كل العقائد يُساء لها عندما تصنع دولتها الشمولية الاستبدادية . تتحول إلى فكر يغطي الاستبداد و يبرره . تصنع شرعية كاذبة.. لتغطية استبدادها وطغيانها واستغلالها..للشعب.
لنسأل التاريخ.
اولاً . ان الاجتماع البشري ومنذ البدايات الإنسانية .محكوم بضرورة العيش الجماعي .لاستمرار الوجود عبر النسل, ولتحقيق الحياة الإنسانية الافضل. وان هذه الحياة الاجتماعية لا تتحقق دون أن يكون لها ضوابط . تربط بين الحاجات في الجماعة و بين الافراد وتناقضها وصراعها ايضا. هذا الضابط الذي نشأ عبر التاريخ وكان اسمه السلطة. ومن يومها اجتمع الناس والأرض والسلطة السياسية.لتكون أول اجتماع بشري.. مهما كان بدائي.. وتطور عبر الزمن
ثانيا ً. لم تكن السلطة عبر التاريخ حلا سحريا لتحقيق حياة الجماعة الافضل. صحيح انها قننت العنف بها وأصبحت هي مصدر الشرعية والمعبرة رمزيا وجماعيا عن الجماعة الإنسانية مهما كانت. ولكنها لم تكن في أي مرحلة في التاريخ. تحقق فعلا مصلحة هذه الجماعة. بل سرعان ما تتحول من أداة تحقق مصلحة الجماعة لأداة تحقق مصلحة الممسكين بها. وأصبحت هي اداة اعادة استغلال الجماعة. لمصلحة الفئة الماسكة بهذه السلطة. وعلى حساب الجماعة بالعنف أو بالعرف او بعقائد وضعية أو سماوية وكلها لخدمة هذه السلطة وعصبتها. تنوع عبر التاريخ من يمسكون بالسلطة. حسب التطور الاجتماعي..ففي القبيلة يكون الأكثر عددا وقوة ومنعة. وفي الحضر الأكثر عددا وثروة وسطوة. وفي العصر الحديث من يمتلك عنصر القوة والثروة. والجميع محكوم بقاعدة إستخدام السلطة السياسية التي من المفترض أن تخدم الجماعة في ارضها الى مصلحة العصبة الحاكمة. هذه السلطة الاستبدادية بأشكالها القبلية أو السلطانية..(دينيه وغيرها). أو الحديثة الشمولية. من قومية الى الشيوعية وحتى الرأسمالية ايضا
ثالثا.لم يكن البشر ليقبلوا أن يخرجوا من الغابة بفوضوية الحياة، الغلبة للأقوى وصراع البقاء. ليدخلوا عصر الجماعة الإنسانية والبحث عن الحياة الافضل. ويكونوا ضحية للاستغلال أو العبودية أو السلطان الاستبدادي والوحشي الطاغي عبر التاريخ. تحرك البشر منذ أول اجتماع إنساني لنيل حريتهم ورفضهم لأن يكونوا عبيدا لمستغل او متسلط ونشأت ثورات الإنسان عبر التاريخ لنيل حريته ( بكل المعاني كحق معرفة للوجود ولما يجب أن يفعله ليحقق الحياة الأفضل وآلية التحقيق، ومن ثم تحقيق الحياة الافضل فعلا).. تحرك الإنسان لينتصر لحقه بالعدالة والمساواة… كل ذلك كان من خلال دعاة كانوا منارات عبر التاريخ… وكان أهمهم الأنبياء والديانات والدعوات السماوية منها والأرضية. لم تخلوا مرحلة تاريخية .ولا بقعة من الأرض من هؤلاء الأنبياء والدعاة من فجر الإنسانية للآن. أنهم دعاة للانتصار لانسانية الانسان وحريته وللعدالة ولحياته الافضل. هذه مشتركات الدعوات كلها. وهذا مبرر وجودها واستمرارها على الأرض
