العودة للتاريخ بعقل منفتح غير منغلق يكشف للمرء الكثير مما قد غاب أو يغيب عن ذهنه.
وواقع الأمر أن تلك الريشتان اللتان نراهما دائماً، في الصور الحديثة المنتشرة التي يتم تركيبها على الرأس فوق العمامة أو الخوذة الحربية، تم الترويج لها منذ عقود فإذا بها صارت ترفع في البيوت والمساجد..إلخ…بأنها “صور تعود أو تمثل، ابي الفضل العباس والحسين و علي و كل أهل البيت” وهذا غير صحيح البتة، وهم منها براء.
إنما في الحقيقة هي ثقافة فارسية دخيلة وايضا تجارة رائجة تصنع في أصفهان و”إيران” منذ سنوات طوال وتدر ربحاً كبيراً عليهم والمصيبة والطامة والأطم منها تحولت إلى أشياء مقدسة عند بعض الناس مثل الريشة أو الريشتين من ذيل الديك أو الطاووس! بالإضافة إلى تصدير أشياء اخرى…تصنع في “ايران” و ربما لا يوجد هنالك من يسأل نفسه بنفسه ولو لمرة واحدة: ما قصة الريشتان هذه وكيف جاءت و كيف تم تركيبها على رؤوس وخوذ أهل البيت وهل الحقيقة أن هذه صورهم ..!؟ وهل يعبد الناس الريشة يوما ما إن هي الأخرى أصبحت مقدسة ولو كانت من ذيل الديك! بقولهم: نتقرب بها إلى الله زلفى!؟
الحقيقة التاريخية تقول إن تلك الريشتان تعودان إلى أساطير الفرس “القديمة” والحديثة في كتبهم التي تعظم من تاريخ الفرس ولو باستخدام طريق التحريف والتزييف وعلى سبيل المثال لا الحصر: قصة (رستم وسهراب) أصحاب الريشتين وكيف قتل (الأب رستم) ابنه سهراب، ممتاز!
إذ أن صور ” اهل البيت” المنتشرة تشبه تماماً صور رجال الأساطير الفرس من حيث الرسم والشكل التي رأيناها في المدارس ومنها أسطورة (رستم وسهراب) لذا نحاول أن نرفق عدداً من الصور في هذا المقال كي يتضح لكم الأمر أكثر ولتعلموا الطريقة الفارسية الخبيثة وكيفية دس السم في العسل! وفن استثارة العواطف واستهداف العقول وتحطيمها (خرافياً) وعقدياً لتمرير مآربهم وخططهم وبسط سيطرتهم من خلال احتلال العقول اولاً والأرض ثانية حتى لو على المدى البعيد! ورأينا ماذا فعلوا في البلاد العربية مؤخراً.
والدليل على ما نقول ما يلي وهو غيض من فيض: لما كنّا في المدارس: الابتدائية والمتوسطة، المدارس “الايرانية” في الأحواز العربية المحتلة، ندرس باللغة الفارسية قسم ” الأدب الفارسي” والذي يعتمد في طرحه على الخرافات والأساطير والطوباوية، طبعا الدراسة العربية كما تعلمون ممنوعة في الأحواز، كانوا يدسون في هذه المادة من تخيلات “الشاهنامة” الكتاب الذي يصف العرب بأبشع وأحقر الأوصاف.
كانوا يضعون صور افتراضية خرافية لشخصيات فارسية ربما ليست موجودة من الأساس، هم من (اختلقوها) وصنعوها من نسيج خيالهم وأظهروها داخل صور ملونة مرسومة بدقة على سبيل المثال، للشخصين الذين ذكرناهما! تظهرهما تلك الصور، تارة في ملاحم بطولية وصراعات مع الحيوانات ومخلوقات لم نرها من قبل ومع الأسود وغيرها من الوحوش، تظهر أناساً ضخام حاملين السيوف يمتطون الخيول وعليهم ندوب وجروح، يحملون السهام في اياديهم أو على أكتافهم ونزيف على وجوههم احيانا أو على جباههم، وتارة أخرى يحاربون (التنين) ” اژدها” أو مخلوق آخر يشبه الشيطان “إله الشر ” في العقيدة الفارسية القديمة، بشق فمه إلى شطرين، في سلسلة تراجيدية أسطورية خيالية ليس إلا…. ربما كنّا مستمتعين بالمشاهد وبالنظر للألوان والنيران التي تخرج من افواه تلك الحيوانات! وعند مشاهدتنا لتلك الصور كنا نشعر في عقولنا الطفولية الصغيرة التي لم تنضج بعد، إلا في مرحلة المتوسطة (كبرنا قليلاً) ما نشاهده ونسمعه من المعلمين الفرس كان ضرباً من الخيال! رجال يضعون فوق رؤوسهم “ريشتين طويلتين” و احدهم يصرع التنين بيد واحدة، أو بضربة سيف، كان يبهرنا ما نرى من ألوان ومجسمات و يشدنا ربما لون الرسم داخل كتاب ” أدبيات فارسى” كأطفال اليوم عندما يشاهدون أفلام الكرتون المختلفة ربما يتمنون لو يصبحون مثلهم اقوياء أو يطيرون! أي مثل طرزان وگرندايزر وشاكي چان أو ذاك الحصان الذي يطير في السماء بجناحين والطائر الذي يحمل على ظهره إنسان! من ابداعات مخرجي السينما وليس في المدرسة والجماعة كما تعلمون هم مبدعين في التلفيق والإخراج!
