الصدام الصيني الأميركي: حشد الحلفاء للضغط وحماية المصالح

أظهرت الاجتماعات الأولى من نوعها بين مسؤولين أميركيين وصينيين، في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، في مدينة أنكوراج في ألاسكا، أن “الحرب الباردة” التي بدأها الرئيس السابق دونالد ترامب، ستتصاعد، مع تمسّك واشنطن وبكين بمواقفهما، مع الالتفات إلى الحلفاء لتقوية الخنادق التي تتمترسان بها، إذ إن الصين ستستقبل قريباً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حين كان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن يزور الهند.

وعلى الرغم من محاولة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الإيحاء بوجود ملفات يمكن التعاون فيها مع الصين، ومنها إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان، فإن الملفات الخلافية أكبر، إذ إنه اتهم بكين باتّباع سلوك “يهدد النظام القائم على القواعد، والذي يضمن الاستقرار العالمي”. فيما حذر نظيره الصيني وانغ يي أميركا من مغبّة “التّقليل من تصميم الصين على حماية سيادتها الوطنيّة وأمنها ومصالحها التنمويّة”.

وفي حين لا يزال الكثير من سياسة بايدن تجاه بكين قيد الصياغة، بما في ذلك كيفية التعامل مع التعريفات الجمركية على السلع الصينية التي وضعها سلفه دونالد ترامب، فقد ركزت إدارته، حتى الآن، بشكل أقوى على “القيم الديمقراطية”، وقضايا انتهاك الصين لحقوق الإنسان. وكان الخلاف بين بايدن والرئيس الصيني شي جينبينغ حول معظم القضايا ظهر خلال الاتصال الهاتفي بينهما، الشهر الماضي، وذلك على الرغم من أن جينبينغ اعتبر وقتها أن المواجهة ستكون “كارثة” لكلا البلدين. وقال بايدن، الذي أشار إلى جينبينغ على أنه “بلطجي” خلال حملته الانتخابية، بعد المكالمة، إن الولايات المتحدة بحاجة إلى رفع مستوى اللعبة في مواجهة التحدي الصيني، وإلا فإن بكين “ستأكل غداءنا”.

وكانت اجتماعات ألاسكا انطلقت، الخميس الماضي، بلقاء جمع بلينكن ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، بوزير الخارجية الصيني وانغ يي، والمسؤول الدبلوماسي الأعلى في الحزب الشيوعي الصيني، يانغ جيشي، وسط أجواء متوترة، سرعان ما انعكست في تبادل العبارات الحادة بين الطرفين. وانسحب هذا الأمر على ختام الاجتماعات، أمس الأول الجمعة، إذ لم يصدر بيان ختامي اعتيادي يتحدث عن النقاط التي يمكن للطرفين التعاون فيها. وبعد ثلاث جلسات بين الطرفين، الخميس والجمعة، قال بلينكن، أمس الأول، إنه لم يفاجأ بأن الولايات المتحدة حصلت على “رد دفاعي” من الصين، بعد أن أثارت مزاعم بانتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ والتيبت وهونغ كونغ، فضلاً عن الهجمات الإلكترونية والضغط على تايوان. لكنه أشار إلى أن لدى الطرفين مصالح متقاطعة بشأن إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان وتغير المناخ، معتبراً أن الولايات المتحدة أنجزت خلال الاجتماعات ما كانت تهدف إليه. وقال إنه “في ما يتعلق بالاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا، قلنا لنظرائنا إننا نراجع هذه القضايا بالتشاور الوثيق مع الكونغرس ومع حلفائنا وشركائنا، وسوف نتحرك قدماً بشأنها، بطريقة تحمي تماماً مصالح عمالنا وشركاتنا ونتقدم بها”. من جهته، قال سوليفان: “توقعنا محادثات صعبة ومباشرة بشأن مجموعة واسعة من القضايا، وهو تماماً ما حصل”. وأضاف “سنواصل التشاور مع الحلفاء والشركاء بشأن طريقة المضي قدماً”.