رابعاً . كثير من هذه الدعوات بقيت حبيسة ضمائر أصحابها. وبعضهم كانوا ضحيتها وشهدائها ايضا. فلم تقبل كل السلطات ابدا وعبر التاريخ. باي فكرجديد يآخذ منها امتيازاتها. حاربته ومن المهد. لكن بعض الدعوات ومنها الأديان قاومت واستطاع بعضها أن يصنع حكما امتد لمئات السنين. ولكن كل الدعوات وحتى الديانات عندما استلمت السلطة واغلبها عبر ثورات اجتماعية مديدة وعميقة التأثير. سرعان ما تتحول لسلطة مستبدة ومستغله وخاصة بعد موت المؤسس نبي أو داعية. ولم ينجوا من هذا الواقع أي دعوة دينية او غير دينية. الديانات الهندية والصينية القديمة التي قامت انتصار للإنسان والعدالة والحياة الأفضل. سرعان ما تحولت لحكم استمر عبر قرون يثبت واقع استغلال البشر وتفاوت حياتهم وصناعة عقلية قبول هذا التفاوت. استقرت أخيرا عقائد تؤيد الواقع الظالم بعد أن كانت قد ثارت عليه وأصبحت تحتاج لثورة عليها هي. وهكذا حصل في العصر الحديث في الهند والصين. وأما المسيحية التي انتشرت تحت الظلم وفي كل الأرض كانت ولأكثر من مائتي سنة. تتحرك منتصرة للإنسان وكرامته والعدالة. وعندما تلقفتها روما وحولتها ديانة رسمية للسلطة. لتأخذ من خلالها شرعية إلهية سرعان ما تحولت إلى سلطة قاهرة للمسيحيين أنفسهم. وحولت المسيحية عبر تقنينها وتحويلها لكنيسة ناطقة باسم السماء. وعبر التزواج بين رجال الدين ورجال السلطة ، خلقت الشرعية في استغلال العالم كله. وتبرير التسلط والاستعمار واستباحة المجتمعات الاخرى واستغلالها واستعبادها ايضا
خامسا ً. وعند الحديث عن الإسلام ونبيه العظيم محمد ص…فنحن أمام رسالة سماوية. ونبي عمل في أجواء اضطهاد وعداء وتعب هو وصحبه حتى تمكن من ان يصنع نواة دولة يطبق بها دعوته. التي كانت في عمقها دعوة توحيد وخير وعدالة وحرية وتحرر. وفرضت نفسها بقوة بعد أن حاربها حكام مكة وبقية قبائل الجزيرة العربية لأنها تلغي شرعيتهم وامتيازاتهم واستغلالهم للناس عندهم. لذلك التحق الناس بالدعوة ووجدوا بعبودية الله ورسالة الإسلام حريتهم والعدالة التي يبغوها التي هي حقهم الوجودي. وكانوا في دولة الرسول نموذجا إنسانيا رائعا. ( إذا أخذنا نسبية المكان والزمان والعصر).. وصنع صورة عن السلطة وكيف يجب أن تكون شوروية بين الرسول وصحبه.. فهي من الناس ومصالحهم انبثقت. ولأجلها على الأرض تحركت .وكان الرسول والهداية الإلهية كقرآن. النور الذي أكّد ذلك ونفذه. وكانت تجربة النبي ص ولا تزال بهذا المعنى نورا هاديا للبشرية
سادسا ً. كان لا بد أن يتوفى النبي ص وأن الحياة مستمرة وأن الحاجة للسلطة مستمرة.. وكان تداعي صحابة الرسول بعد وفاته لتولية خليفة له أمرا مهما للدولة الوليدة وللمسلمين أنفسهم. ولان الرسول لم يكن قد قنن آلية محددة للحكم بعده .ولأنه كان في القرآن نصوصا توجيهية نحو الشوروية في كل شؤون المسلمين. ولانه مارس الشوروية في كل أمور المسلمين الحياتية. وحتى في مناقشة بعض أمور الدين أيضا. لذلك تداعوا لمشورة بينهم ليحددوا من يخلف رسول الله كسلطة متابعة أمور المسلمين.. واستلمها أبو بكر وكانت مدته قصيرة وكانت محكومة بثوابت الرسول وتجربته. فكان يستشير المسلمين في أمرهم وكان عادلا ومنصفا ويقف على حقوقهم. وبوفاته واستلام عمر بعده (شورويا) .الذي كان يتميز بالحزم والعدل والحفاظ على حرمات المسلمين. وفي عصره بدأت تنتشر الدعوة الإسلامية والفتوحات وتقوى الدولة وتصبح رقما دوليا في عصرها…وعندما قتل غيلة.. صار عثمان خليفة (شورويا) ايضا.. وحكم وفي حكمة ظهرت بوادر استغلال السلطة للمصالح الشخصية او القبلية أو العائلية.لذلك حصل الصراع الذي أدى لقتله. والذي . استدعى أن يكون عليا خليفة للمسلمين (شورويا) ايضا.. لكن لم يستتب الأمر له. بسبب الصراع على السلطة. تزعمه معاوية والي المسلمين بالشام. والذي انتهى بموت علي غيله واستلام معاوية للحكم وبداية عصر الملك العضوض الوراثي.(الحكم الجبري الوراثي الذي لا يأخذ برأي الناس ).. وهنا دخل الإسلام والحكم والمسلمون عصرا جديدا
سابعا ً. منذ بداية حكم معاوية وبعده وراثة في بني أمية. دخل الحكم في إعادة استخدام العقيدة لخدمة السلطة الحاكمة..ومصالحهم ومناصريهم وخلق نفوذهم وامتدادهم في الأرض. وعبر الزمان وهذا لا يلغي أنهم توسعوا في الامتداد وفي كل اطراف الارض بالدعوة الإسلامية.. لكنهم وفي العمق ظهرت فيهم الأمراض السلطة المستبدة بكل موبقات الفساد والاستغلال والظلم والاضطهاد… وتحويل المسلمين عبيدا عند بني امية وعصبتهم وجندهم وحكامهم وولاة أمورهم..لذلك كانت الدولة الأموية تداعى من الداخل وقوي عليها خصومها… وكان مصيرها السقوط. كانت تتغطى بادعاء أنها شرعية وبأنها دولة المسلمين. ولم يكن ذلك ينفعها ولا يبرر ظلمها. وكان الثوار عليها والذين ينقضونها مسلمون ويرفعون الإسلام راية لمطالبتهم باسقاطها وتحقيق العدالة وحياة الإنسان الافضل.. ونجح العباسيون بإسقاط الأمويين.. ولكنهم ساروا بنفس الطريقة اعادة تدوير الحكم بشرعية اسلامية مدّعاة..وخدمة عصبة الحكم (العائلية أو القبلية ). وامتداداتها من ولاة وجباة وعسكر وسلطان.. واشتغلت على تأبيد سلطانها عبر فقهاء السلطان .وعبدة الحكام في كل زمان ومكان… وكذلك في مرحلة انفراط عقد الدولة الاسلامية الواحدة .ودول الأطراف والفاطميين وحتي الحكم العثماني. كلهم استخدموا الدين مطيه للحكم والاستغلال والاستبداد والفساد وظلم العباد.. والناس غرقوا في الفقر والجهل والتخلف.. وتحولت نهبا للسلطان في الداخل أو العدو الخارجي.. واصبح الدين عند الناس وعد بالعدالة والحياة الافضل ولم يعد له على الارض الا حضور لنقيضه، سلطة غاشمة وفقهاء مرتزقة، ولكن بالدين هذه المرة.. والمجتمع كله ضحية
ثامنا ً. عندما سقطت الخلافة العثمانية..لم يأسف أحد عليها.. واكتشف المسلمون ونحن العرب منهم كم نحن متخلفون عن العصر علما وتقدما وامكانيات حياة وتقدم.. واكتشفنا أننا ضحية استعمار جديد من الغرب واننا رجعنا ضحية سلطة ولكنها غريبة وغربية هذه المرة وأننا دخلنا في حالة الاستعمار والاستغلال والتبعية. وصار لنا مهمات جديده: فعلينا أن نتحرر من المستعمر والتخلف. وان نلحق بركب التقدم وصناعة حياة تليق بالإنسان..فيها الحرية والكرامة والعدالة والتقدم .يعني حياة الإنسان الافضل
أخيرا ً. نحن مجددا أمام بدء الحديث وأن السلطة السياسية وعبر تاريخنا وللان كانت تستخدم العقائد مطية للهيمنة والاستغلال وخدمة مصالحهم كعصب…وأن الإسلام كدين ورسالة .استغل عبر التاريخ في ذلك. واننا عندما ثرنا في تاريخنا ضد الظلم كان الإسلام منطلقنا العقائدي ايضا… واننا اخيرا اصبحنا متخلفين وخارج العصر… وأننا مطالبون أن نقول كيف نكون مسلمين. ولا نكون ضحية سلطات اسلامية او قومية او شيوعية أو رأسمالية كافكار ولكنها كلها كانت مطية الحاكم الذي استغلها. لنستمر عبيدا والبلاد مزرعة الحاكم المستبد الخاصة.. وهكذا عبر اغلب التاريخ وللأسف.
كيف نحافظ على أدياننا وعقائدنا وقيمنا وحقنا بالحياة الأفضل، ومصانة كرامتنا في ظل العدالة والحرية والتقدم.