إذ لم نكن نعرف عن اهل البيت العرب إلا القليل القليل وكنا نظن احياناً أن أهل البيت أعاجم! بفضل المعلمين طبعا، لأنهم لم يكونوا يشرحوا لنا التفاصيل ولا يركزون إلا على ما تم وضعهم فيه من قبل” إدارة التربية والتعليم ” لم يشرحون لنا تماماً بالمنطق المقبول عن شجاعة وكرم وانساب ومزايا واخلاق اهل البيت العربية ومنبتهم وقيمهم. إلخ… لذلك كنا نتصور احيانا أنهم على شاكلة صاحبينا “رستم وسهراب” ذو ريش أو الريشتان المختلفة الألوان فوق رؤوسهم في الرسم الذي كان وربما لا يزال تحمله الكتب الفارسية! تصورنا أن كل رجل منهم طوله مترين وقبضة يديه ليست مثل البشر الآخرين، فقد كنّا في عمر المراهقة ونعتقد أن “اهل البيت” اقوياء جداً بل وخارقي القوة، وأحدهم قادر على أن يقتلع شجرة ضخمة من مكانها بمفرده أو يقسموا التنين أو الوحش الضخم الكاسر إلى نصفين أو قطعتين إن شاءوا ذلك وأنه لا يهزمهم أي مخلوق مهما تعاظمت قوته! تأثيرات خرافية لم نكن نشعر بها! إلا لاحقاً، وكان نجاتنا في عروبتنا ومساهمة أهلنا العرب في توعيتنا بما يملكون من وعي، وأغلب الظن أن الفرس يريدون تصوير وتسويق أهل البيت على طريقتهم الفارسية فقط أو على طريقة الفارسي ابن خدكن وابو لؤلؤة وليس على الطريقة العربية التي أنيط بها حمل الرسالة.
العرب قديما مثل قوم عاد وطسم وجديس وغيرهم وجرهم ومضر ونزار ووصولا الى ١٤٠٠ عام، بكل فرسانهم، لا نعتقد بأنهم قد وضعوا يوما ما، الريش فوق رؤوسهم قط، وأن زي (نبي الرحمة) ومن كان معه من اهل بيته أو من عاصره وحتى كفار قريش كان معروفاً زيهم، الجلباب أو (العمة والعباءة) فما بالكم بالريش الملون فوق الرؤوس! تخيل معي لو أن وقتذاك ابو لهب وضع ريشة على رأسه ودخل بيته لقرعته أم جميل بنفسها، ما الذي تضعه فوق يافوخك يا عبد العزة!
إذ أن هذه الطقوس والعادات كانت عند الهنود والإغريق والروم والفرس، أما عند العرب والإسلام فلا! إذ لم نجد لها أثراً سوى في مخدات الريش التي تصنعها جدتي وجداتكم. ونعم قد تطورت الخوذات الحربية في العهود الإسلامية وصنعت من حديد أو نحاس ومنها موجود في المتاحف وكتب على بعضها آيات من الذكر الحكيم ولكن لم نجد أي أثر للريشتين! ولم نسمع أو نشهد في التاريخ العربي القديم أو الحديث أو في الجزيرة العربية عامة ذكر لهما، لا في كتاب ولا في قصيدة! وما قد علمناه أن الريش الكبير غالباً ما كان يتم استعماله في الكتابة أو لأغراض أخرى ربما وليس للعقيدة أو الدين وتمييز الرجال وإعطائهم صبغة (ريشية)أقصد دينية! معاذ الله.
فإن الريشتان هما (لرستم وسهراب) لا لأهل البيت وأن جداتنا العربيات يصنعن المخدات من الريش الناعم للطير وليس الريش الكبير لأنه قد يخترق قماش المخدة أو يمزق أذنك حين النوم أو يدخل في إحدى عينيك فيجعلك احولاً! أن ديننا بينه الله ورسوله ولسنا بحاجة إلى ريشتين فارسيتين ولا صور من صنع “ساخت إيران” لمعرفة العرب الأوائل أو رجال الأمة الإسلامية، سواء اهل البيت أو الصحابة، فانتبه لما يحاك ضدك واعرف عدوك التاريخي.
ملاحظة: إن كتابتي لهذا الموضوع جاءت من منطلق تاريخي وعربي وتراثي وحاولت اختصر الأمر لأنه متشعب ولَم اكتبه من باب “مذهبي” و إنما نظراً لما شاهدته في المدارس الفارسية واحلامهم و أساطيرهم التي اخبلت عقول أكثرهم، أقول و اكرر و أجزم أن كل الصور التي تحملونها في بيوتكم على أساس إنها صور ” آل البيت” هي من وحي وخيال الفرس وليس للعرب أي يد فيها لا من قريب ولا من بعيد.
أخي الكريم يونس…بارك الله فيك
موضوعك جميل و جدير بالطرح، و تسليط الضوء عليه أمر في غاية الأهمية ولابد من التصدى للفكر الفارسي العفن و المسموم و تعريته ،لم يسبق لي من خلال قرآءآتي ان أطلعت على مثل هذا المقال الذي يتناول واحدة من الخرافات الصفوية
لكم كل الامتنان يا أهلنا في الاحواز فأنتم والله شارة شرف على صدورنا ومصدر فخر لنا
حفظكم الله و نصركم و أيدكم