من جهته، قال جيشي إن المحادثات الصينية-الأميركية كانت “صريحة وبنّاءة ومفيدة”، وفق ما ذكرت وكالة “شينخوا” الصينية أمس السبت، لكنه أشار إلى أنه “لا تزال هناك بعض الخلافات المهمة بين الجانبين”. بدوره، قال وانغ يي إنّ بكين ما زالت تأمل في أن تُلاقيها واشنطن “في منتصف الطريق”، مضيفاً أن احترام “المصالح الأساسيّة” للدولتين أمر حيويّ، وأن “باب الحوار الصيني الأميركي سيكون مفتوحاً دائماً” إذا تمّ التمسّك بهذه الأفكار. ونقلت “شينخوا” عنه تحذيره لأميركا من مغبّة “التّقليل من تصميم الصين على حماية سيادتها الوطنيّة وأمنها ومصالحها التنمويّة”.

وكان الجانبان كشفا عن قائمة بملفات سوء السلوك المفترض، والممارسات الاستفزازية التي يتّهمان بعضهما بعضا بها. ومن سوء معاملة أقلية الإيغور، وهو ما صنّفته واشنطن إبادة جماعية، إلى التمييز العرقي بحق السود في الولايات المتحدة، اعتبر كل طرف أنه ليس للطرف الآخر أن يعظه في كيفية إدارة بلاده. كما أن العلاقات التجارية بين البلدين مشحونة بسبب الفائض الصيني في الميزان التجاري مع الولايات المتحدة والرسوم الأميركية الباهظة التي فرضتها إدارة ترامب على السلع الصينية. وتتّهم واشنطن بكين بسرقة براءات اختراع لشركات أميركية، وبعدم الشفافية بشأن منشأ فيروس كورونا. وفي المقابل، تتّهم الصين الولايات المتحدة بالتدخل في شؤونها الداخلية، وبالسعي إلى كبح صعودها الاقتصادي.

ويبدو أن الطرفين بدآ بحشد الحلفاء من أجل مواصلة النزال بينهما. وذكرت مجلة “بوليتيكو”، أمس الأول، أن الاجتماع الصيني الأميركي أدى إلى تمترس الطرفين في خنادقهما والتودد إلى الحلفاء. وأضافت “الآن ستجتمع الصين والولايات المتحدة مع شركائهما، على أمل بناء الدعم الدولي للضغط على الآخر على جبهات متعددة”. وأوضحت أن “وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيزور الصين (في 22 و23 الشهر الحالي)، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة ستكون على جدول الأعمال”، خصوصاً أن العلاقة بين واشنطن وموسكو في انحدار، بعد وصف بايدن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “قاتل”. وأضافت “خلال وجود لافروف في الصين، سيتوجه بلينكن إلى بروكسل، حيث سيشارك في اجتماع لحلف شمال الأطلسي، لمناقشة الملف الصيني مع الحلفاء الأوروبيين”.

ونقلت المجلة عن محلل صيني، على اتصال بمسؤولي إدارة بايدن، قوله إن واشنطن “تبحث اتخاذ إجراءات في الأسابيع القليلة المقبلة لمعاقبة الصين، بسبب ما يقول مسؤولون أميركيون إنه حملة إبادة جماعية ضد المسلمين الإيغور في شينجيانغ”. ورجحت المجلة أن تشمل الإجراءات فرض عقوبات اقتصادية جديدة، وأن تتضمن بعض التدابير المنسقة مع بلدان في أوروبا، تشعر أيضاً بالقلق إزاء أزمة شينجيانغ.

وكانت الفترة التي سبقت الاجتماع في أنكوراج تميزت بزيارات أجراها بلينكن ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى اليابان وكوريا الجنوبية، الحليفين البارزين لواشنطن في منطقة آسيا المحيط الهادئ، حيث يثير سعي الصين إلى توسيع نفوذها هواجس الدول المجاورة. كذلك شارك الوزيران في قمة عبر الفيديو بين قادة تحالف “كواد” الرباعي، الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، الأسبوع الماضي، والذي تعهّدوا خلاله بالتعاون معاً في مجال الأمن البحري والإلكتروني، في مواجهة التحديات التي تشكلها الصين.

وفي نيودلهي، أبلغ أوستن نظيره الهندي راجنات سينغ، أمس السبت، أن الولايات المتحدة ترغب في تعزيز وتقوية علاقات الدفاع مع الهند، خصوصاً في ما يتعلق بتبادل المعلومات والأمور اللوجيستية. وكانت الهند تقاربت مع الولايات المتحدة، العام الماضي، بعد اشتباك مميت على الحدود مع الصين. وساعدت واشنطن نيودلهي من خلال تأجير طائرات مسيّرة للمراقبة وتقديم معدات للطقس البارد للقوات الهندية.

وفي الأسابيع الأخيرة، أعطى كبار الجمهوريين إشارة مشجعة إلى الجهود التي يبذلها بايدن، لتنشيط العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة من أجل مواجهة الصين، وهو تحوّل عن استراتيجية ترامب “أميركا أولاً”. وقال السناتور الجمهوري بن ساسي، في بيان أخيراً، “لديّ العديد من الخلافات السياسية مع إدارة بايدن، لكن على كل الأميركيين الاتحاد ضد طغاة بكين”.

وقبل تسلّمه السلطة، أعطى بايدن ضمانات للفيليبين بالقتال إلى جانبها في أية مواجهة مع الصين، قد يؤدي إليها الخلاف على النتوءات الصخرية والشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي، التي يزعم كلاهما سيادته عليها. كذلك أبلغت الإدارة الأميركية اليابان بأن “اتفاقية الأمن المشترك الموقّعة بينهما تشمل جزر سنكاكو في بحر الصين الجنوبي”، المتنازع عليها أيضاً بين البلدين.

وتحت عنوان “إدارة بايدن تظهر شهية لمعارك رفيعة المستوى مع الصين وروسيا”، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”، أمس السبت، أن شن بلينكن هجوماً على بكين، ووصفها بأنها تشكل تهديداً “للاستقرار العالمي”، والتنديد بسجلّها في مجال حقوق الإنسان والتجارة وهونغ كونغ وتايوان ومجموعة من القضايا الأخرى، أمام الصحافيين وكاميرات الفيديو، يهدف إلى إظهار ثقة إدارة بايدن في مواجهة “العدوان” الصيني. وقال نائب رئيس معهد “سياسة المجتمع الآسيوي” داني روسيل، للصحيفة، “إن هذا العرض العام القاسي غير مفيد بلا شك في أي جهد لإيجاد ديناميكية أكثر إيجابية”. وأضاف “الهدف من الاجتماع فى أنكوراج هو الاتصال، ومن ثم فإن ما حدث بدلاً من ذلك هو أنهم تورطوا في مباراة سجال مع بعض المسرحيات الدبلوماسية. هذا شكل من أشكال الفن الذي يتفوق الصينيون فيه”.

صحيفة “نيويورك تايمز” أشارت، من جهتها، يوم الجمعة الماضي، إلى أن المحادثات في ألاسكا كشفت للإدارة الأميركية نوايا الصين. واعتبرت أن استراتيجية إدارة بايدن لكبح بكين تواجه تحدياً كبيراً، إذ إن الصين تستخدم قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية لإبعاد الانتقادات عنها. وأوضحت أن أول لقاء مباشر لإدارة بايدن مع الصين كشف عن تزايد عدم الثقة بينهما، ووجود خلافات حول مجموعة من القضايا. وأشارت إلى أن الصين تعاملت، على مدى عقود، مع الإدارات الأميركية من موقع الضعف، اقتصادياً وعسكرياً، وقد أجبرها ذلك في بعض الأحيان على الاستجابة للمطالب الأميركية، مهما كان ذلك على مضض، سواء بالإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين أو قبول شروط واشنطن للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، لكنها اليوم متأكدة من قدرتها على تحدي الولايات المتحدة والدفع نحو رؤيتها الخاصة للتعاون الدولي.

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى