أفصحت الأحداث الأخيرة عن مستجدات مرحلية جديدة من بلاد ما وراء البحار حول قضية جورج فلويد وعن حجم الإساءة الكبيرة والممنهجة والأساليب القمعية التي استُخدمت بحق المحتجين والمتظاهرين السلميين الذين خرجوا رافضين هذا الحدث العنصري مستنكرين ما حصل.
إن سقوط القناع الديمقراطي ومن ثم ظهور كل أشكال العسف القمي والهمجي البربري الذي انتهج في مواجهة مظاهرات نيويورك ومينابوليس وعدة مدن أخرى كانت مناصرة لجورج فلويد وتدين الجريمة العنصرية التي حصلت من سياسة ترامبية مسببة لها.
ويبدو أن هذه الأفعال التي لم تكن معهودة أو مشاهدة أو متوقعة من المتابع العربي والدولي لدولة محترمة، من المفترض أنها تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وتحارب التطرف والتفرقة العنصرية وتتظاهر بأنها الهرم الديمقراطي والقلعة المدافعة عن قضايا الشعوب الطامحة للتحرر واستقلال الكلمة.
لا شك أن هذه المشاهد أسقطت الستار تمامًا وعرت الإدارة الأميركية بكل مؤسساتها السياسية والشرطية الأمنية حول الهالة المزيفة والبالون الفارغ والشكل الخداع التي كانت قد أوهمت به العالم وتمظهرت المدرسة الديمقراطية الكاذبة بالعودة إلى ما تم من قتل وسحق واعتقالات ودهس للشعب الأميركي على خلفية هذه القضية والتي باتت تشبه ممارسات وبطش النظام الأسدي وعنجهيته وجبروته وظلمه المستمر للشعب السوري والوطن السوري المنهوب والمدمر.
إن تعمقنا أكثر في أسباب اعتراض هذه الاحتجاجات والتعامل معها بهذا الشكل الشرس والمفاجئ للرأي العام والفوضى التي تلت ذلك، يبرهن وبوضوح دور الدول الرأسمالية الارستقراطية الوضيع دائمًا في الانقضاض على الشعوب ومن ينال من استقرارهم الاقتصادي واستخدامهم كعبيد لها في تنفيذ مشاريعها المالية والحول دون المساس بسلطتها وعرشها المادي المسيطر على العالم بأسره والمحرك له بعجلة الدولار.
وإن لم يكن في هذا المنحى بشكل من الأشكال كدولة تعبر عن نفسها كدولة قانون وأنظمة ومؤسسات. فإن دولة هذا القانون والمؤسسات قد طعنت بدستورها ومبادئها ومسارها وسمحت لأفعال عنصرية تمارس بحق أصحاب البشرة السمراء المضطهدين دومًا في الأرض الأميركية من منطق وفكر متسلط، كما أسلفنا، يريد التحكم بهم كوقود وموظفين وعبيد لإتمام صفقاتهم وتعبئة بنوكهم وزيادة أسهمهم الاقتصادية حول العالم لتظل هي الدولة العظمى الآمرة والناهية بكل شيء.
في هذا السياق كان ترامب وسياساته الهوجائية وغير المسؤولة وأيضًا قراراته المهزوزة وغير المتزنة والتعامل مع الأمور بشكل ساخر ومسف هزيل لا يرقى لحجم الولايات المتحدة، وهي الداعم والمؤجج والمشغل الفعلي الأساسي التي أثرت على المشهد وزادت من حدة التوتر والاعتراضات والفوضى السياسية الأميركية عبر تصريحاته الغريبة التي اعتبرها كثيرون مؤيدة لاستخدام العنف ضد الأميركيين كما قال في تغريدة له على توتير. (عندما ما تبدأ عمليات السطو يبدأ إطلاق النار). وتغريدات أخرى عدائية هجومية على المطالبين بمحاسبة مرتكب هذا الجرم العنصري الأشر.
والسلوك الآخر الذي بدا من خلاله مستفزًا للمتظاهرين بالخروج أمامهم بين حراسه وجنوده ليلقي خطابًا مقتضبًا ممسكًا بكتاب الانجيل واعظًا الناس بعد ما جرى من عبث. الذي أشعل الوضع أكثر وأثار غضب الكثيرين.
وأوامره للحرس الوطني والجيش الأميركي بالتدخل الذي كان مستهجنًا من الوسط العام الإعلامي الأميركي والشعب والعالم كاملًا وكأنه يحاول تكرار أعمال الأنظمة الديكتاتورية كما شبهه أحد الإعلاميين العرب بغورباتشوف أميركا الجديد بسلوك جبروتي يستخدم به القوة العسكرية لحمايته وحماية مؤسساته ومكاتبه.
وكما حصل سابقًا مع السيدة الأميركية السوداء / روزا باركس /حول إجبارها لمغادرة مقعدها المخصص لها في مقدمة الحافلة وعودتها إلى المقاعد الخلفية استجابة لأمر السائق العنصري والتي رفضت ذلك فيما بعد وهجوم الشرطة عليها واعتقالها إثر ذلك. والذي فجر غضبًا عارمًا حينها حول قضيتها.. كذلك كما حصل مع جريمة جورج فلويد ولكن الأمر الآن مختلف بالعودة إلى تململ أميركي وامتعاضًا أصبح حقيقيًا ومتزايدًا وعدم رضى، واستياء بالغ من حكم ترامب ومنهجيته وطريقة تصرفاته التي أساءت كما اعتبر محللون سياسيون أميركيون إلى هيبة الولايات المتحدة في العالم وأضرت بمصالحها الاقتصادية الدولية كما ادعى هو أنها أصبحت في أحسن حال في ظل حكمه، الذي أدى إلى خروج الآلاف كما رأينا في الشوارع المعارضة له.
من هنا فإن حالة الغضب والفوضى ستزداد برأي الكثيرين، وبتقديري ستجعل الساحة الأميركية في لهيب واحتقان متواصل ومتعاظم، ومن ثم الانفجار البركاني الشعبي الذي سيلتهم أبو ايفانكا وستكون الأيام القادمة حبلى بتغيرات لابد منها في الإدارة الأميركية والبيت الأبيض، وإن كان أولهم هذا الترامب باعتبار أنه الشخصية السلبية التي ستجلب الويلات والأزمات المتواصلة للولايات المتحدة وللسياسة الخارجية الدولية، والتي لابد من إيقاف صاحبها وتجميد حركته وسلوكه الذي تراجعت شعبيته مؤخرًا بين مؤيديه وصار من الواجب تغييره في انتخابات قادمة في بلاد العم سام ..ستكون مجتمعة ومتفقة تمامًا على إزالة ترامب ومحاولة حلحلة الأمور وتصليح السياسات التي فعلها ويفعلها ولحفظ ماء الوجه للحزب الجمهوري الذي أصبح أيضًا البيت المغذي للعنصرية والتفرقة التي استدعت وخلقت المزيد من النزاعات والعنف والروح العدائية لمن يختلف باللون أو القومية وبالتزامن مع جائحة كورونا التي مازالت تفتك بأميركا خصوصًا وبالعالم كله، وتؤثر على اقتصادات البرجوازيين وأموالهم والوضع المأساوي لهم، وأثر هذا الفيروس الذي لا يعرف له أي دواء حتى الآن .