إيران طموحها الإقليمي || وخطط القوى الدولية

أحمد العربي

بداية هذا الحديث ليس تأريخا وليس ترفاً ، بل هو حديث في صلب الحالة العربية بحركتها المتسارعة اليومية، ومتداخله مع الشأن السوري لدرجة وصفها بـ الاحتلال الايراني – الروسي لسوريا تحت مظلة النظام الاستبدادي القاتل

أولا. لن نغوص كثيراً في تاريخ إيران .فهي ومنذ بداية القرن الماضي .واكتشاف النفط فيها. كان لها ارتباط مع الأوروبيين وأمريكا وأخذتهم مثلا ونموذجاً. كانت حليفاً لأمريكا وبريطانيا والسوفييت ضد المحور متمثلا بألمانيا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب دخلت إيران في الرعاية الأمريكية بالمباشر وكانت شرطته في المنطقة، تمثل مصالحها وتعمل وفق أجندتها . كانت القوة الأقوى في المنطقة واعترفت وتحالفت مع (اسرائيل) منذ التأسيس حاولت القوى الوطنية الايرانية ان تصنع ثورتها في الخمسينات على يد رئيس الوزراء مصدق .ولكن أمريكا أسقطت الثورة واعادت الشاه محمد رضا بهلوي إلى الحكم . وثبتت تحالفا استراتيجيا معها، يتناغم مع  مصالحها سواء بالخليج والنفط. أو بالموقف المعادي للمد القومي العربي وخاصة عبد الناصر . و بالتحالف مع (اسرائيل). أو مواجهة الاتحاد السوفييتي ايام الحرب البارده. ولم تكن إيران رضا بهلوي تخفي طموحها  بالخليج واعتبرته بحيرتها الفارسية .واحتلت الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى عدى عن ثبيت احتلالها لاقليم عربستان واضطهادها للعرب هناك

ثانيا. لم يدم الحال في إيران هكذا . بل حصل تغير نوعي عبر حركة الخميني (1979 ) المستفيده من مظلومية الشعب الايراني .والمرتكزة على الخلفية الدينية الشيعية كرافعة معنوية وفكرية وسياسية لها. والتي اعتمدت ادعاء العداء المطلق (لاسرائيل) وللغرب وأمريكا التي اسمتها الشيطان الأكبر واستثمرت ذلك على طول الخط . اعتمدت فكرة تصدير الثورة  من خلال رافعتها الإسلامية ( الشيعية وبين الشيعة). وبدأت تتحرك في كل مناطق التواجد الاسلامي الشيعي . في العراق ولبنان والخليج وحتى في اليمن رغم ان الشيعة اليمنية اغلبها زيديه تختلف عقائديا وفقهيا عن الشيعة الاثني عشرية الإيرانية. استفادت من مشكلة الشعب العربي في كل البلدان مع أنظمتها الاستبدادية، التابعة لها كسوريا والعراق أو المختلفة معها كدول الخليج . واستطاعت أن تكون لها داخلها امتدادا (كبر او صغر) وحسب المتغيرات السياسية. لكل بلد وظروفه. ففي العراق كان لها دور أساسي في دعم الاحزاب الشيعية المعادية لصدام حسين وحكمه .كحزب الدعوة وغيره. وبقيت تحتضنهم هي والنظام السوري. حتى عادوا على الدبابة الأمريكية لحكم العراق. وأخذه بالاتجاه الطائفي التخريبي المتناغم مع القاعدة. كطرفي صراع طائفي عقائدي اقصائي مطلق… وهذا ما حصل في لبنان و بتناغم وتوافق مع النظام السوري الذي دخل لإنهاء الثورة الفلسطينية في لبنان عام ١٩٧٦م. اعتمد النظام السوري على الطائفة الشيعية واحتضن موسى الصدر الذي شكل حركة أمل ومن ثم تشكيل حزب الله اللبناني الذي كان اداة النظام السوري والإيراني في لبنان ومستمر لأن، وخاصة بعد أن تحول الوجود السوري في لبنان لاحتلال . وتم انهاء القوى الوطنية اللبنانية بالقتل أو التهجير أو التدجين أو اللجوء للتقية. وكان حزب الله أداة الدولتين في صراعهما وتوافقاتهما مع الغرب وامريكا من خلال الصراع مع (اسرائيل) وعلى الأرض اللبنانية

