أعدّت منظمة “اليوم التالي” السورية المستقلة استطلاع رأي استهدف سوريين وسوريات حول المواطنة والهوية، بهدف التعرّف إلى الانطباعات العامة لدى شريحة واسعة من هؤلاء في داخل البلاد وخارجها حول مفاهيم المواطنة المتساوية والفاعلة وعلاقتها بالهويات الفرعية.
وأكّدت المنظمة أنّ “الباحثين اعتمدوا في إعداد التقرير على دراسة مسحية شملت 2651 رجلاً وامرأة في داخل سورية وخارجها من خلفيات دينية وقومية وعمرية وتعليمية متنوعة”، مضيفة، في تقرير لها، أنّ “فريق عمل مؤلفاً من 52 باحثاً وباحثة موجودين/ات داخل سورية وفي دول الجوار وأوروبا، هو من أجرى العمل”. ولفتت إلى أنّ النساء شكّلنَ 50% من العيّنة البحثية.
وأوضحت “اليوم التالي” أنّ “التقرير استطلع آراء وانطباعات السوريين والسوريات حول تعريف هويتهم/نّ الاجتماعية الخاصة، وما هي أولوياتهم/نّ الأساسية على المدى القريب والمتوسط”، مؤكدة أنّ “ما يقارب 24% عبّروا عن أنّ الانتماء للعائلة هو الأكثر تعبيراً عن هويتهم الخاصة. كذلك قال 84% من عيّنة البحث أنّهم تعرّضوا/نّ إلى تمييز أو اضطهاد مبنيّ على انتمائهم/نّ الهوياتيّ، تحديداً بما يتعلّق بالتمييز على أساس الدين والطائفة”. وأشارت إلى أنّه “ليس بالضرورة أن تعبّر عيّنة التقرير عن كلّ آراء السوريين، ولكنّ المسح حاول شمل أكبر عدد وتنوّع ممكنَين”.
وبيّنت المنظمة أنّ “النتائج أظهرت فروقاً بين الرجال والنساء أكثر عند الحديث عن الهويّة الجندريّة. كذلك كان الانتماء للعائلة المرتبط بالهوية الفرديّة الخاصّة أعلى عند النساء (25.8% من مجمل النساء في العيّنة) مقارنة بالرجال (21.9%)”.
كذلك كشفت المنظمة أنّ “قرابة 91% من الكُرد (الأكراد) السوريين المستطلعة آراؤهم في التقرير قالوا إنّهم تعرّضوا إلى تمييز هوياتيّ ما في سورية، تحديداً في مؤسسات الدولة الرسمية والقطاع التعليمي، كالمدارس والمعاهد والجامعات”. وفي الوقت ذاته، أكّدت أنّ “هناك حالة من الإجماع على ضرورة المساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية بغضّ النظر عن الانتماءات القومية أو الإثنية أو الدينية أو الطائفية”.
تمييز على أساس الهوية الجندرية
وأوضحت المنظمة أنّ “ما يقارب 24% من النساء المستجيبات عبّرنَ عن تعرّضهنّ للتمييز بناءً على هويتهنّ الجندريّة، خصوصاً في الفضاء الخاص كالعائلة أو العشيرة أو المجتمع المحليّ المحيط بهنّ”، مضيفة أنّ “محاربة الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية هما أهم الأولويات المستقبلية لدى 38% من إجمالي العيّنة، يليهما الأمان الشخصي وحرية العقيدة”.
وبحسب ما أفادت نتائج استطلاع “اليوم التالي”، فقد “رفض ما يقارب 20 % من الرجال المساواة في الحقوق السياسيّة بإطارها العام مع النساء. ترافق ذلك مع ارتفاع نسب عدم الموافقة لترشّح امرأة لرئاسة الدولة في المرحلة الانتقاليّة عند كلّ من الرجال والنساء معاً، بنسبة رفض بلغت 38% عند الرجال و18% عند النساء. وعبّر 92% من العيّنة عن تأييدهم حقّ المرأة المطلق في منح جنسيتها لأطفالها، وكذلك 89% عن موافقتهم على ضرورة منح الجنسية للذين/ اللواتي سُلبت منهم جنسيّتهم لأسباب سياسية أو قومية”.
