يطرح البعض من السوريين اليوم مفهومًا جديدًا لعقد اجتماعي يحمل في مضمونه بطريقة ” ذكية” اعتبار الأرض السورية فضاء محايدًا يحتوي مكونات قومية ومذهبية متعددة وحسب مفهوم معين للديمقراطية والمواطنة فكل من تلك المكونات لها الحق في تحديد هوية تلك الأرض فلا يجوز للمكون العربي أن يدعي عروبة سورية أو انتماءها للحضارة العربية – الإسلامية باعتبار ذلك انتقاصًا من المكون الآخر وهكذا لامانع مثلًا من الاتفاق على اسم معين لتلك الأرض الجغرافية التي تضم مكونات قومية ومذهبية متعددة مثل تسميتها بسورية طالما أن ذلك الاسم ليس محل اعتراض أي من المكونات القومية والمذهبية.
ولتفادي ماقد يثيره ذلك لدى بعض ( القوميين والإسلاميين) الرجعيين فلامانع من إشارة خفيفة لاتتضمن معنى الانتماء بل مسحة خفيفة تشبه لونًا باهتًا أو إضاءة روحانية كشمعة ذاوية لايظهر لها أي أثر أو مدلول في الواقع.
لكن كيف يمكن تسويغ ذلك على فداحته وتمريره كبضاعة جديدة تمثل آخر كلمة للفكر السوري المبدع ؟
بحيلة منطقية بسيطة ولطيفة تتمثل بتبادل الأدوار المتزامن بين مفهوم حقوق المواطنة المتساوية للأفراد أمام القانون وحقوق المكونات الاجتماعية في تحديد شكل الدولة.
هكذا يصبح العرب الذين يشكلون مايزيد عن 85% من سكان سورية في موقع متساو من تحديد شكل الدولة الذي يتضمن أساسًا هويتها القومية الحضارية مع أصغر مكون ينتمي لقومية أخرى حتى لولم يكن يزيد عن 7% من السكان.
سورية التي ينظر إليها علماء الأنثروبولوجيا المحدثين باعتبارها الأرض التاريخية التي نشأت منها الحضارات السامية وفق أغلب التقديرات قبل ألفي عام قبل الميلاد، والتي شهدت الدول والامبراطوريات العربية قبل الإسلام بما في ذلك الامبراطورية التدمرية ومملكة الغساسنة وغيرها، سورية التي شهدت أول دولة – امبراطورية عربية امتدت من الصين إلى أسبانيا الحالية، وانطلقت منها جيوش الفتح التي أذهلت العالم حتى اليوم.
سورية التي لم تغير هويتها ولغتها بعد احتلال روماني لمئات السنين، ولم تغير هويتها ولغتها وانتماءها الحضاري العربي – الإسلامي أمام موجات متعاقبة من الغزو الصليبي والمغولي
بل كسرتهم وانتصرت عليهم.
سورية هذه يطرح البعض اليوم في واقعها الكارثي مستفيدًا من ذلك الواقع أن تتنازل عن هويتها العربية الإسلامية وتشطب ألفًا وأربعمئة عام من تاريخها لتصبح مجرد أرض محايدة ليس لها تاريخ ولا هوية ولا انتماء.
يطرح ذلك بغلاف من الحداثة التي لم تعرف مثلها دول مثل فرنسا ذات الهوية الفرنسية التي تفخر بها مع وجود ستة ملايين مواطن فرنسي مسلم من أصول عربية وإفريقية بثقافة وحضارة مختلفة، ولاتعرفها دول مثل روسيا التي تضم الشركس والتتار والقوزاق والشيشان المسلمين بقومياتهم المختلفة.
عفواً أيها السادة فهوية سورية العربية – الاسلامية ليست للبيع.
سلمت يد كاتب هذا المقال فلقد جاء بوقته وعلى الجرح الأكثر إيلاماً في لحظة تاريخية قاسية يتصور فيها أعداء سورية والأمة العربية أنها مواتية للإعلان عن حسمهم لمعركة الهوية العربية بهزيمة ابنائها .