ثالثا. اعلنت ايران الخميني عداءها الاستراتيجي لأمريكا و(اسرائيل) والغرب وراءهم. وصنعت تحالفاً مصلحياً مع السوفييت ومن بعدهم روسيا من باب العداء المشترك لامريكا والغرب. لم يسكت الغرب عن تحول إيران. رعى الحرب العراقية الايرانية التي امتصت إيران والعراق والعرب اقتصاديا وعسكريا لحوالي العشر سنوات. وكان نتيجتها مزيد من الاستقطاب الطائفي والصراع بين الدول الإقليمية. وجاء احتلال الكويت من قبل صدام ووقوف إيران على الحياد ومؤيده ضمنيا لهذا الصراع. الذي ينهك الطرفين وكلهم عرب.  لم تكن ايران غائبه عندما سقط العراق تحت الاحتلال الأمريكي وكانت  الأحزاب الشيعية التابعة لها. أول من استفاد واستثمر الحالة العراقية الجديدة. ولم يكن خطأ أمريكا باحتلال العراق  فقط  بل وتحويله الى محاصصة طائفية واثنية. عبر دستور (بريمر) الحاكم العسكري الأمريكي الذي فرضه على العراق في الاحتلال وبعده. حيث ثبّت انفصال الأكراد في الشمال .و هيمنة الشيعة في العراق كله. مقدمة لصراع طائفي على الحقوق الوطنية الذي اصبح امرا واقعا

رابعا. اعتمدت إيران على الامتداد الناعم لادعاءاتها  العقائدية في كل مناطق الشيعة العربية. وكذلك الامتداد المسلح ايضا في العراق ولبنان وبعض دول الخليج واليمن.. وجهزت نفسها امام احتمالات مستقبلية قادمة. وفتحت قناة تفاعل مصلحي استراتيجي مع روسيا. معتمدة عليها سواء بامداد السلاح أو التكنولوجيا الحديثة نسبيا.. واعتمدت إيران على النمو البطيء ولكن الثابت في قوتها وامتدادها. وكان آخرها محاولاتها الحثيثة للحصول على التكنولوجيا النووية

 مقدمة لحصولها على السلاح الذري لتحصل على الرادع النووي لكل الأطراف  أعداء وحلفاء ، كانت (اسرائيل) وأمريكا والغرب تراقب ذلك وتعمل لمنعه. والصراع يأخذ مظاهر عدة خاصة في لبنان عبر حلفائها حزب الله و النظام السوري

خامسا. تغير هذا الإيقاع عندما جاء الربيع العربي وخلط الأوراق كلها. فقد اكتشف النظام العالمي بغربه وشرقه. أن مصالحهم الاستراتيجية .أصبحت رهينة شعوب المنطقة وثوراتها. فبعد قرن من الاستقرار ها هو الربيع العربي يعصف بكل شيء. ف(سرائيل) والغرب وامريكا وروسيا والصين والأنظمة المستبدة التابعة .ترى مشهد التهاوي المتسلسل للانظمة الاستبدادية العربية تونس مصر ليبيا اليمن ثم سوريا. مما جعلها تبتدع استراتيجية ترك الأنظمة تصارع شعوبها. والعمل لخلق حرب أهلية. واستدعاء الإرهاب. لوقف مد الربيع العربي . ثم لتنقض عليه وتلغي تبعياته. وكانت البداية من ترك الصراع المسلح في ليبيا يأخذ مداه. وكانت الذروة في سوريا. فكل الأطراف عملت لدعم النظام السوري ومنع سقوطه. أمريكا والغرب تخاف على (اسرائيل) وعلى الانظمه الخليجيه التي تحوي أسباب سقوطها. وربيعها حاضر كالجمر تحت الرماد. وهي تتربع على أهم مصادر النفط في العالم. لذلك تُرك النظام السوري يقاتل ويحمي نفسه. وسُكت عن الحضور الروسي والإيراني و حزب الله اللبناني. وتركت دول الخليج تساعد في تقديم الدعم الغير نوعي للثوار بحيث يستمر الصراع ولا يحسم

سادسا. وجدت إيران مجالها الحيوي يتوسع وفرصتها تزداد لتكون اللاعب الأقوى في اقليمنا العربي. لكن طريقة إدارة الصراع بوجهه الطائفي الدموي استدعى القاعدة .التي أصبحت داعش . واستدعت بالتالي حاجة موضوعية للنظام السوري والعراقي لخوض الصراع ضد الثورات التي قامت لاسقاطهم وكذلك القوة المتصاعدة لداعش . وبعد أن قررت امريكا تحييد نفسها من العمل العسكري البري المباشر . هي او حليفتها (اسرائيل). كان لابد من مساعدة خارجية مؤقتة ومضبوطة بالنسبة للغرب . كان ذلك فرصة للحضور الإيراني المباشر بالقوة لتثبيت مصلحتها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. وصارت مقولة الاحتلال الايراني تتداول ويقولها بعض السياسيين في موقع المسؤوليه هنا او هناك وحتى في الائتلاف الوطني السوري