ورأى 53% من العيّنة المستبينة أنّ “دين المرشح لرئاسة الجمهورية لا يشكّل معياراً أساسياً لتحديد ميولهم الانتخابية، مقابل 40% يرون أنّ الهوية الدينية للمرشّحين لهذا المنصب ستحدّد ميولهم الانتخابية، فيما عبّر ما يقارب 56% من مجمل العيّنة عن أنّ دين رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقاليّة لا يشكّل معياراً أساسياً لتحديد ميولهم الانتخابيّة”.
وحول اللغة الرسمية للبلاد، كشفت المنظمة أنّ المستطلعة آراؤهم أكثر ميولاً لاعتبار أنّ “اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، مع ضمان حقّ المكوّنات القومية الأخرى في ممارسة لغاتها في أماكن وجودها في داخل سورية”.
حاجة إلى بحث أسس المواطنة في سورية بعد الثورة 2011
وحول أهداف هذا الاستطلاع، قال المدير التنفيذي لمؤسسة “اليوم التالي” معتصم السيوفي لـ”العربي الجديد” إنّه “بعد هذه الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام وبعد 50 عاماً من القمع السياسي والاستبداد المطلق، ثمّة حاجة إلى بحث أُسس المواطنة السورية وأُسس العقد الاجتماعي السوري والقواسم المشتركة بين السوريين التي تعرفهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات”، مضيفاً أنّ “قيمة المواطنة تفترض التساوي بين الناس والحقوق والواجبات وفق عقد اجتماعي معيّن، ومعرفة ما الذي يجمع بين السوريين اليوم وعلى ماذا يمكن أن يتفقوا وما هي نقاط الخلافات الحادة لدى مختلف الشرائح السورية”.
وأشار السيوفي إلى أنّ “هذا يساعد أيّ جهة تعمل في العمل السياسي والقضايا الدستورية وقضايا المواطنة على توجيه البوصلة، لأنّ المجتمع السوري تفكّك بفعل الحرب والتهجير والعداوات التي قامت بين السوريين”، مؤكداً أنّ “منظمة اليوم التالي تبحث عن الصيغة الجديدة التي تجمع السوريين كشعب”.
وعن الصعوبات التي واجهت فريق المنظمة في أثناء إجراء المقابلات، شرح السيوفي أنّ “الصعوبات التي تواجه العمل البحثي بشكل أساسي تتلخّص بيأس الناس من عدم وجود حلّ في الأفق، وبالتالي يبحث الناس عمّا يساعدهم”، مشيراً إلى أنّ “هذه الصعوبات انعكست بنتائج الاستطلاع”. وأوضح: “عندما سألنا الناس ما هي الأولويات في الوقت الحالي، أجابوا تحقيق التنمية والرفاه الاقتصادي، فيما حرية التعبير وغيرها أتت في إطار الأولويات الأخرى”، لافتاً إلى أنّ “الناس يائسون وغير مقتنعين بجدوى العمل البحثي أو حتى العمل الإعلامي بشكل عام”.
وتابع السيوفي أنّ “هذا الاستطلاع يأتي جزءا من مشروع استطلاعات الرأي في المنظمة، وقد أصدرنا نحو 21 تقريراً تتضمّن مواضيع لم تُحكَ بين السوريين أو هي مثار جدال. وهدفنا الأساسي من هذا المشروع أن تكون مثل هذه التقارير مراجع لمؤسسات بحثية وصحافيين ومؤثّرين ومنظمات مجتمع مدني فتعتمد عليها وتبني عليها”. وشدّد على أنّ “موضوع البناء على مثل هذه الدراسة يكون استناداً إلى مواضيع حقوقية، سواءً أكانت حقوق سياسية أو اقتصادية أو مدنية أو ثقافية أو لغوية. ومن الممكن أن يُبنى عليها في الإطار الدستوري في ما يتعلق بميول الأشخاص السوريين، ومواضيع متعلقة بالانتخابات وأخرى بالعملية السياسية”.
ومنظمة “اليوم التالي” هي منظمة سورية مستقلة تعمل على دعم الانتقال الديمقراطي في سورية ما بعد النظام السوري. وهي تضمّ 45 ناشطاً سورياً يمثّلون طيفاً واسعاً من المعارضة السورية ويعملون على إدارة هذا المشروع المستقل للتخطيط الانتقالي.
المصدر: العربي الجديد