظام رغم كل الويلات التي عاشها الشعب السوري، بعد مضي احد عشر عاما على الثورة.

حساب ختامي للسوريين لحوالي مليون شهيد ومثله مصابين ومعاقين وثلاثة عشر مليون مشردين داخل سوريا وخارجها. أكثر من نصف سوريا مدمر. سوريا محتلة من الأمريكان والروس والإيرانيين والمرتزقة الطائفيين، بعضها محرر ومدعوم من الأتراك الذين يتوسعون في حزامها الأمني. وال ب ي د تستولي على خيرات سورية تؤسس لكيان انفصالي كردي وتظلم العرب وبقية المكونات وبعض الأكراد المختلفين معها.

هذا واقع سورية اليوم…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كتاب وصفي جيد وواقعي لما حدث ويحدث في سوريا..كما ان تعليق الأستاذ أحمد عربي..معك للغاية ومفاده أن النظام لم يترك مباراة القوى المعرض لكي يتفاهموا مع النظام على الحد الادنى من المطالب التي رفعوها في بداية ا لا انتغاضة.. مما جعل تلتدمير الذي حصل نحصيا مواقف النظام تلمتميك بالسلطة والخوف من المحاسبة.عن فترة أربعة عقود من الاستبداد والفساد الذي كان ولا يزال ساءدا في وطننا المنكوب

زر الذهاب إلى الأعلى