سابعا. للأسف الشديد لم يلتقط أغلب الناشطين العرب والسوريين والعراقيين. الفرق بين إيران كدولة تتحرك لمصالحها وبين المذهب الديني الشيعي وهو ممتد في كثير من البلدان . بحيث دمج بين الاثنين واصبح الصراع مع إيران يظهر وكأنه صراع مع الشيعة والعلويين في سوريا.  هذا مع الاعتراف ان اغلب الطائفة العلوية تورطت بالدم السوري دفاعا عن النظام السوري المستبد القاتل .وكذلك في العراق حيث تورط كثير من الشباب الشيعي العراقي في معركة لمصلحة الطبقة الحاكمة ومن ورائها ايران . وبهذا الشكل تحول الصراع من ثورات تحرر وطني . لحرب أهلية طائفيه يرعاها الايرانيين والنظام السوري وروسيا والغرب وامريكا وبعض الأنظمة العربية. كذلك الحال في اليمن حيث تحولت ثورتها  الى صراع بين القاعدة والحوثيين الزيديين وبقية أطراف الشعب .صراع صفري الكل به خاسر ترعاه إيران وأمريكا والانظمة العربية الخليجية. وهذه الحروب بكل الاحوال تقتات بدمنا وتعايشنا التاريخي وتجعلنا في مواجهة بعضنا في صراع ابدي نتيجته فناء كل الأطراف ولا منتصر

ثامنا. إيران لن تستطيع أن تتمدد في كل المواقع .هي تسحب إلى هذه المواقع تستنزف ولتكون طرفا في صراع هي الخاسرة فيه. وقد تتورط بعض الدول في الصراع كدول الخليج او تركيا. وبكل الأحوال ستخرج من هنا مهزومة صاغرة مع تنازلات عن مشروعها النووي أيضا. و ستكون مكشوفة أمام ثوراتنا العربية. ذلك عندما ينتهي دورها المرضي عنه غربيا.. ففي سوريا لن يستسلم الشعب أمام إعادة إنتاج النظام ولو بالدعم الروسي والإيراني وحزب الله والمرتزقة العراقيين وغيرهم. هم يحصدون نتاج عملهم مزيدا من الضحايا . وكذلك في العراق. ليس صعبا اخراج ايران من بلادنا فهذا حتمي كسقوط الاستبداد ايضا . ما نخاف منه هو تصدع البنية الوطنية المتعايشة ل تنوعنا الاثني والديني والطائفي . وأن ندخل في حرب أهلية مفتوحة الى اجل غير معلوم

تاسعا .إيران تحاول صناعة امبراطوريه وهي أعجز عن ذلك. فهي داخليا متهالكة اقتصاديا وشعبها يغلي رافضا للاستبداد، وربيعها قريب. وهي تحاول الامتداد عبر مشروع طائفي (الدولة الاسلامية الشيعية ) لا إمكانية لنجاحه، فنحن في مرحلة الدول الوطنية الديمقراطية. وليس لبناء الدول المستبدة ولو ادّعت صلتها بالسماء. كما أنها لا تملك القوة لتصنع امتدادها. خاصة بوجود المصالح الغربية في المنطقة. و(اسرائيل) التي ترى  أن قوة وامتداد إيران تهديد لامنها المباشر .وتعمل لاسقاط القوة الإيرانية باي طريقه. وضرب مشروعها النووي ولو بعد حين. ولن يحميها وقوف روسيا بجانبها، لأن روسيا محمية ذريا لكنها  قابلة للسقوط والتراجع والتنازل للغرب، بسبب أزماتها الاقتصادية. وحربها المجنونة في اوكرانيا الان، ستتخلى عن إيران والنظام السوري عندما يدفع لها الثمن المناسب. أو ينتهي دورها في المنطقة. اذن ايران ثور في الملعب يقوم بدورة لينتهي اخيرا تحت نبال اللاعبين

اخيرا. إيران على الارض طرف يقدم دعما وجوديا للنظامين المستبدين في لبنان سوريا  والعراق وتسعير الصراع في اليمن من خلال دعمه للحوثيين. هي و حزب الله والمرتزقة العراقيين وغيرهم أعداء يقاتلون الشعب السوري ونحن نعمل لتحرير سوريا من الاستبداد الدموي القاتل ومن الاحتلالات الموجودة تحت مظلة النظام وبرعايته. وكذلك ضد داعش التي اوغلت بالدم السوري وعملت ضد مصلحة الشعب وكأنها أحد أدوات النظام السوري لفترة طويلة

نحن مازلنا نعمل لتحقيق أهداف ثورتنا في الحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية.. لن نتورط في صراعات طائفية او اثنية او دينية ابدا

عاش الشعب السوري العظيم

.المجد للشهداء كرامتنا و عزتنا وفخرنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى