55 عاما مضت على ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة، أول تجارب التاريخ العربي الحديث؛ هذه التجربة التي ينقسم الناس حولها بين مؤيد ومعارض؛ بين من يرى فيها عيوبها؛ فقط؛ ويهاجمها بأشد النعوت والأوصاف؛ ويحملها بأكثر مما تحتمل؛ وبين من يدافع عنها دفاعا مريرا؛ وأحيانا بغير حق أو مبرر.. وقلة منصفة ترى فيها ما لها وما عليها؛ وتحاول قراءتها بشكل موضوعي؛ مستفيدة من دروسها وعبرها…وبما يخدم مستقبلنا كما حاضرنا … 1- كثر الذين يقفون مع أو ضد التجربة؛ ومسألة الوحدة العربية عموما، من خلال موقفهم من رمز التجربة عبدالناصر، وصراعه السياسي والإيدلوجي مع القوى والتيارات التي اختلف معها وناصبته العداء، عن حق أو باطل… صحيح لايمكن الفصل بين تجربة الوحدة وما اعتراها من نواقص، وما حصل فيها من تجاوزات، وبين شخص قائدها الذي بنى مشروعه وخطابه على فكرة الوحدة القومية… لكن من الخطأ الفادح الوقوف من الفكرة ذاتها بدلالة تجربة معينة وواحدة. والموقف من رجل أصبح في ذمة الله والتاريخ. 2- كثر الذين بربطون بين فكرة الوحدة والديمقراطية؛ باعتبار أن تلك التجربة؛ برأيهم؛ كانت مقدمة لاستبداد مقيم؛ طال واستطال حتى استشرى كمرض عضال أتى بالفساد والخراب المعم على البلاد والعباد… حتى لو كان ذلك حقا؛ فمن الخطأ الشديد القول بأن الوحدة طريق للاستبداد؛ أتت به وأسست له؛ بينما الكيانات القطرية والهويات الناشئة، أتت بالديمقراطية أو كانت طريقا لها …بدليل أن مابعد الوحدة كان استبدادا وطغيانا؛ وقهرا وجرائم؛ لم يعرفها التاريخ البشري. وأظن أنه لن يعرفها لاحقا.. 3- عموم السوريين الذين يتخذون موقفا مناهضا من التجربة؛ اليوم؛ يتمتسرون خلفه بدلالة واقعهم وحاضرهم المرير من جراء نظام انتهاك كل القيم الإنسانية والآعراف البشرية؛ عاشوا ردحا طويلا من الزمن تحت حكمه الغاشم. وهم يرددون شعار الآمة العربية الواحدة وعلى رأس أهدافها إقامة الوحدة التي أصبحت تعني لهم نفاقا ورياء ملوا منه؛ وكفروا به…وفكرة غير قابلة للتحقق في ظل فروقات تتسع كل يوم بين مكونات”الآمة”وهي التي تتشكل من ملل ونحل وطوائف لا يمكن الجمع بينها، أو الدمج بينها في كيان واحد… * * * لن أدافع عن التجربة، أو شخص قائدها؛ لأني أعتقد أنها تحتاج لكثير من الوعي بالتاريخ وحركته؛ والحياد والموضوعية؛ الذي قد لا أملكه؛ كما أنه لم يعد من المفيد قراءة الماضي بدلالة الحاضر وتطوراته… كل ما أريد قوله، وما هو مفيد برأيي المتواضع؛ خصوصا أننا أمام تطورات عاصفة ستحدد مستقبلنا ربما لعقود قادمة: 1- أننا أمام عالم لامكان للضعفاء فيه، ومستقبل كثير من الدول والشعوب متعلق بقدراتها على مواجهة نظام عالمي (إقتصادي -سياسي ) لارحمة فيه للدول محدودة الدخل والموارد؛ وغير قادرة على التسويق والإنتاج كما الولوج إلى العصر عبر البحث العلمي والتمكن من إستيعاب كل التقنيات الحديثة التي تضعنا في مصاف الدول المتحضرة والمتقدمة؛ وهو ما لايمكن مواجهته إلا بشكل من أشكال الوحدة، أو التعاون أو التنسيق القائم على المصالح المشتركة؛ أولا بغض النظر عن كل الروابط الأخرى؛ على أهميتها؛ مع محيط تربطنا وإياه الكثير من المشتركات؛ ربما أعاد الربيع العربي طرحها بصيغ جديدة؛ ومختلفة… 2- من غير المجدي في عالم اليوم؛ وفي ظل الواقع الحالي البحث في النظريات لهذا المفكر؛ أو ذاك؛ من منظري القومية العربية، لإثبات حقائق الوجود القومي والتمسك بها؛ بل من الآجدى الوقوف على عتبة الحاضر والتبصر بضرورات المستقبل؛ بما يعني فهم واستيعاب الكيانات والدول القائمة، والتعامل معها كشرعيات دستورية وشعبية. وليس كنتاج لمرحلة الإستعمار… 3- لايمكن إغفال أن أي تجربة من هذا النوع هي بالارادة الواعية والمشروعة التي ترى في الوحدة أو أخواتها ضرورة وجود وإخراجها من الحيز الإيدلوجي لتكون قيمة وهدف عام؛ كالديمقراطية وحقوق الإنسان وتبادل السلطة وفصل السلطات… 4- لايمكن فصل الموقف من “الوحدة”أو أي شكل آخر من هذا القبيل؛ دون الحسم بهوية كل “كيان” أو” قطر”أو دولة؛ وهو جدل لم ولن يتوقف عما قريب؛ وربما ذادت حدته يوميات الثورة السورية وتفاصيلها… 5- لا قداسة لفكرة؛ ولا ثابت؛ إلا ما أكده الواقع وإستدعاه بالحاجة والضرورة؛ ولا مرجعية إلا للفكر الإنساني عامة؛ وتجاربه المختلفة والمتعددة؛ وهو ما يعني عدم الوقوف عند حدود أو تخوم تجربة بعينها؛ أو حادثة بذاتها..أو فرد -إستثناء..
الوقوف عند هذا اليوم وذكراه ليس خارج سياق الأحداث؛ أو ترفا فكريا؛ أو حنينا للماضي؛ إنما هو جزء من محاولة التطلع إلى المستقبل الذي نريده جميعا؛ دورنا فيه؛ ومكانتنا به؛ أين نحن من عالم اليوم وكيف لنا أن نقتحم المستقبل؟